المتخاذلون العرب، بقلم: د. رفيق حاج

مراسل حيفا نت | 26/09/2011
 
 
 
يعتقد البعض ان الانضمام الى احزاب صهيونية يقصّر "الطريق الى  النجاح" ويمنحهم "مرتبة اجتماعية" مرموقة. لكي نمنع تفاقم ظاهرة المنضمين الى الاحزاب الصهيونية لا يكفي ان نتهمهم بالعمالة والنفاق للسلطة. علينا ان نجري مناقشة جذرية حول اهداف النضال الحالي واساليبه ومساهمته في تلبية مطالب الناس. لقد حان وقت الانتقال من النضال الاحتجاجي العاقر الى البناء الذاتي
 
هنالك تحامل من الحائط الى الحائط على العرب الذين ينخرطون في الاحزاب الصهيونية داخل اسرائيل، والبعض يتهمهم "بالخيانة" وآخرون ببيع القضية وآخرون ببيع انفسهم من اجل المصالح الشخصية الضيقة. في ايام خلت كان من ينضم الى حزب صهيوني يخفّض رأسه خجلاً، اما اليوم فترى نُشطاء الأحزاب الصهيونية من العرب يفتخرون بذلك بل يحاولون اقناعنا بنظرية "هكذا أفضل للعرب". ان التحامل على مثل هؤلاء من قبل الاكثرية العربية واضح ومفهوم ومتوقع لكن الهجوم عليهم واتهامهم بالعمالة والصهينة غير كافيين لوحدهما لحل المشكلة.
 
لكي نحل المشكلة يجب ان نتقصّى العوامل التي ادت الى حدوثها، ومن بعدها يصح ان نأخذ موقفا تجاهها ومن ثم المفروض منا ان نحاول حلها بـ "طرق سلمية" ومهنية ناجعة. ان الصاق تهمة "المتعاونين" لن يُجدِي نفعاً ولن يصدّهم عن غيّهم. ان عبارة على شاكلة هم متخاذلون ومتعاونون ونحن شرفاء ووطنيون، قد تريّح ضميرنا لكنها لن تقضي على هذه الظاهرة. لقد اعتادت بعض الاحزاب والصُحف المُلتزمة استعمال هذا الاسلوب الهجومي في الماضي لكن ذلك لم يُثنِ عشرات الآلاف من المواطنين العرب من الانضمام الى الاحزاب الصهيونية. والسؤال الاول الذي يطرح نفسه هو "لماذا؟ ومن هؤلاء الذين باعوا انفسهم "للشيطان"؟
 
لنكن صريحين مع انفسنا لحظة واحدة ونعترف ان هناك صراعا تاريخيا يدور في خُلدنا منذ قيام دولتنا "العتية"  الناتج من انتمائنا المزدوج للدولة الاسرائيلية وللشعب العربي الفلسطيني في آنِ واحد. هذا الصراع بين القوتين هو اعمق بكثير مما يظن البعض, وهو منبثق من صراع اكبر يدور بين "مصدر الرزق" و "الهوية القومية". يميل علماء النفس على اعتبار "مصدر الرزق" حاجة اولية مُلحّة اكثر من الشعور بالزهوّ القومي الذي يتبع لفئة "تحقيق الذات"، وعُلماء الاقتصاد يؤكدون ان العامل الاقتصادي هو الاكبر تأثيرا على اختياراتنا من أي عامل آخر، وهو قادر على تقزيم اية اعتبارات قومية او طائفية او عائلية، الا اذا كانت محصّلة هذه الاعتبارات ذات قيمة عاطفية واجتماعية اكبر وهذه حالات نادرة. هنالك اشكالية معينة تواجه المواطن العربي في دولة اسرائيل في التوفيق بين تطلّعاتة الاقتصادية المتمثلة في تأمين مصدر رزقه التي تتطلب منه "المرونة" في تعامله مع المؤسسة الاسرائيلية وبين تضامنه مع قضية الشعب الفلسطيني الذي سلبت ارضه وطرد من بيته.
 
عندما يتواجد الانسان في حالة صراع بين عالمين فأن أي "اغراء" صغير من كلا العالمين بإمكانه ان يؤدي الى اخلال توازنه ومن ثمّ الى تحركه باتجاه القوة الذي عَمِلت عليه. تماما كما يحصل للجسم الساكن المتواجد تحت تأثير قوتين متساويتين ومتعاكستين عندما يتعرض لازدياد صغير في احدى القوتين. بعبارة أخرى أن امكانية "انزلاق" بعض الشرائح السكانية من العرب بالانتساب الى احزاب صهيونية مقابل "فوائد وامتيازات" هي واردة بالحسبان، فمثل هؤلاء يعتقدون ان ربط مصالحهم بمصالح المؤسسة الاسرائيلية يُتيح لهم الحصول على منافع اقتصادية كالفوز بمناقصات والحصول على وظائف لهم ولذويهم وغيرها من الامتيازات. يُخلُّ هذا التوازن ايضا عند حصول هبات شعبية ذات طابع قومي كهبة اكتوبر وأيام الارض وغيرها، والتي تؤدي الى ارتفاع منسوب "الانتماء القومي" في دمائنا والى خروج الجماهير الى الشوارع.
 
اذا رجعنا الى تحليل العوامل التي ادّت الى "تَصًهيُن" بعض الافراد والشرائح في الوسط العربي  نجد ان العامل الرئيسي هو تفضيل المنافع الاقتصادية الشخصية الضيقه على الكرامة الوطنية. لن تجد عربيا فاعلا في حزب صهيوني يناضل من اجل تشغيل مهندسين عرب في شركة الكهرباء او من اجل توسيع مُسطح البلد وانما من اجل تعيين ابنه في دائرة حكومية او مدير مدرسة او مستشارا لوزير بدون حقيبة. لكن هنالك عوامل اخرى تجعل العرب ينخرطون في الاحزاب الصهيونية مثل الحصول على "مكانة اجتماعية" مرموقة بدون جهد كبير. عندما يقوم احدهم بدعوة وزير من حزبه الى بيته، تراه يشرئب بعنقه فخرا كديك ذُبِحَت كل اقرانه، ويوهم من حوله ان هذا الوزير صاحبه "الروح بالروح" وانه يستطيع ان يطرق بابه دون استئذان واذا لمح ابتسامة عدم التصديق على وجهنا يقبض بيده على الهاتف الخليوي ليتصل بالوزير في حضرتنا. ان توجّهات الناس اليه لتسهيل امورهم والوساطة لهم تغمره بالسعادة والشعور بالتفوق. لا شك ان حالة الفقر الصعبة التي تعيشها الاقلية العربية في اسرائيل تشكّل تربة خصبة لتفاقم هذه الظاهرة وازدياد الحاجة الى "منقذين" أيا كانوا.
 
يعتقد مثل هؤلاء ان الانضمام الى احزاب صهيونية كمتعهّد للاصوات يقصّر "طريق النجاح". لا حاجة ان تكون مهنيا او جامعيا او ناجحا في عملك لكي تصبح شخصية مرموقة ومؤثرة في مجتمعك.. هنالك ايضا من ينضم الى الاحزاب الصهيونية خشية من "سيف السلطان" ونفاقا للسلطة وايثار  الجلوس بالجانب الآمن من النهر, وهنالك من يعتقدون ان هذا الامر يزيدهم هيبة وقوة ويتيح لهم الحصول على رخص للسلاح المطلوب لإخافة خصومهم. منهم ايضا من يعتبر ان النضال الاحتجاجي الذي تقوم به التيارات السياسية القائمة عقيما ولن يجلب أي فائدة للوسط العربي، وهؤلاء قلة لكن ينبغي الاصغاء اليهم.
لكي نمنع تفاقم عدد المنضمين الى احزاب صهيونية لا يكفي قذفهم ونبذهم واتهامهم بالعمالة وبيع الضمائر علينا ان نجري مناقشة جذرية حول اهداف النضال الحالي واساليبه ومساهمته في تلبية مطالب الناس وتطرقه الى همومهم اليومية. يجب ان تكون لدينا حلول او اتجاهات لحلول لتحقيق اماني وتطلعات الناس. يجب ان ننتقل من النضال الاحتجاجي العاقر الى معركة البناء الذاتي ومن المفضّل ان نقوم بذلك اليوم قبل فوات الاوان.
 
 
 
بإمكان القراء ارسال ردود فعلهم الى البريد الالكتروني:haj@netvision.net.il
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *