بات الربيع العربي مادة للتداول منذ أشهر وسيبقى كذلك في الأشهر المقبلة فقد خلق مرحلة جديدة في هذه البقعة القلقة من العالم وسيصل تأثيرها لبقة الدول من خلال ماسيعكسه التغيير الذي جاء بعد وخلال ثورات هذا الربيع الطويل، الذي كان للثورة التقنية متمثلة بمواقع التواصل الاجتماعي فضلا كبيرا في تفجير هذه الثورات التي سيصل مداها لعالم النشر كما في أوربا اليوم.
ولم يفوت المشرفون على فعاليات معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في دورته الثالثة والستين مناسبة الربيع العربيع وتواجد عدد غير قليل من ناشرين وكتاب وصحافيين عرب للحديث عن انعكاسات هذا الربيع على سوق وواقع نشر الكتاب في العالم العربي.
فقد بدأ صباح يوم الخميس الثالث عشر من شهر اكتوبر الجاري بندوة في صالة كونكورد في معرض فرانكفورت للكتاب حول واقع النشر وتسويق الكتاب بعد التغيير الكبير الذي أحدثته ولما تزل ثورات الربيع العربي.
شارك في الندوة كل من بشار شبارو من الدار العلمية للنشر (ناشرون) من لبنان وشريف بكر من دار العربي للنشر في مصر ووليد سليمان من مؤسسة وليدوف للنشر في تونس. وأدارت الندوة كولديا كايسر نائبة مدير تنمية الأعمال في معرض فرانكفورت للكتاب ومستشارة في معرض أبو ظبي الدولي للكتاب التي بدأت بالحديث عن التغيير الذي طرأ على العالم العربي هذا العام حيث كان عدد من الحاضرين اليوم في العام الماضي هنا دون أن يتصور أحد او يتنبأ بهذا التغيير الذي انطلق اليوم خاصة في تونس ومن ثم في مصر. وعلى الطريق هناك ليبيا واليمن وسورية.
واقع النشر وقدرة المواطن الشرائية
حول واقع النشر مابعد الثورة تحدث الناشر المصري شريف بكر الذي قال إن الوضع لم يكن سهلا ولما يزل كذلك. لكن سوق النشر ستتغير بالتاكيد في المستقبل القريب.
مضيفاً بأن هناك حركة نشر لكتب حول الثورة حتى قبل اكتمالها. وهي تلقى اقبالا من القراء، مبيناً بأن الناشر العربي غير نظيره الأوربي فهو لايحقق أرباحاً عادة، ناهيك عن مراعاته لمزاجات الكاتب ومطالبه الكثيرة، منوهاً، من باب المقارنة، بأن سعر اليورو الواحد يعادل 8 جنيهات مصرية. والقاريء العربي يبحث عن الارخص ثمناً. بينما لو نظرنا لاسعار الكتب في أوربا لرأينا الفارق الكبير بين قدرة القاريء المالية وأرباح الناشر الاوربي.
وبين أن عدد نسخ أهم الكتب لايتجاوز الثلاثة الاف نسخة وفي الاغلب ألف نسخة وبسعر لايغري الناشرين. فيما يطبع الناشر الاوربي عددا اكبر من ذلك بكثير.
اهتمام القاريء العربية بالمجلات والصحف
ثم تحدث الناشر اللبناني بشار شبارو عن لبنان الذي لم يقترب منه قطار الربيع العربي الذي له محطات واضحة خاصة في كل من تونس ومصر، موضحاً أن ماحصل من تغيير عربي هو أشبه بالتغيير الذي حصل في دول أوربا الشرقية من تساقط متتابع لأنظمتها الشيوعية أبان التسعينيات من القرن الماضي.
وأشار شبارو الى أن سوق النشر الكبيرة من حيث عدد الناشرين هي في مصر التي تضم أكبر عدد من دور النشر عربياً، منوها الى أن المفارقة في العالم العربي هي وجود عدد كبير من الناس (نحو 300 مليون) مع عدد قليل من الناشرين. والسبب يعود لثقافة القراءة واهتمام القاريء العربي الذي تطغى عليه مطالعة المجلة والجريدة على الكتاب.
وأضاف أن هناك مشاكل جمة في واقع النشر العربي، وهو لايريد من خلال هذا الحديث تقديم صورة سيئة عن واقع النشر عربيا، لكن هذا هو الوضع اليوم، فهناك احلام وخيالات كثيرة لكن الوقع مختلف تماما عنها.
ملامح الثورة لم تكتمل
من جهته قال الناشر التونسي الشاب وليد سليمان أن هذا العام يعتبر عام مابعد الثورة التونسية التي كانت نهاية العام الماضي. وهي مازالت مستمرة حتى الان، مبيناً أن صورة الثورة لم تكتمل بعد حتى مع وجود متسع من الحريات وتوقف الديكتاتور عن قتل الناس.
لكن الثورة أظهرت كتاباً جددا وكتابا شباباً ليس في تونس فحسب بل في دول أخرى مثل المغرب والجزائر.
وحول واقع النشر في بلاده قال سليمان أن تونس بلد صغير من حيث السكان مقارنة ببقية دول العالم العربي فعدد نفوسها عشرة ملايين وليس لدينا عدد كبير من الناشرين، انما نمتلك قدرات كثيرة وأسس لحريات خاصة حرية المرأة التي تعتبر تونس من أبرز الدول العربية في إطلاقها.
وأشار الى أن هناك عدد غير قليل من الكتب حول الثورة لكنها ليست عميقة في تحليلاتها انما أتت مع حمى التغيير، دون ان تقدم وجهات نظر حقيقية للمستقبل. انما حركة الترجمة اخذت في التوسع في تونس بعد الثورة. وتولي مؤسسته اهتماما بالترجمة اكبر اليوم.
وتحدث الناشرون عن عوائق النشر المتمثلة بالرقابة التي يأملون أن تتقلص بعد الثورات وتراجع أقبال الناس على اقتناء الكتاب وعوائق الكمارك والشجن بين الدول.
رقابة
وقد كشف الناشر المصري شريف بكر خلال حديث لايلاف عن إرباك في مسالة الرقابة على المطبوعات فبعد الثورة غابت الرقابة تماما وقد وصلته كتب من خارج مصر لم تتعرض للتفتيش أو حتى فتح الطرد البريدي الذي كان يحملها، لكن ذلك لم يستمر كثيراً فقد عادت الرقابة كما كانت قبل الثورة على حد قوله، تعرض ناشرون وكتاب عادوا من أبو ظبي لمصر لتفتيش في المطار ومصادرة بعض الكتب التي جلبوها معهم.
وحول الرقابة الدينية المتمثلة بالازهر وان كان التغيير شملها اكتفى بكر بالقول إننا نامل خيراً في المستقبل فلم تتضح الصور حتى الان وننظر اكتمال التغيير لمنتهاه.
ثورة الـEbook
لكن واقع النشر في العالم يشهد ثورة من نوع آخر ربما ترتبط بعلاقة مع ثورات العالم العربي وهي الثورة التقنية التي قلبت واقع نشر الكتاب. فغدا الكتاب او المكتبة الالكترونية أو مابات يعرف اليوم بـ Ebook يلتهم أحلام الناشرين وخططهم المستقبلية في عالم الورق.
وإن كانت ثورات الربيع العربي جاءت مستفيدة من الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية كرابط ومحرض بين الثوار الا سوق النشر تلتفت لواقع النشر الآلكتروني الا على استحياء.
غير ان الناشر اللبناني بشار شباروا كشف خلال الندوة وخلال حديث جانبي لايلاف بأنه كناشر كتب لن يبقى كما اليوم بعد عشر سنوات مع الانطلاق الهائل للنشر الالكتروني والثورة التقنية. منوها الى أن مؤؤسة النيل والفرات تعتبر رائدة عربيا في واقع النشر والتسويق الاكتروني غير الرائج عربياً. واكد شبارو بان الثورة التقنية ستغير كل شيء في عالمنا.
الناشران الشابان شريف بكر من مصر ووليد سليمان من تونس اكد على ارتباط الثورات العربية بالثورة التقنية التي ستصل الى بلداننا بالتاكيد. فالكتاب الالكتروني ارخص ثمنا وفي متناول الجميع وبعيد عن عيون الرقيب.
وأجمع الناشرون على أن الالكترون سيهزم الورق في ثورة النشر.
لكن مع بقاء مكانة خاصة للكتاب الورقي الذي له حضوره وميزته. انما في مجال البحث فالكتاب الالكتروني أشمل وأسرع. وللمطالعة الطويلة الوقت تبقى مكانة الكتاب الورقي وثافة اقتنائه ماثلة لدى معظم القراء بمن فيهم مقتنو الكتاب الالكتروني.