مفيد صيداوي
أمام محاولات التهميش ومصاعب الحقبة الراهنة ينتصب الأحفاد للدفاع عن المسيرة
الدكتور خالد تركي طبيب يسهر على مرضاه في المستشفى الطلياني في حيفا , ولكنه مبدع في لغته العربية التي أشعر وأنا أقرأه أنها تنساب انسيابا من دماغه وعقله إلى قلمه إن صح تعبيري , وهو رفيق درب مقتنع بدربه ومسيرته حتى النخاع , تشعر أحيانا بانه لا يتوقف للتفكير لحظة ليراجع بعضا من أخطاء المسيرة النضالية التي ربما تكون قد حدثت , وكأنه يقول لمن يقرأه مزيدا من الثبات مزيدا من الإلتصاق بالدرب أولا , وربما يقول هنا في هذا الوطن الممهور بتضحيات رفاقنا في الجليل والمثلث والنقب , نعم النقب كان لنا رفاق ومازال لنا رفاق وسيبقى لنا رفاق رغم أنف الرجعيين والهادمين بيوت العراقيب وغيرها , وخاصة مسيرة البقاء والتجذر بالوطن لا حاجة للإرتباك " فنحن نورنا السبيل في لهيب المستحيل بين نقب وجليل " .
يكتب عن المسيرة ومن ساروها بمحبة وبإعجاب وبإبداع أدبي ولغوي يذكرني جدا بكتابات الشاعر المناضل معين بسيسو وأنا أقرأ دفاتره الفلسطينية , النبرة , التحدي , اللغة التي يفرضها الحدث , يذكرني بكتاب "البدايات "للرفيق يعقوب زيادين الطبيب الشيوعي الأردني الذي لم يترك مبضع الطب ولا الرسم النضالي بالكلمات , أذكره مع رفيقي الذي عايشت إرهاصاته للكتابة عن الحزب والرفاق في كتاب "الشجرة وارفة الظلال "المرحوم د. أحمد سعد الذي احببت فيه تواضعه وأصالته , وأذكره مع كتاب "الدرب والرفاق "عن رفاق الحزب الشيوعي اللبناني , أذكره بتواضع وأنا أذكر كيف جمعت مقالتي في كتاب " كتابة على جدار الجامعة "وذللت المصاعب بين مطبعة وأخرى وكيف اقترضت تكاليف طباعته من أحد الأصدقاء وهو يحكي نفس الحكاية وبنفس النغمة , أذكره في أنغام كتاب " يوميات ختيار لم تمت أجياله" للرفيق توفيق كناعنه وكتاب "يوم الأرض" للرفيق عمر سعدي وغيرهم ربما لم أحصل على كتبهم وربما نسيتهم فأطلب منهم المعذرة , د. خالد تركي ينتمي لهذا الدرب ولهذه الكوكبة ولذلك تشعر بصدقه العاطفي بحماسه الشيوعي .
لم يبالغ في تسميتهم "حماة الديار" هؤلاء الشباب الذين سهروا الليالي ليكتبوا منشورا على ضوء شمعة وأحيانا بخط اليد , هؤلاء الذين سهروا للتخطيط لمظاهرة جبارة في قراهم ضد الحكم العسكري وللدفاع عن طفل وعن طفلة , ألم يقل شاعرهم شاعرنا توفيق زياد "وأعطي نصف عمري للذي يجعل طفلا باكيا يضحك " .
كتب عن الذين "شقوا لنا الطريق بعرقهم وكدهم وأناروا لنا دربنا بنور عطائهم وتفانيهم … " من الإهداء .
كتب عن الذين حلموا بتحطيم القيود وببناء الكون جديدا حرا خاليا من الظلم والظلام وأولاد الحرام , حلموا بجنة على هذه الأرض الطيبة خميلة من الهناء والسعادة وعدم استغلال الإنسان لأخيه الإنسان في كل مكان على وجه البسيطة .
خالد تركي يعطي للحالمين الذين ربما لم يحققوا حتى الآن هذا الحلم الجميل كل التقدير والإحترام , بل يدعو لإكمال المسيرة نحو تحقيق الحلم , البعض يعاقب الحالمين ويريد دفن كل تراثهم ويريد السخرية من حلمهم الجميل , في إحدى تنقلاتي مع رفيقي غازي شبيطة ( سكرتير منطقة المثلث سابقا ) , والرفيق رمزي خوري طيب الذكر مررنا بشخص وقد أصبح غنيا من منطقة عكا ولكنه يعرف الرفيق رمزي , وإذا به يسأل بلهجة فيها نوع من الإستعلاء والسخرية قائلا : أما زلت تناضل يا أبا منذر ؟ فأجابه حالا : بكل تأكيد حتى ينتهي الظلم , وسندافع أيضا عن أصحاب رؤؤس الأموال الصغيرة جدا من العرب … فصمت الرجل .
خالد تركي في كتابه " يؤثث " هذه المكتبة العامرة والتي يجب أن تزيد لهذا الدرب فمحاولات الهمز واللمز والنيل منه كثيرة ومصادرها عديدة وللإجيال الجديدة التي يحاولون جرها إلى الجريمة والعنف والسموم حاجة موضوعية لمثل هذه المؤلفات , وهي – أي المؤلفات – معين لا ينضب, فهنيئا لك أيها الطبيب العلمي والأدبي وإلى الأمام ومبروك .
( عرعرة – المثلث )




