الحاجة أم ماهر الصفدي ،عطاء بلا حدود …. تقرير: رزق ساحوري

مراسل حيفا نت | 03/10/2010

لقد سمعت عن الحاجة أم ماهر الصفدي( ندى نايف ماضي) منذ سنوات، المرأة المعطاءة، الفاضلة، المتدينة، الحنونة، والتي حوّلت ساحة بيتها في شارع أللنبي 57 في حيفا في خدمة المجتمع. حيث يضع السكان أكياس من الملابس في ساحة البيت وبدورها تقوم الحجة أم ماهر بتصنيف هذه الملابس، ترتيبها، وحتى غسلها لكي ترسلها في شحنة الى مناطق السلطة الفلسطينية للعائلات المستورة. فحين وصلت الى بيتها استقبلتني ابنتها لبنى صفدي واشارت الى أن والدتها مشغولة بتخييط وجوه مخدات فاستغربت. ما الذي يجعل امرأة مسنة 74 عاما تقوم بهذا العمل الذي يؤذي نظرها ويسبب لها التعب والجهد. فكان الجواب بأنه تبيع هذه الوجوه الى الناس لكي تجمع المال لخدمة العائلات المستورة كما أن العائلات المستورة تشتري هذه الوجوه بثمن بسيط.
الحاجة أم ماهر تتميز بلباسها الأبيض الذي يرمز الى النقاء والتواضع فهي معروفة في حيفا والمنطقة ذات الثوب الأبيض. فهي أم لخمسة:
غادة، لبنى، ماهر، فؤاد، وزُلفى. توفي زوجها أحمد الصفدي أبو ماهر منذ سنوات طويلة حيث تمتع زوجها الراحل بسمعة طيبة وسيرة حسنة. فقد كان ضابط احداث يساعد القاصرين الذين ارتكبوا مخالفات جنائية فبدل السجن كان يتوافد الشبان على مكتب الصفدي ليوقعوا على وجودهم ويساعدهم في التأقلم في المجتمع.

حدثتنا الحاجة أم ماهر الصفدي عن جذورها ورغم كبر سنها إلا أنها سردت لنا حكايتها وكأنها مكتوبة في المذكرات وفيما قالت" والدي المرحوم نايف الماضي من قرية إجزم المهجّرة (قرب طيرة حيفا) وجدي حسن ماضي. فكان والدي تاجر حبوب ويشتري أراضي(ملاّك أراضي) حيث استحوذ على 3/1 اراضي إجزم . عاش المرحوم والدي اكثر من 75عاما كان جميلا  وحذق ولبق. بقينا في إجزم حتى عام 1950 حيث شاهدنا سقوط القرى التي حولنا الواحدة تلو الأخرى. فحينها قرر والدي أن يخرج من إجزم وتوجهنا الى جبل قريب من الدالية حيث كان عمري 14 عاما. كان أخي عنده بيارة وخيل فرزمنا اللوازم الضرورية من البيت بمساعدة الخادم وتوجهنا الى جبل قريب من إجزم. وعشنا في أخيام وقد كانت الحياة جميلة في الجبل، الطبيعة والهدوء أشبه بقريتنا إجزم. وبعدها انتقلنا للعيش في دالية الكرمل. وتتابع الحجة أم ماهر" أذكر سكنا في بيت السيدة نيوتن (الإنجليزية) التي ذهبت الى لندن وأبقت أم فرنسيس في البيت والبستان وأذكر ابنتها لمياء ويا ليتني أتعرف عليها. كان والدي المرحوم شريك الحج طاهر قرمان الذي أسّس ابطن( عم الشاعرة سعاد قرمان) حيث توجه الى والدي وطلب منه أن يعيش في ابطن فوافق والدي وقد كان عمري 15 عاما.
ولكن كيف تعرفت على زوجها المرحوم أحمد الصفدي قالت الحجة أم ماهر" كان أخو زوجي  أبو السعيد صفدي شرطيا في حيفا في فترة الإنتداب البريطاني،وعندما سقطت حيفا توجه الى الكبابير وكان أخوته وزوجته وأولاده معه. أما المرحوم زوجي أحمد الصفدي فقد كان ضابطا في الجيش الإنجليزي وعاش مع أخيه في الكبابير. إلا أنه وفي إحدى الليالي  تم اضرام النار ببيته حيث أخرج اولاده وزوجته من الشباك وبعد هذه الحادثة رفض العودة الى الكبابير للسكن فيها.
 فتوجه اليه نور الدين العباسي من حيفا ونصحه بأن يسكن في بيته في  قرية إبطن حيث دار ماضي( أي عائلتي تقول أم ماهر) وسكنوا في ابطن وأصبحنا جيران. وهكذا كان النصيب فتزوجنا أنا وأحمد الصفدي حيث كان عمري 17 عاما وسكنا عد أشهر في ابطن. وبعدها انتقلنا للعيش في شفاعمرو. حيث خلفنا الأولاد الأربعة عدا زُلفى وبعدها انتقلنا الى حيفا حيث ولدت زُلفى في شارع أللنبي 57 وهو بيت على الطراز الألماني
بين الناس وبعيد عن الناس أجواء مدينة من جهة الشارع وأجواء ريفية من الجهة الخلفية. وبقينا في هذا البيت حتى يومنا هذا بيت العائلة، بيت الناس، بيت الجميع، الذي أحب موقعه،هواءه،أجواءه، فكل زاوية في البيت أحبها.

كيف بدأت بمسيرة العطاء ومساعدة العائلات المستورة؟ 
يمكن القول بأنني بدأت هذه المسيرة منذ ريعان شبابي فقد كنت أشعر بالغير
وأحب مساعدة الناس. فقد كان المرحوم والدي من الأغنياء وكانت خادمة البيت تدعى عيشة وكنا نسميها "أمي عيشة" احتراما لها. تطبخ وتساعد والدتي وكنا نحبها ونحترمها. كانت تعيش في إجزم على مسافة نحو 300 مترا وكان في بيت والدي خادم وحين يكون الخادم مشغول كان أهلي يرسلون معي الطعام ل"أمي عيشة" وكنت في الطريق آخذ من حصة" أمي عيشة" من الطعام وأعطيها لإمرأة مسنة دون أن يشعر أحد، وكنت أسمع منها الدعوات التي تشرح لي قلبي ولن انسى هذه الدعوات. كما أنني اذكر أن والدي كان يعطينا عملة فلسطينية وبدل أن أشتري ,اصرف كباقي الأولاد. كنت أعطي النقود لهذه المسنة الله يرحمها ويسامحها.
واذكرأنّ جارة فقيرة كنت أعطيها القمح دون أن يشعر أحد. فروح العطاء انغرزت بداخلي منذ كنت طفلة فعائلتي غنية ولا يمكن أن أرى فقيرا دون أن أقدم له المساعدة. وهكذا انتقلت محبتي للناس والعطاء بعد زواجي وحتى اليوم فأذكر حين كانت امرأة تقرع الباب تطلب مساعدة بعد أن تشرح عن وضعها الإقتصادي أو الإجتماعي كنت أبكي وأتعاطف معها.
هل الدين والتدين زاد لديك روح العطاء والشعور بالفقير والمعوزين؟
قبل أن تجيبني اقتبست آية قرآنية"ان الله يعلم ما تسرّون وما تعلنون" فالدين أعطاني أن اخاف الله، أن أحبّ البشر كما أحب نفسي وأحب الخير للغير. أقرأ في البيت كتب أدعية وأقرأ سور من  القرآن الكريم يوميا.
لقد كنت أصوم وأصلّي وأعرف أمور ديني قبل أن أصبح متدينة وقد كان البيت موضع أمان للناس، وكان زوجي مصدر ثقة للناس. فأنا أصلي 5 مرات وأقرأ القرآن الكريم بصورة دائمة. وقد أديت فريضة الحج عام 1973 عن نفسي. كما أنني أديت فريضة الحج عن المرحوم أبي عام 2005 ولكن عندما أردت تأدية فريضة الحج مرة ثالثة عن المرحوم زوجي أحمد  لم يجز ذلك. فحسب الدين لا يجوز الحج ثلاث مرات ولكن النقود التي وفرتها للحج أوصلتها الى أهالي غزة وكأن زوجي المرحوم قد أدى فريضة الحج.
كيف يعرف الناس الحجة ام ماهر ويحضرون الملابس المستعملة؟
كنت أقوم بتلقي ملابس الناس من حيفا بأكياس وأقوم بغسلها وترتيبها حتى اذا قطعة ينقصها زر كنت أخيطها. واقوم بارسالها الى أهلنا في غزة والضفة كل 6 أشهر. أقوم بتعريب الملابس ووضعهم في أكياس واليوم ترسل الملابس للضفة حيث تصل شاحنة كبيرة ولا يمكن أن أرسل الملابس إلا بعد فحصها وترتيبها. لا يمكن أن أرسل ملابس ممزقة.فقد قرأت عن الرسول (ص) أنه عندما كان يقدم الى فقير ملابس كان يتم غسلها وحتى يعطرها فكيف لي انا بألا أتصرّف هذا التصرّف. فعندي غسالتين أقوم بغسل الملابس ولا يمكن أن أرسل ملابس وسخة أو غير لائقة.

أما في السنوات الأخيرة فقد هداني الله وبدأت أخيط وجوه مخدات حيث نشتري القماش ونقوم بتفصيله وأبيع الوجوه بأسعر منخفضة للعائلات المستورة. يتمتع القماش بجودة عالية فنحن تشتري القماش نفصله ونبيعه بسعر بسيط لدعم العائلات المستورة.
هل حدثت معك طرفة خلال تفقدك الأكياس التي تصل من الناس؟
 أهل حيفا يتجاوبون ويعطون الملابس وفي أحد الأيام وصلتني رزمة ملابس مرتبة وفجأة أحد سقطت سلسلة ذهبية غالية الثمن من أحد الأكياس وبدأت أبحث عن صاحبة الملابس وعرفناها فيما بعد وأوصلنا السلسلة لأصحابها. كما أنه مرة وصلتني رزمة ملابس وفجأة عثرت على خاتم الخطوبة من الذهب وقمنا بارجاعه لصاحبه.
هل زوجك المرحوم أحمد الصفدي له دور في حياتك المعطاءة؟
طبع فالفضل يعود الى زوجي المرحوم أبو ماهر فلم يقل لي مرة لماذا وكيف؟ فقد كان يقدم لي الدعم المعنوي والمادي. فأذكر نادرة حصلت
حين سكنا شفاعمرو جاء ضيف مرة وقال لنا أنّ هناك خوري في الرامة يشفي ويساعد المرضى. ومرة أخذت امرأة تعاني من مشكلة عائلية فبعد خرج زوجي المرحوم أحمد الى العمل حصلت على تصريح للتوجه الى حيفا وبعدها الى الرامة فصعدت مع المرأة بالحافلة ووصلنا الى الرامة.
ودخلنا الى خوري الرامة وبدأ يصلي وقال للمرأة بأن ابنك لم يعمل له السحر، وليس مريضا فعدنا الى حيفا وكانت ابنتي لبنى على حضني رضيعة. حين نزلت من الحافلة وإذا بأبو ماهر في الحافلة فأخذ مني الطفلة لبنى. فتفاجأت وقلت له القصة فقال أعرف كل شيء فقد شاهدت وسمعت ما دار في الحافلة فأنت امرأة فاضلة تساعدين وتحبين أن تفرحي الناس.

ماذا تعني لك مدينة حيفا؟
أحب مدينة حيفا كثيرا ولا أحب أن أعيش في الريف فالرسول ص- قال" أطلبوا الرزق عند مزاحمة الأقدام" أي المدن هفناك الرزق أسرع وأوفر. فأنا أتوجه للقرى من أجل الواجب في الفرح أو الكره أو مرض. وأعود الى بيتي وحياتي . فحيفا مدينة جميلة، ومناخها جميل كما أن بيتي جميل وأحبه وأهل حيفا محترمين. وحتى اليوم لم أسمع أنت مسلمة أو مسيحية.
 فأولادنا تعلموا في مدارس الراهبات والأولاد حسب منهاج أهلهم. عندما يكون فرح او كره نرى الإسلام والمسيحيين يشاركون معا حياة بمحبة وتآخي. فحين توفيت جارتنا بكيت بكاء مرا فهي صديقتي وجارتي. لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. فأنا أحفظ سورة مريم وأبكي حين أقرأها لأن سيدتنا مريم لأنها سورة مؤثرة
ما هي أمنيتك في الحياة؟
عندما أعطي أقول بأنني لم أعط شيئا، وأتمنى أن يكون معي أكثر وأكثر وأعطي المحتاجين والفقراء دون تفرقة. واختتمت لقائي بها بهذه الدعوات " اللهم أوفني مسلمة وألحقني بالصالحين"،"اللهم لا تخلي نفس بضيق" ،"اللهم لا تلوّع والدة على ولدها"،" اللهم ردّ كل غائب الى أهله سالما"، "اللهم وحّد كلمة العرب والمسلمين"، "اللهم تفرج عن كل سجين"، "اللهم أنصر العرب والإسلام على أعداء الإسلام".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *