أهميـــــة الحركة..! بقلم: د. رفيق حاج

مراسل حيفا نت | 27/08/2011

 

 
اغلبية الناس تفضّل القبوع في أماكنها خشية من "ركوب المخاطر". ان ملازمة نفس المكان له جذور اجتماعية وتاريخية بنيوية تجعلنا متعلقين بعائلتنا ومسكننا وبلدنا. عندما ننتقل الى موقع جديد نكتشف قدرات ومواهب لم نعرفها من قبل, ونضطر الى اعادة النظر في مواقفنا وعلاقاتنا مع الآخرين. هنالك العديد من المصالح الاقتصادية التي ازدهرت عندما انتقلت الى بلد او شارع آخر.
 
بادئ ذي بدء، وقبل ان تهربوا من قراءة هذه المقالة،  وخشية ان تقلبوا الصفحة "على رأسي،  اود ان اطمئنكم بأني لا أنوي التحدّث عن الحركة بمفهومها الرياضي-الجسماني، او ان اعظكم للتخلص من بعض الكيلوغرامات الزائدة لا سمح الله, ولا عن الحركة الحزبية – السياسية فلدينا ما يكفينا، ولا عن حركة التنوين- النصب التي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر حرصًا ألاّ افقد شريحة كبيرة من قرائي. الحركة التي سأتحدث عنها تعالج موضوع التنقل من مكان الى آخر ومن مهنة   الى اخرى ومن طريقة تفكير اعتدنا عليها الى طريقة جديدة, وساتطرق الى الحاجة لتغيير العادات التي نمارسها او النشاطات التي اعتدنا خوضها او المعارف الذين قضينا جل وقتنا برفقتهم.
 
هنالك الكثير من الايجابيات للحركة من مكان الى آخر، ومع ذلك نرى ان اغلبية الناس تفضّل القبوع في أماكنها وقد طوّرت امثال غريبة عجيبة في هذا الصدد مثل "اللي بتعرفه احسن من اللي بتعرفوش.." و "الرِجل النقاّلة مش بقّالة" التي تدعو الى تقضيل الموجود على المخفي.
طبعا هذه عقلية لا تخلو من الانهزامية  والتزمت والتشبث بالموجود. لا شك، اننا كشعب  عانى الامرين من الترحيل والتهجير ومصادرة الاراضي ترانا نتشبث بالأرض والمسكن ومكان العمل اكثر من أي شعب آخر. الأرض بالنسبة لنا هي عرض والمسكن هو مركّبٌ من مركباتها، بينما لابناء شعب آخر قد يكون المسكن او الارض ليس اكثر من املاك عادية لها قيمة مالية تُباع وتشترى بالسوق العقاري.
 
 ان ملازمة نفس المكان طوال الحياة له جذور اجتماعية بنيوية تتعلق بالمبنى الابوي والحمائلي الذي يجعل الفرد متعلقا بمحيطه وببلده حتى لو بدا لنا انسانا عصاميا ويتمتع باستقلال اقتصادي. ان من يحاول التفكير بييع ارضه او داره في القرية التي وُلد بها والانتقال للسكن في المدينة او في بلد آخر يصادف تحفّظا وممانعة  كبريين من ابناء عائلته حيث يعتبرون ذلك تخليا عنهم. ناهيك عن الاقاويل والاكاذيب التي تتناقلها الناس عن سبب انتقاله للسكن الى مكان آخر مثل الهروب من دائنيه او خيانة زوجته له او خلافه مع اشقائه وغيرها.
 
عندما نتحرك من اماكننا وننتقل للسكن في بلد آخر او حتى قطر آخر نكتشف امورا لم نعرفها عن انفسنا من قبل, مثل مدى استقلاليتنا وثقتنا بانفسنا وقدرتنا على التكيف وانفتاحنا على واقع جديد واستعدادنا للتعرف على اصدقاء جدد والانخراط في مكان عمل جديد.
ان الانتقال الى موقع جديد يجعلنا نقيّم من جديد علاقاتنا مع الآخرين ويسنح لنا فرصة التأكد من محبتنا لهم ومحبتهم لنا، والى اعادة النظر حول مواقفنا من الاشخاص والاحداث. التحرك من مكان الى مكان يجعلنا نستبدل زاوية الرؤيا بأخرى وان نخرج من القوقعة المحبوسين بها. عندما ننتقل من مكان الى آخر قد نكتشف ان مصادرمخاوفنا وقلقنا كانت وهمية وانها تلاشت يوم رحيلنا.
 
يقول المثل العربي "في الحركة بركه" والمثل العبري "من يغيّر مكانا يغيّر حظا". عندما ننتقل الى مكان آخر تنفتح امامنا فرص اقتصادية جديدة قد تنتشلنا من الاسفل الى الاعلى. هنالك الكثير من المصالح الاقتصادية التي ازدهرت مدخولاتها وارباحها عندما انتقلت من بلد الى آخر او من شارع الى آخر. في مواقع جديدة قد نصادف اناسا يقدّرون مواهبنا ومهاراتنا ونحظى بمكانة اجتماعية او مهنية او سياسية او فنية لم نكن نحلم بالوصول اليها من قبل. ان انتقالنا الى مواقع جديدة يريحنا من الآراء المُسبقة التي حملها الآخرون ضدنا والتي حملناها ضدهم,  والتي كانت حجر عثرة في مسار تطورنا. ان فتح صفحة جديدة به استعادة للنشاط والحماس والتأهب لمجابهة التحديات.
 
وهنا قد تتصدى لي "شرطة الأفكار" سائلة "اذا كان الفرد ينعم بحياة رغيدة وعيش  هنيء.. لماذا يخاطر بالانتقال الى مكان آخر؟" طبعا، الاجابة على ذلك اسهل بكثير مما تتوقعون. من وصل الى ما وصل اليه من ثروة بجدارة مستعملا قدراته ومواهبه لا خوف عليه ان ينجح في أي مكان آخر، وفي موقعه الجديد لن يضطر للبدء من جديد لأن ما جمعه من أموال ومعرفة ومهارات وإدراك بطباع الناس سيشكل رصيدا اوليا له للقفز الى قمم جديدة لم يعهدها من قبل. مع ذلك انا اعترف ان الانتقال من مكان الى آخر لا يلائم كل الاشخاص في كل الحالات. من جمع ثروته عن طريق الحظ او الصدفة او "الواسطة" فليقبع في مكانه وكذلك الأمر بالنسبة للذي وصل الى ما وصل اليه بطرق ملتويه وغير شرعية.
 
ان احدى الاسباب التي  يعزوها المحللون الرياضيون لكرة القدم لعدم نجاح فريق مُعين في تسديد الاهداف هي  ان أغلبية اللاعبين لا تتحرك من الاماكن التي خصصها لها المدرب. انهم ينتظرون الكرة لتصل اليهم ومن ثم التصرف بها، وهذا يسهّل على الخصم "قراءة" خططهم واختطافها منهم, بينما لو تحركوا من اماكنهم لاستطاعوا تمرير الكرة بينهم بسهولة اكبر ومن ثم الى احراز الاهداف.
 
ان الانتقال الى مكان آخر هو خطوة لا بد منها لمن يعانون من اوضاع اقتصادية او اجتماعية صعبة كعدم توفر مصدر رزق او مقاطعة "العشيرة" او عدم تفهّم المجتمع لهم, فلا يوجد في هذه الحالة ما يخاطرون به. ان انتظار القدر ليعطف علينا قد يدوم وقتا طويلا,  والانتظار في الدور قد يستغرق الحياة بأكملها. غير معقول ان ننتظر تحسّن أحوالنا بدون ان نأخذ زمام الامور بأيدينا ونبحث عن آفاق جديدة. ان لامَنا اللائمون نقول "حاولنا!".
                                    
بإمكالان القراء ارسال ردود فعلهم الى البريد الالكتروني:haj@netvision.net.il

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *