تقبّلُ الآخرين، بقلم: د. رفيق حاج

مراسل حيفا نت | 07/10/2011

 

 

 

ان عدم تقبلنا للآخر لمجرد انه يختلف عنا في لون بشرته او قوميته او دينه او طائفته او طبقته الاقتصادية هو اكبر من ان يكون قسوة واجحافا. ان نظرتنا الى "الانسان الآخر" ما زالت مشوبة بالشك والريبة والحذر المتمشية مع عقلية من ليس منّا فهو عدونا او خصمنا او منافسنا. لن يتقدم المجتمع خطوة الى الامام اذا كان به "هم" و "نحن" بغض النظر عن خلفية الانقسام.

 

لا شك لديّ، ان للقدرة الالهية كانت نوايا طيبة لإحقاق العدل والمساواة بكل ما يخص الارزاق والصحة البدنية والجمال والقدرات الذهنية، لكن الانسان بجشعه ونزعاته وانانيته عرقل مساعيها الحميده وتبنّى نظرية خاصة به يعدّلها متى يشاء ويطبّقها على من يشاء ويلائمها لمصالحه ومنافعه ويفسّرها حسب مخاوفه وهواجسه. هذه النظرية معتمدة على "مبدأ القوة" بكل اشكالها وصورها وهي تُشرعِن اكل الضعفاء من قبل الاقوياء. أي بعبارة أخرى الناس ليسوا سواسية كأسنان المُشط كما اراد النبي العربي صلى الله عليه وسلم, وهم يفضلون "العربي" على "العجمي" حسب معايير اخرى غير "التقوى" بعكس ما ارتأى منهم. على ما يبدو هذه الدعوة لا تحظى بالتطبيق الفعلي على ارض الواقع من قبل اغلبية البشر وحتى من قبل الذين يوهمونا بأنهم يخافون الله ويذعنون لاقوال رُسلِه ويهتدون بتعليماته.

ان نظرتنا الى "الانسان الآخر" ما زالت مشوبة بالشك والريبة والحذر على مستوى التعامل اليومي. من ليس منّا فهو عدونا او خصمنا او منافسنا ولذا ينبغي اتخاذ كل الاجراءات والاحتياطات المطلوبة للتعامل معه, وتتفاقم هذه النظرة السوداوية اذا كان من ننظر اليه انسانا عاجزا او جاهلا او فقيرا ولا يُثنينا عن تفكيرنا اية محاولات من طرفه لشرح  اسباب عجزه وجهله وفقره. هذه عقلية نازية وغير انسانية تؤدي حتما الى الاحترابات والصراعات والى الويل والدمار, والتاريخ يشهد على ذلك. تزدهر وتترعرع هذه العقلية الخطيرة في مجتمعات تعاني من تمزّق في النسيج الاجتماعي, حيث يميل افرادها الى التشكيك في الطرف الآخر الى درجة غير معقولة. من ليس من عائلتي او ديني او طائفتي او بلدي او شريحتي الاجتماعية-الاقتصادية فهو "انسان آخر" لا اشتري منه ولا اضمه الى مجموعة اصدقائي ولا أؤيده في الانتخابات ولا اشاركه في المصلحة ولا اتفاعل معه الا في حالات الضرورة القصوى.

ان عدم تقبلنا للآخر لكونه يحمل خصائص موروثه كلون البشرة وطول القامة والشكل والانتماء الى قومية معينة او طائقة معينة هو اكبر من ان يكون قسوة واجحافا. ففي هذه الحالات لم تُتًح لـ "الآخر" امكانية الاختيار لأن كل تلك الميزات ولدت معه. ولو كان عدم تقبلنا للآخر نابعا من سلوكياته وتصرفاته وحالته المادية فهذا ايضا ليس سببا كافيا لنصنّفه ولنعدّه على الشق الآخر. كما تعلمون شخصية الانسان هي وليدة الظروف. هنالك من يولدون وفي افواههم ملعقة ذهبية وهنالك من يولدون في واقع صعب يؤثر على سلوكياتهم وشخصيتهم.

على ما يبدو ان اغلبية الناس يميلون الى التعامل والتقرب ممن يضاهيهم وينأون عمّن يختلف عنهم حرصا على خصائصهم وميزاتهم كشريحة. يعتقد البعض ان "التعامل" مع "الشريحة الاخرى" بكل صوره وحالاته يهدد تميّزهم وتفرّدهم ويخشون ان يكون لذلك اسقاطات سلبية على مرتبتهم الاجتماعية، او مكاسبهم الاقتصادية، وهذا طبعا اعتقاد خاطئ ينبغي تفنيده او على الأقل التقليل من شأنه.  المجتمع لا يمكن ان يتقدم خطوة الى الامام اذا كان به "هم" و "نحن" بغض النظر عن الخلفية التي  ادت الى هذا الانقسام ان كانت دينية او اقتصادية او قومية او غيرها.

من الاسباب التي تؤدي الى عدم تقبلنا للآخرين هو خوفنا منهم. نحن نخاف ان يرغمونا على تبني عاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم وان ينافسونا على الحيز العام وان يستولوا على مواردنا وميزانياتنا ويؤثروا على اسعار السلع والمساكن، وان يقلقوا راحتنا بضجيجهم وان يقفوا امامنا بالدور. نحن نخشى ان تُصبغ حياتنا باللون الخاص بهم. طبعا, الكثير من هذه المخاوف وهمية ونابعة من نقص في المعلومات حول "الطرف الآخر" ولذا فمواقفنا تجاههم نابعة من تكهنات ممزوجة بالسوداوية والتشاؤم. ولو بذلنا مجهودا اكبر بالتعرف عليهم والاختلاط بهم قد نتراجع عن آرائنا ومواقفنا ونأخذ مواقف مغايرة او أقل تطرفا.

لكي نرسّخ عقلية "تقبل الآخرين" في مجتمعنا علينا ان نتبنى قيما انسانية عامة ونُخلص لها ونحترمها كالتسامح والعدالة والرأفة. يجب ان نُدمج هذه القيم في مناهجنا الدراسية  وفي نصوصنا الادبية وفي مشاريعنا الميدانية وان نعمل على ادراجها في مسار تربية اولادنا  والا فاننا سنصل الى درجة انغلاق تعيق مسيرة تطورنا وتضعف عملنا الجماعي. من حق الآخرين ان يختلفوا عنا شكلاً ومضموناً. من حق الآخرين ان تكون لهم اراء ومواقف وسلوكيات  تختلف عنا وان تكون لهم تطلعات غير تلك التي نحملها وان تكون لهم عادات وطقوس ورموز غريبة وعجيبة لا نفهمها، لكن ذلك لا يعطينا شرعية باقصائهم من ساحتنا او تجاهلهم او مقاطعتهم او وصمهم او تصنيفهم في فئة "الآخرين".

اذا لم ترُق لنا تصرفات من ننعتهم بـ "الآخرين" علينا ان نحاول ان نضع انفسنا مكانهم ونسأل انفسنا هل كنا سنقوم بنفس التصرف ام لا؟ الحق يُقال مهما تباينت الطبيعة البشرية واختلفت الاطباع فهنالك انماط سلوكيه ومواقف تترعرع في ظروف معينة وهنالك نماذج بشرية تنمو وتتبلور في بيئات خاصّة. هنري فورد يقول: يكمن سر النجاح في القدرة على استيعاب وجهة نظر الشخص الآخر.ورؤية الأشياء من الزاوية التي يراها هو بالإضافة إلى الزاوية التي تراها أنت..

باختصار، ان محاولتنا التقوقع في مجموعتنا وعشيرتنا وحزبنا واحتساب كل من لا ينتمي اليهم "دخيلاً" او "مغايرا" قد يجلب لنا شعورا وهميا بأننا "صفوة القوم" او اننا "آمنون" في مضاجعنا، لكن نظرة اشمل للموضوع تُثبت لنا اننا على خطأ، وعلينا تقبل كل الناس كما هم وان نكتفي بالمعايير الاخلاقية فقط لاشراكهم في حياتنا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *