روضة غنايم: رشيدة شيتي (أم يوسف) رسامة ومبدعة من وادي النسناس، حيفا.

مراسل حيفا نت | 24/11/2017

حيفا في ناعورة الزمان/حاراتٌ بيوتٌ وناس (15)
روضة غنايم مصوّرة باحثة وكاتبة في المجال التوثيقيّ – حيفا
روضة غنايم: رشيدة شيتي (أم يوسف) رسامة ومبدعة من وادي النسناس، حيفا.
الرسم هو أحد الفنون التي يمتاز بها بعض الأشخاص، وهذا النوع من الفن يعتمد على حاسة البصر.يستطيع الفنان أن يعبّر في رسمه عما يدور في داخله من خواطر وأفكار. وأحياناً الرسم هو بمثابة علاج لنفس الفنان، يستخدمه ليعبّر عن مشاعره المختلفة، منها السعيدة ومنها الحزينة، مثلاً فقدان عزيز على قلبه أو عن مشاعر أخرى.
فنانة من وادي النسناس
رشيدة سعيد سعد – شيتي من مواليد قرية طرعان 1.12.1938 ، وهي سيدة موهوبة، منذ نعومة أظفارها تُحبّ الرسم والفنون الأخرى، مثل التطريز ونسيج الصوف وصناعة الكعك والحلويات التي تزيّنها بأجمل الأشكال. كل هذه الإبداعات هي موهبة ربّانية لم تتعلمها أو تحترفها. تُخرج هذه الكنوز من داخلها ومن خيالها الواسع. وتعرّفت عليها في عام 2008. في الفترة الأخيرة زرتها مُجدّداً عدة مرّات في بيتها الذي يقع في شارع الحريري رقم 9 في حيّ وادي النسناس.
عندما تدخل البيت تشعر بدفءٍ إنساني، فأمّ يوسف ترحّب بضيوفها أيمّا ترحيب، وتُزين مدخل البيت بالزرع الأخضر والورود الجميلة. وهذا المشهد يعبّر عن روحها. فرشيدة سيدة معطاءة وصاحبة روح مرحة وإيجابية جداً، وعندها نظرة تفاؤلية للحياة فهي طيبة القلب، متواضعة وحنونة جداً، بيتوتية كما تقول عن نفسها. بيتها مملكتها الخاصة التي تمارس فيه جميع هواياتها. وتُزيّن لوحاتهاالجميلة جدران البيت وخاصة الصالون، مما تضفي عليه لمسة فنية وإبداعية. ومتّصلة بالصالون شرفة واسعة مليئة بالزرع الأخضر الذي ينعش الروح، وتطلّ الشرفة على بيوت الوادي وجزء من البحر وكنيسة مار يوحنا.
تعلّمت في مدارس قرية طرعان. وفي فترة طفولتها الأولى عاشت مع أهلها في مدينة حيفا، في حارة الكنائس، حيث عمل والدها في فترة الانتداب شرطي في الشرطة الإنجليزية، وعندما كبرت وأصبحت في صف أول ابتدائي نقلها والدها، هي وشقيقتها الكبرى فهيمة للتعلم في طرعان والمبيت في بيت جدها. وفي عام 1948 عادت العائلة إلى قرية طرعان نتيجة الحرب. تقول رشيدة: “أذكر أن والدي حدّثنا سنوات بعد النكبة أنه في عام 1948، عندما نشبت الحرب والقتال، شاهد مشاهدة مرعبة حيث الجثث ملأت الشوارع. وأما البيت الذي سكنا به في حارة الكنائس فقد هُدم”.
تزوجت رشيدة في عام 1959 من السيد فرج شيتي. وأقاما سنة في مدينة شفاعمرو في بلد أهل زوجها، بينما كان يعمل في حيفا. وعلى الرغم من أنني ضد أكل اللحوم عليّ أن أذكر أن زوجها المرحوم فرج شيتي، المتوفي عام 2015، كان صاحب ملحمة الشيتي، التي تأسست في عام 1949ـ واستمرت حتى عام 2000 في شارع الوادي رقم 45 في حيّ وادي النسناس. ولصعوبة السفر اليومي إلى العمل من شفاعمرو. انتقلا للسكن في حيفا في شارع عباس، وعاشا هناك سنة واحدة.عن الحياة في شارع عباس قالت رشيدة: “في فترة الأعياد المسيحية والإسلامية كنا نجتمع في أحد بيوت الجيران وكل واحد كان يحضّر شيئاً من الحلويات والأطعمة، ونقيم احتفالا من غناء ورقص، كنا نجتمع كعائلة واحدة. وكان من أصدقائنا:السيدة ندى حبيبي عبود وزوجها المرحوم صادق عبود، الصديقة نوال خوري وزوجها والسيد جميل الديك، السيد ميشيل جريس وزوجته، السيد صبحي وزوجته، السيدة عصمت العباسي والسيدة بتول العباسي. كانت جيرة حسنة وفترة مميزة في حياتي”. وفي عام 1962انتقلت رشيدة وزوجها للسكن في البيت الحالي.
موهبة الفون المختلفة والرسم
ولدت رشيدة فنانة موهوبة مثلما أسلفت، ومن سنّ صغيرة اكتشف موهبتها معلموها في المدرسة في دروس الرسم. وعن ذلك تقول:”منذ كنت في الصف السادس ابتدائي، وبعد أن اكتشف أحد المعلمين موهبتي، أعطاني كتابا كانت على غلافه صورة للموسيقار بتهوفن، وطلب مني كوظيفة بيتية رسمها. وفعلاً شعرت بالتحدّي في نفسي ورسمتها بإتقان. وفي الصباح عندما جئت إلى المدرسة أعطيت المعلم الرسمة فهنئني على ذلك وعلّقها كلوحة فنيّة في الصف. وهذا كان محفّزا ومشجعًا كبيرًا لي، وبالإضافة إلى ذلك شقيقتي الكبرى فهيمة، كانت تعمل معلّمة وكانت تطلب مني بشكل دائم أن أرسم لها رسومات توضيحية لطلابها. في هذه الفترة كنت أرسم في دفاتر الرسم المدرسية. وفي فترة خطوبتي رسمت رسومات على شراشف جهاز عرسي وطرّزتها أيضًا”.
وبعد أن كبر الأولاد والأحفاد عادت رشيدة لتخرج موهبتها من جديد. وهذه المرّة بدأت ترسم لوحات كبيرة على القماش. وعن ذلك حدثتني قائلةً:”بعد زواجي لم أرسم لأنني أردت الاهتمام بالبيت وبتربية أطفالي، ومن ثم الاهتمام وتكريس وقتي لأحفادي. وفي عام 2013 طلب مني شقيقي، القسيس فيليب أن أرسم له صورة “يسوع يقرع الباب” لكي يضعها في كنيسته، كنيسة حيفا المعمدانية، التي تقع في شارع هجنيم(البساتين) 38 في حيّ الألمانية. وعندما شاهد رسمتي أعجبه جداً إتقان عملي، فشجّعني على الاستمرار في ذلك. ومن وقتها، أي في عام 2013، عدت لممارسة هوايتي”.
اخترت بعض اللوحات لأتحدث عنها: لوحة بيت العائلة في طرعان
في إحدى زياراتي لرشيدة تواجد نجلها إياد وحفيدها مجد. وعندما بدأنا نتحدّث عن اللوحات لفتت انتباهي لوحة جميلة لبيت قديم، وهو عبارة عن عقود، وبئر ماء في ساحة البيت، وتظهر فيها شجرة الدالية، نخلة ودجاج. فسألتها عن هذه اللوحة ولمن هذا البيت؟ فقالت: “هذا البيت هو بيت العائلة في طرعان. الذي نشأت وترعرعت فيه. قبل أن يأتي والدي للعمل في حيفا قرر بناء البيت حينما كان عمره خمسة عشر عاماً، وأحضر عمال البناء من نابلس، وحفر بئر ماء في الساحة. وحياتنا كانت بين حيفا والقرية، وكانت الحياة في طرعان جميلة جداً، نحن تسعة أشقاء وشقيقات، كنا نحب بعضنا ونتعاطف ونلعب سويًة، وكانت تحصل بيننا نهفات كثيرة، وطبعاً لم يخلُ الأمر من مناوشات طفولية بيننا، وتربطتنا حتى اليوم علاقة متماسكة وجميلة، ونستعيد كثيرًا من الذكريات والطرائف في هذا البيت. أذكر في الصباح كان والدي يصحو باكراً ويبدأ بتحميص القهوة ثم يدقّها في الجرن ويغليها على “البريموس”. أما والدتي فكانت تذهب إلى أرضنا وتحوّش لنا اللوز والبروميا والفواكه الموسمية. وكان يحيط بحاكورة البيت ألواح الصّبار”.
وهنا شاركنا أيضاً الحديث إياد وروى ذكرياته في بيت جدّه مثل روائح الطعام، وطبيخ جدّته الشهي، وحاكورة البيت وشجرة الليمون، وعبّر عن حنينه لتلك الأيام، وكان مجد نجله يصغي بشوق لتلك الحكايات والذكريات.
ما أجمل وأدفأ من الجلسة التي تجمع ثلاثة أجيال تحت سقف واحد. وعلى خلفية الحديث كانت موسيقى ونغمات العود الرائعة، التي عزفها مجد، ترافق جلستنا، وهو الآن في سنته الأخيرة في ثانوية راهبات الناصرة.

لوحة:المرأة السامرية
هذه اللوحة مستوحاة من إنجيل يوحنا.تظهر فيها امرأة جالسة على حافة بئر الماء، وخلفها تظهر قرية عربية قديمة وسناسل. وهذه اللوحة تعبّر عن قصة “السامرية التي أعطت يسوع ماء من بئر يعقوب”. وملخّص القصة:”كان يسوع قد تعب من السفر، فجلس على حافة البئر، فجاءت امرأة من السامرة لتستقي ماء، فقال لها يسوع:”أعطني لأشرب”. فقالت له المرأة السامرية:”كيف تطلب مني لتشرب”. أجاب يسوع:”لو كنت تعلمين عطيّة الله، ومن هو الذي يقول أعطني لأشرب، لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حيًا”. فقالت له:”يا سيد، لا دلوَ لك والبئر عميقة. فمن أين لكَ الماء الحي”. فأجاب يسوع: “كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً، ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية”.
لوحة: قرية في صعيد مصر
يظهر في هذه اللوحة مشهد من حياة قرية في ريف مصر، فيها شخصيات وتفاصيل كثيرة ودقيقة جداً. ورشيدة تهتم في إظهار التفاصيل الصغيرة في لوحاتها، مما يجعلها قريبة أكثر للمشاهد من العين والقلب. فرشيدة تحبّ الجوّ القروي والبناء القديم. فهذه القرية التي رسمتها تذكّرها ببلدتها طرعان، وبطفولتها ونشأتها في القرية، واختارت صعيد مصر تأثّراً بالأفلام العربية المصريّة التي كانت تُعرض قديًما.
لوحة: منظر من الغرب
يظهر في هذه اللوحة بيت في وسط غابة تحيطها لأشجار والطبيعة الخلابة، وأمام البيت شلال صغير. وهذه اللوحة هي إلهام من المنازل والمناظر التي شاهدتها الرسامة في أسفارها إلى أوروبا، ومشاهدة طبيعتها الخلابة. والجدير بالذكر أن لوحات رشيدة تغلب عليها موضوعات الطبيعة واستعمال الألوان الزاهية. وحينما تشاهد اللوحات تشعر بأبعاد المكان. فيستطيع المشاهد أن يدخل اللوحة ويعيشها.
لوحة: زراعة الأرزّ
يظهر في هذه اللوحة حقل أرزّ أخضر فيه عمال يزرعون الأرزّ. وهذه اللوحة تذكّرها بموسم الحصاد في بلادنا.
وفي نهاية مقالتي عن السيدة رشيدة أود الإشارة إلى أن بيتها هو بيت فنّي بامتياز، فأولادها الثلاث يوسف، إيهاب وإياد، بالإضافة إلى مهنتهم يمارسون الفنون، وكل واحد حسب موهبته. فنجلها البكر الدكتور يوسف الذي يعيش في تشيكيا يمارس موهبة الرسم والخط العربي حتى اليوم، وفي سنوات عمره المبكرة نحت عددًا من التماثيل بأحجام صغيرة راقية وجميلة، مثلاً: نحت شخصية نابليون وشخصية مريم العذراء. وتقول رشيدة إنه كان ينحت وجوهًا من الطباشير وهو في المدرسة. وأما نجلها إيهاب فهو اختصاصي بصريّات (أوبتيكا) صاحب “اوبتيكا شيتي في شارع الخوري 14وفي أوقات فراغه يصنع الحلويات على أشكالها بإتقان. وابنته ديمة تمارس الرسم أيضاً.وأما نجلها إياد فبدأ يمارس التمثيل وهو في المدرسة، واحترفه في عام 1987، وهو من مؤسسي مسرح المجد في عام 2009 الذي يقع في شارع مار يوحنا 31 في وادي النسناس، بعد أن ترك مهنة تقنيّ الأسنان والتي هي بحدّ ذاتها بحاجة لأنامل سحريّة ولمسات فنيّة ونجله مجد يعزف على العود ويكتب الشعر التفعيلي.
E- [email protected]
الفنانة رشيدة شيتي

لوحة للفنانة رشيدة شيتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *