مطانس فرح
يتّضح من خلال فحوصات عدّة أجرتها، مؤخّرًا، وزارة الصحّة في مبنى/برج "الصاروخ" في القرية الحكوميّة ("كريات هممشلاه")، والقابع في شارع "پال يام"، أنّ فيه جراثيم عدّة وغازات سامّة!
كما تبيّن من نتائج الفحص، أيضًا، أنّ مبنى "الصاروخ" "مريض"، ويعاني التسمّم؛ فكميّة الهواء النقيّ الجاري داخل المبنى غير كافية، وكميّة الهواء القليل الداخل إلى المبنى من الشوارع المزدحمة بالسيّارات في البلدة التّحتا غير مصفّاة.
عشرات الموظّفات والموظّفين داخل المبنى يشكون آلام رأس حادّة، الدوخة، الاستثارة في العينين، وينتابهم شعور بالاختناق والغثيان، أحيانًا! إنّ الموظّفين في مبنى "الصاروخ"، يستنشقون هواءً ملوّثَا بالجراثيم وحتّى بالغازات السامّة – هذا ما يتّضح من تقرير رسميّ لمكتب وزارة الصحّة في حيفا.
الصورة سيّئة جدًا!
ففي أعقاب شكاوى لعدّة موظّفين عاملين في المبنى عن الشعور بعدم الراحة، الإرهاق، الدوخة، الغثيان، واكتواء في العينين، والإصابة ببعض الأمراض من جرّاء الجراثيم المنتشرة؛ قام مكتب وزارة الصحّة في حيفا بإجراء فحص، تبيّن من خلاله أنّه في أقسام عدّة من المبنى، وخصوصًا في الطبقة "ناقص 3"، والتي فيها – جنبًا إلى جنب – أرشيف وزارة الداخليّة، ومكتب تابع لوزارة الصحّة، تكمن خطورة جادّة لإصابة الموظّفين.
إنّ تقرير مكتب وزارة الصحّة والموقّع من قبل د. بِني بلانكي، يكشف صورة سيّئة جدًّا. فقد تمّ إعداد التقرير بعد أن تمّ إجراء فحوصات عدّة في مبنى "الصاروخ" الحكوميّ، وخصوصًا في الطبقات التي تضمّ مكتب الصحّة اللوائيّ، 15 و18 و19 و"ناقص 3"، والتي هي على مقربة من موقف السيّارات.
وعلى أثر الشكاوى العديدة، وخصوصًا شكاوى موظّفي مكتب الصحّة اللوائيّ بحيفا، أجري استطلاع للموظّفين وفحص شامل لمسبّبات الشعور بعدم الراحة والأعراض المرضيّة، تبيّن من خلاله أنّ 92% من المستطلَعين عانوا الإرهاق، 82% منهم عانوا آلامًا في الرأس، 79% منهم عانوا الشعور بالاختناق، و77% منهم عانوا الحكّة والاكتواء في العينين.
الهواء "النقيّ" ملوّث جدًا!
وقد تبيّن من الفحوصات صحّة شكاوى الموظّفين ومسبّباتها. حيث إنّ مصدر دخول الهواء النقيّ إلى داخل المبنى غير معروف وغير كافٍ كذلك؛ فغالبيّة الوقت تكون نوافذ المبنى مُغلقة ولا يتمّ تجديد للهواء الموجود داخله. كما تبيّن من نموذج فحص لعيّنة من الجراثيم والبكتيريا وجود عدد أكبر من المسموح به للجراثيم والبكتيريا في طبقات عدّة من المبنى، وخصوصًا في الطبقة "ناقص 3"، حيث تبيّن أنّ أجهزة التهوية ملوّثة جدًّا.
هذا وقد وُجدت كمّيّات من العفن في أماكن عدّة من المبنى! وعلى ما يبدو فإنّ الجراثيم والعفن سبب رئيس لاكتواء العينين والحكّة! وقد أشار د. بلانكي في تقريره إلى أنّ "الهواء "النقيّ" الداخل إلى المبنى "ملوّث" جدًّا، وتُمكن ملاحظة ذلك، أحيانًا، من تلوّث حيطان وأسقف بعض الغرف". وأضاف: "تجب تنقية جميع أجهزة التهوية الملوّثة داخل المبنى".
كما تبيّن أنّ هناك بعض الغازات السامّة الموجودة في بعض الطبقات، من جرّاء عدم التهوية السليمة وعدم تغيير الهواء ودخول الهواء الملوّث ببعض الغازات من السيّارات وغيرها.. وقد أكّد التقرير أنّ "كلّ هذه العوامل تؤدّي إلى الأعراض التي شكا منها العديد من الموظّفين؛ والتعرّض لها بشكل يوميّ يزيد من خطورتها، وعلى وزارة الصحّة والمسؤولين العمل، فورًا، لعلاج المشكلة".
هذا وقد نصح التقرير بالتخلّص من السجّاد المفروش في مكتب الصحّة في المبنى، والذي يمتصّ الغبار ويختزنه، حيث يصعب تنظيفه، ما يؤدّي إلى الإصابة بالرّبو (الأستما) ومشاكل في جهاز التنفّس، في مثل هذه الأماكن المغلقة.وأشار التقرير إلى أنّ على الموظّفين – وحتّى إيجاد الحلول الملائمة – أن يخرجوا إلى فرص منتظمة خلال يوم العمل، ومغادرة المبنى لعدّة دقائق، لهدف استنشاق الهواء النقيّ، والتهوية.
كما نصح بإخلاء الطبقة "ناقص 3" التي تعاني أخطر المشاكل من الموظّفين، لحين إيجاد حلّ بل حلول مناسبة."نهتم بالحفاظ على صحّة الآخرين، ولا يهتمّون بالحفاظ على صحّتنا"! وفي حديث لي مع أحد الموظّفين، العاملين في الطبقة "ناقص 3"، رفض الإفصاح عن هويّته لحين الانتهاء من الفحوصات الشاملة، قال: "لم نكن نعلم بخطورة الأمر. أنا، شخصيًّا، عانيت الكثير في الفترة الأخيرة. كنت أشعر بالغثيان الدائم واكتواء في العينين. في بادئ الأمر اعتقدت أنّ ذلك لسبب وجود المكتب بالقرب من موقف للسيّارات وما ينبعث من غازات أو دخان منها، ولكنّي استبعدت أن يكون الأمر بهذه الدرجة من التأثير والخطورة على الصحّة".
وأضاف مازحًا: "نهتمّ بالحفاظ على صحّة الآخرين، ولا يهتمّون بالحفاظ على صحّتنا". سكت هُنَيْهة ثمّ أضاف، جادًّا: "الأمر لا يُطاق. الأعراض تصاحبنا، يوميًّا، كلّما وُجدنا داخل المبنى… كنت أخرج، أحيانًا، خارج المبنى لدى شعوري بالاختناق لاستنشاق الهواء النقيّ، لأعود – بعدها – لمزاولة عملي وحمل الأعراض مجدّدًا.
نحن، الآن، نعلم مسبّبات هذه الأعراض المرضيّة، سنأخذ الحيطة والحذر إلى أن تتمّ معالجة الأمر. وأرجو أن يتمّ ذلك بأسرع ما يُمكن". "ساورتنا الشكوك في أنّ "خللًا" أو "لعنةً" يكتنفان المكان"! هذا وقد أكّدت لي موظّفة أخرى (اسمها محفوظ في ملفّ التحرير): "أشعر، يوميًّا، بإرهاق شديد في ساعات الظهيرة خلال عملي. بدايةً، لم أُعِر ذلك أيّ اهتمام، كنت أعتقد أنّ ذلك من جرّاء الحرّ الشديد أو ضغط العمل، لكنّ الأمر بدأ يزداد، مصحوبًا بآلام رأس حادّة ودوخة".
وأضافت: "توجّهت – مرّات عدّة – إلى طبيبي الخاصّ، فلم يظهر في الكشوفات الطبّيّة أيّ شيء خاصّ، وكان يصف لي مسكّنات ضدّ الآلام، فقط". وفي ردّ على سؤال حول علاقة انتشار هذه الظاهرة بين عدد من الموظّفين، والأعراض التي كانت تشكو منها، قالت: "بعد فترة، وبعد أن تبيّن لي أنّ عددًا من أصدقائي في العمل يشكون الأعراض ذاتها، أو أعراضًا مشابهة، ساورتنا الشكوك في أنّ "خللًا" أو "لعنةً" (تضحك) يكتنفان المكان". واختتمت قائلة: "وهنا جاء دورنا، وقدّمنا شكاوى إلى مكتب وزارة الصحّة في حيفا، والمسؤولون – بدورهم – قاموا بإجراء الفحوصات المطلوبة.
أرجو ألّا تبقى التوصيات حبرًا على ورق، وأن يعملوا، فورًا، على حلّ المشكلة، فلا يُمكن الاستهتار بحياة الموظّفين وتجاهُل هذا التقرير الخطير الّذي يعرّض حياة الموظّفين للخطر". الإعلان عن نزاع عمل؟! وخلص التقرير إلى أنّه يجب، فورًا، العمل حسَب التوصيات (توصيات الاختصاصيّين في التقرير) لحلّ المشاكل المذكورة. "فإضافةً إلى المشاكل والأذى الصحّيّ، هناك أذًى إضافيّ في إنتاجيّة الموظّفين وعملهم السليم".
من المذهل أنّ البعض يدّعي أنّ دائرة الإسكان الحكوميّ، والمسؤولة عن "سلامة" المبنى، كانت على دراية بالأمر وبكلّ الأخطار والأذى داخل المبنى منذ سنوات، ولكنّها لم تعمل شيئًا بهذا الخصوص! وفي المقابل يدرسون – بشكل جِدّي – في نقابة المِنطقة ("الهستدروت") إعلان نزاع عمل، ومطالبة الموظّفين بالتظاهر والإضراب، ذلك إن لم تُحلّ المشاكل، فورًا، وإن لم يأخذ المسؤولون هذا الأمر على محمل الجِدّ.