ما عندنا وما عندهم، بقلم د. حبيب بولس

مراسل حيفا نت | 03/07/2011

 

رقص القلب طربا حين كنت أشاهد صدفة على شاشة تلفزيون فلسطين، لعبة كرة قدم بين فريق اولمبيّ ايطاليّ، وفريق فلسطينيّ. وازداد ايقاع الرّقص حين جاء التّعريف بفريقنا الفلسطينيّ، على أنّه فريق وطنيّ أولمبيّ، وتضاعفت الفرحة حين سمعت التّعليق بأنّ المباراة تجري على أرض الملعب الأولمبيّ الفلسطينيّ في مدينة دورا قضاء الخليل.

هذه المباراة أثلجت صدري ودفعتني الى ذروة النّشوة، وقادتني الى مناطق الشّدهة، فَرُحْتُ أقارن بين شعبي الفلسطينيّ وبين المحتلّ، رُحْتُ أعدّد ما لدينا وما لدى المحتلّ أوازن وأقارن وأقلّب الأمور كي أصل الى جذور المعادلة الصّحيحة، فكان هذا الكلام:

لدينا قدرات

لدينا اذن اليوم فريق كرة قدم وطنيّ اولمبيّ، لدينا ملاعب كرة قدم اولمبيّة، لدينا لاعبون وطنيّون شباب مع معنويّات كبيرة وأحلام أكبر. لدينا شعب غالبيّته من الشّباب الواعد، الّذين يتحدّون الدّنيا ويحطّمون الصّخر من أجل حقّ مشروع يؤمنون به.

لدينا وطن صغير يتنفّس برئتين، صمّم أبناؤه على تحريره.

لدينا مقاومة سلميّة عنيدة لن ترتاح حتّى تصل الى ما تريد من اقامة دولة مستقلّة حرّة. لدينا بحر غزّة الّذي تتحطّم عند شواطئه أطماع الغزاة، لدينا جبل النّار الّذي يحرق كلّ مغتصب متغطرس.

لدينا سهل جنين وطولكرم وقلقيلية، سهل الخيرات والطّيّبات.

لدينا شهداء وضحايا وأسرى قدّموا للوطن حياتهم عسلا ولبانًا ومرًّا من أجل حرّيته. لدينا مدارس وجامعات راقية تخرّج فوجًا يقفو فوجا من الأكادميّين والباحثين والمثقّفين.

لدينا نساء صابرات مناضلات يغزلن بالدّمع وبالعمل للوطن اكليل نصره، لدينا صبايا مثقّفات منفتحات متحرّرات ينسجن بانجازاتهن للوطن تعويذة تحميه وتحمي أبناءه من كلّ شرّ.

لدينا سواعد من فولاذ تبني الوطن وتعمّره، لدينا مؤسّسات تعمل بجدّ ونشاط ونزاهة تخدم الوطن وأبناءه. لدينا قرى ومدن عامرة رغم الفقر ورغم القهر ورغم جدار الفصل.

لدينا رصيد هائل من التّاريخ والحضارة والعلم والثّقافة. لدينا القدس الشّريف بكلّ ما فيه من عبق التّاريخ والمقدّسات.

لدينا الكثير الكثير مما نعتزّ به ونفتخر. لدينا رئيس ذو مواقف صلبة لا يهادن ولا يرائي ولا يفرّط بحقّ، مصمّم على الثّوابت.

لدينا رئيس وزارة متعقّل، متفهّم، متنوّر، يعمل بدأب ونشاط، يبني بهدوء لا بصخب وضوضاء مؤسّسات الوطن وبنيته التّحتيّة، ويرسّخ دعائم الدّولة الحديثة،وينشر ويجذّر اسم فلسطين عاليا في المحافل الدّوليّة والعالميّة.

لدينا شعب يؤمن بالحريّة وبالكرامة وبعدالة قضيّته وبحقّه المشروع في العيش الكريم على تراب وطنه، ويؤمن بالسّلام طريقا للحياة. لدينا علم نُسجت ألوانه من تاريخنا المشرّف، من صنائعنا ومرابعنا ووقائعنا ومواضينا، لدينا نشيد وطنيّ غُزلت ألحانه من آلامنا وآمالنا.
وأنتم ماذا لديكم؟!!

لديكم جدار فصل عنصريّ هو الوحيد الباقي في هذا العالم، لديكم قرى ومدن متطوّرة صناعيّا وتقنيّا تصنع آلات الحرب والدّمار.

لديكم مفاعل نوويّ يهدّد أمن وسلام المنطقة وشعوبها. لديكم جيش متطوّر عسكريّا وتقنيّا يزرع الدّمار والخراب. لديكم آلة حربيّة حديثة متطوّرة من أساطيل جويّة وبحريّة وبريّة.

لديكم طائرات ودبّابات وقنابل وصواريخ على أنواعها تشكّل قوّة ضاربة تنسف حقّ النّاس بالحياة، وتدمّر كل انجاز حضاريّ. لديكم قطعان من المستوطنين يعيثون في الأرض فسادا وخرابا ويهدّدون حياة شعب آمن على أرضه.

لديكم رئيس وزارة غائب عن الواقع وعن التّاريخ لا يؤمن سوى بحقّ شعبه ويرفض حقّ الآخرين ويرى في أبناء شعبه أبناء سيّدة وفي الآخرين أبناء جارية، لديكم وزير خارجيّة غارق في العنصريّة، لديكم أمريكا تدعم تعنّتكم وتمسح أخطاءكم وتمكيجها. لديكم قوانين عنصريّة لفظها التّاريخ وتجذّرت عندكم. لديكم القوّة برّا وبحرا وجوّا. لديكم الكثير الكثير. ولكن رغم هذا الكثير الّذي لديكم ينقصكم الكثير أيضا.

فنحن أصحاب حقّ وأنتم غاصبو حقّ. نحن أصحاب أرض وأنتم محتلّون. نحن أصحاب حلم وأنتم قامعو أحلام. نحن أصحاب حياة وأنتم مصادرو حياة. نحن أصحاب كلمة وأنتم أصحاب عسكرة.

سلاحنا كلمتنا الحرّة الصّادقة الشّريفة المغروفة من القلب، بها نقاتل وبها نتحدّى وبها نرسم للأجيال القادمة المستقبل الزّاهر، ولكم آلتكم الحربيّة المتطوّرة. والكلمة هي الأدوم والأبقى. هل رأيتم آلة حرب تخلد؟

وهل رأيتم احتلالا يدوم؟ انّما ما يخلد هو الحقّ والكلمة الشّريفة التّي تقاتل من أجل العدالة والحريّة والسّلام. أما ذوّتم العبرة من تاريخ الشّعوب؟ أما تعلّمتم الدّرس من الشّعوب الّتي تحرّرت؟ ألم تسمعوا ما قاله يوما ذاك النّصراويّ ابن الحارة الشّرقيّة يحذّركم :" واوي بلع منجل".

ألم تسمعوه وهو يصرخ في وجوهكم "هنا باقون فليشربوا البحرا". " وبأسناني سأحمي كلّ شبر من ثرى وطني بأسناني". ألم تتعلّموا ممّا قاله:" وطني- مهما نَسوا- مرّ عليه ألف فاتح ثمّ ذابوا مثلما الثّلج يذوب". أما فهمتم كلامه أفضل أن يراجع المضطّهد الحساب من قبل أن ينفتل الدّولاب ( لكلّ فعل اقرؤا ما جاء في الكتاب!).

الكلمة سلاحنا في معركتنا من أجل حريّة الوطن واقامة دولتنا المستقلّة. فمنذ أن صرخ ذاك الشّهيد "سأحمل روحي على راحتي وأهوي بها في مهاوي الرّدى" ونحن صامدون نقاوم الظّلم، لا تلين لنا عزيمة ولا تفتر قوّة. ومنذ صرخ ابن مصمص صرخته المدوّية الّتي رجّت أعمدة هذا الزّمن "سنفهم الصّخر ان لم تفهم البشر أنّ الشّعوب اذا هبّت ستنتصر".

ونحن نناضل ونقاوم من أجل العيش الكريم. ومنذ أن أطلق ابن الرّامة الأصيل صرخته "هذي شراييني خذوها وانسُجوا منها بيارق جيل التّمرّد". ونحن منغرسون في أرضنا لا يزحزحنا عنها عسكر ولا بارود. ندفع مهر الوطن شهداء وأسرى "فالأم الّتي لم تودّع بنيها بابتسامتها الى الزّنازين لم تحبل ولم تلد" كما صرخ يوما ابن غزّة.

الكلمة سلاحنا وسلاح جيل هذا العصر" سلاح عملاق هذا العصر، هبّ أطلع النّصر فكلّ السّابقين أطلعوا الهزيمة". كما صرخ ابن البقيعة يوما. لقد هبّ عملاق هذا العصر مرّتين وفي المرّتين حقّق الكثير فحذارِ من هبّة ثالثة حذارِ.

سلاحنا الكلمة الحرّة الشّريفة الصّادقة وهي حتما المنتصر في معركة البقاء والحقّ. والتّاريخ معنا، والدّنيا معنا و "العبوا بالنّار (اذن) ما شئتم، فلا حقّ يموت". لا حقّ يموت فالقضيّة قضيّة وقت ليس الاّ. ف" على هذه الأرض- أرض فلسطين، أمّ البدايات، أمّ النّهايات- ما يستحقّ الحياة". كما صرخ ابن البروة، ولأنّ الأمر كذلك، ولأنّنا نحبّ الحياة ونستحقّها ونتشبّث بها لا حقّ فعلا يموت. ونحن والدّولة المستقلّة وعاصمتها القدس الشّريف، على ميعاد، على ميعاد.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *