كنت قد ذكرت في مقالة سابقة أن لدينا قطة تدعى "ميتسا"، وهي قطة لونها أسود وأبيض، مخلصة ولديها حب استطلاع قوي، وقطة ثانية تدعى "مَرينا"، وهي قطة رمادية دلوعة وحنونة. لقد أحضرناهما من حانوت حيوانات في الـ"هدار" عندما جئنا أنا وزوجتي لنسكن في شارع المطران حجار. من يومها تطوّرت بيننا وبينهما علاقة حميمة مبنية على الثقة والعطاء. أما الآن، ونحن على وشك السفر إلى ألمانيا للسكن في مدينة لايبتسيك، فقد قررنا أن نصطحبهما معنا. لقد تبين أن الأمر معقد للغاية، فلكي نتمكن من أخذهما، علينا إن ندخل تحت جلدهما "ميكروتشيب" يحتوي على "تفاصيلهما الشخصيّة" وعلينا تحضير أوراق رسميّة بأسمائهما وتفاصيلهما. إضافةً، علينا إعطاؤهما إبرة تطعيم ومن ثمّ إجراء فحص دم للتأكد من نجاح عملية التطعيم وفقط بعد ثلاثة أشهر من الفحص يمكننا اصطحابهما معنا في الطائرة.

لقد قمت أنا وزوجتي بالاتصال بطبيب بيطري لكي يفعل كل هذا، وفعلا حضر الطبيب ونجح في مباغتة القطتين وغرزهما بإبرة الـ"ميكروتشيب". أما حين جاء مرة ثانية ليأخذ عينات دمائهما، فقد تعرفتا عليه مباشرة، وبالرغم من حجزهما في غرفة واحدة، إلا أن "مرينا" نجحت في الفرار في اللحظة التي فتح فيها الطبيب الباب، والاختباء في مخبأ تحت المطبخ. مشاعري بالنسبة لما حصل كانت مختلطة، فمن ناحية لم أكن مستريحًا لفكرة أن تتعذب القطتان، ومن ناحية أخرى كنت أعلم أنه لا مفر من إتمام الفحص إذا كان في نيتنا أخذهما إلى ألمانيا.
الذي حصل هو أن الطبيب لم يتمكن من إتمام الفحص، ولذلك جاء مرة ثالثة، وفي هذه المرة قمت بإغلاق الشقّ الذي اختبأت فيه "مرينا" في المرّة السابقة. حين رأت القطتان الطبيب، بدأتا بالهرب. قامت "مرينا" الذكية بفتح أحد أبواب خزانة المطبخ، والتي كانت تعلم مسبقًا أن فيها شقًا يؤدي لنفس المخبأ السابق، وفعلا تمكنت من ألهرب والاختباء مرة أخرى، وهكذا ذهب الطبيب البيطري من دون أن يتمم الفحص.
بعد الذي حصل لم يكن مناص من دعوة الطبيب مرّة أخرى. في هذه المرة كانت زوجتي في البيت وكنت أنا مصرًا على أنه لا بدّ من التفوق على ذكاء "مرينا" وإمساكها. لقد بدأ الموقف يتحول إلى كوميديا مثل تلك التي نشاهدها في الرسوم المتحركة. أخيرًا قمنا بإمساك القطتين وقام البيطري بتخديرهما وأخذ عينات من دمائهما. أما الآن فقد بدأتا بالعودة إلى وعيهما والاستفاقة من أثر المخدر، لكن يبدو أنهما فقدتا الثقة بنا وكأنهما تشعران بأننا قد خُنّا الثقة التي كانت بيننا. أبي قال لي: "لا تخف يا فؤاد فهما سوف تنسيا الألم وتعودا إلى لعبهما المعهود"، ولكني أقول لنفسي: "لو كان بإمكاني أن أفسر لهما السبب وراء العذاب الذي سببناه لهما!". إنه أمر غير مريح بالمرة أن انظر في عينا "ميتسا" التي تسلقت فوق خزانة المطبخ لكي تكون بعيدة عن وحشيتي والتي تتطلع ناحيتي وكأنها تقول: "إنك آذيتني ويصعب علي أن أثق بك مرة أخرى".
أرى نفسي الآن أجلس وأشرب الـ"بلو" وأدخن سيجارة وأحاول أن أراضي القطتين اللتين تشعران بالخيانة. لقد أوصيت لدى إحدى حوانيت الحيوانات على ألذ أنواع طعام القطط، وسوف يصل الطلب غدًا. ربما يغير هذا من تصرفاتهما فتعودان إلى اللعب معنا.
أسحب نفسًا من السيجارة وأقول لنفسي: "لو تفهم القطط اللغة العربية".




