جميل السلحوت:
عن منشورات وزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، صدر في الأيام القليلة الماضية كتاب(الأبواب المنسية) للشاعر والأديب المعروف المتوكل طه، ويقع الكتاب الذي احتوى على عشرات اللوحات التشكيلية للفنانة ريما الزين في 220 صفحة من الحجم المتوسط، وقدم له الشاعر عيسى قراقع وزير شؤوون الأسرى والمحررين.
. والكتابة عن الاعتقالات والسجون الاسرائيلية ليست جديدة في التاريخ الفلسطيني، فقدسبق وان كتب عنها الدكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن الماضي(يومياتسجين)كما صدرت مجموعة قصص(ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمد خليل عليان في بدايةثمانينات القرن الماضي، و(الزنزانة رقم ..) لجبريل الرجوب، وروايتا(ستائر العتمةومدفن الأحياء)وحكاية(العمّ عز الدين) لوليد الهودلي،و(تحت السماء الثامنه)لنمرشعبان ومحمود الصفدي،وفي السنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عنذكرياته في الأسر، وفي العام 2005صدر للنائب حسام خضر كتاب"الاعتقال والمعتقلون بين الاعتراف والصمود" وقبل عام صدرت رواية"المسكوبية لأسامة العيسة، وقبل أسابيع صدر كتاب"الف يوم في الاعتقال" للقائد النائب مروان البرغوثي، وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن، كما أن أدب السجونوالكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة عالمياً أيضاً.
وها هو المتوكل طه يساهم في هذا المجال.
عنوان الكتاب:
يحمل الكتاب عنوان "الأبواب المنسية" وهو عنوان شاعري لافت رغم واقعيته، فمن لا يعرف هوية المؤلف والمكان الذي يعيش فيه قد يظن العنوان رومانسيا يحمل في ثناياه رواية حب، وهو كذلك لكنه حب من نوع آخر، حب بعيد عن العشق والغرام، انه حب الحرية المسلوبة، وحب من غُيّبوا وراء القضبان مسلوبي الحرية الشخصية بحثا عن حرية وطنهم وشعبهم، ولذلك فان الكاتب أهدى مؤلفه لهم، والعنوان لم يأت عبثا أو عفو الخاطر، بل انعكاس لواقع مؤلم، فهناك أكثر من سبعة آلاف أسير فلسطيني وعربي في سجون الاحتلال الاسرائيلي، منهم من مرّ عليه أكثر من ثلاثين عاما خلف القضبان، والمئات منهم مرّ عليهم أكثر من عشرين عاما، ومن بين الأسرى نساء وأطفال وشيوخ ومرضى، ومنهم من قضى نحبه في الأسر، فخرج من قبر الحياة محمولا على الأكتاف لقبر الممات، لكن روحه تحلق عاليا في سماء المجد والخلود، ومع ذلك فان أحدا لم يعمل ما فيه الكفاية لإطلاق أسرى الحرية، أو أنهم يكادون أن يكونوا منسيين من أبناء أمتهم ومن المتشدقين بحقوق الانسان، وكأن الحرية ليست حقا يتساوى فيه البشر جميعهم، ومن هنا جاء عنوان الكتاب.
المضمون:
تحدثت الكتابات السابقة عن الأسرى والسجون…عن عمليات التحقيق الوحشي، والتعذيب والمعاملة اللا انسانية التي يتعرض لها الأسير، وتحدثت عن المعاناة والمكابدة، وتأتي نصوص"الأبواب المنسية" والتي يبلغ عددها ثلاثة وستين نصا لتتحدث عن نماذج إنسانية حُرمت من ممارسة انسانيتها، تعاني وتحلم وتمارس"الحياة ما استطاعت اليها سبيلا"
الضدية:
والجميل -رغم مرارة المضمون- في هذه النصوص هو الضدية التي فيها، ظالم ومظلوم، سجين وسجان، قامع ومقموع، الانسانية والوحشية، الحب والكراهية، الجمال والقبح، القوة والضعف، الارادة والتخاذل، الشجاعة والجبن، النزق والصبر، اليأس والبأس، الأمانة والخيانة، الصدق والكذب، النصر والهزيمة، الصحة والمرض، التفاؤل والتشاؤم، الرذيلة والفضيلة، الصمود والانهيار، الضحية والجلاد…الخ.
اللغة والأسلوب:
لجأ الكاتب الى أسلوب القص الشاعري، وبعض النصوص لا تتوافر فيه الشروط الفنية للقص، وهي أقرب الى لوحة فنية تجملت باللغة الشاعرية، لتكون خاطرة أو مقالة تحمل قصة أو حكاية أسيرة أو أسير مطهمة بالانسانية، وجاء السرد بعيدا عن المباشرة والشعارات الرنانة، ليتغلغل بنعومة الى عقلية المتلقي الذي لا يعود أمامه خيار سوى التعاطف مع هؤلاء الضحايا، والمؤلف الذي يملك ثروة لغوية لافتة استغلها جيدا للتعبير عما يجول في خاطره عن أسرى وأسيرات عايشهم وعرفهم عن قرب، ولا غرابة في ذلك فهو نفسه كابد معاناة الاعتقال والتحقيق والأسر، فانعكست تجربته في نصوصه دون أن يفصح عن ذلك مباشرة.
ولم يلجأ المؤلف الى المبالغة في بناء شخصيات نصوصه، فهم ليسوا ابطال أساطير أو خرافات، بل هم بشر من لحم ودم، يعيشون بيننا، فمثلا المرأة التي أنجبت طفلتها في الأسر حقيقة لا خيال، وتحرير طفلتها من الأسر وابعادها عن والدتها حدثت فعلا، لتعيش الطفلة مع جديها بعيدة عن والدتها، وعن والدها الأسير الذي لم يرها ولم تره، ولا تتأقلم الطفلة البريئة مع حياة الحرية لأنها غريبة عليها.
وماذا بعد:
مهما كُتب عن هذه النصوص التي تشكل صرخة لتبني قضية الأسرى، والعمل على اطلاق سراحهم الا أن ذلك لا يغني عن قراءتها.
26-3-2011
"ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس"