(كلاين) ومورفين السياسة بقلم: فؤاد سليمان -حيفا

مراسل حيفا نت | 11/07/2009

 

وصلتني دعوة بالبريد الالكتروني لحضور أمسية فكريّة على شرف الكاتبة "نعومي كلاين"، وذلك بمناسبة  صدور كتابها "عقيدة الصدمة" باللغتين العربية والعبرية. زوجتي حمّستني لحضور الأمسية والكتابة عنها في زاويتي، وقد زاد حماسي حين رأيت في الـ"فيس بوك" أن الكثيرين سيحضرون الأمسية. وصلنا إلى قاعة الميدان التي سرعان ما امتلأت بجمهور مختلط من العرب واليهود. المحامية "عبير بكر" افتتحت الأمسية وتلاها البروفسور نديم روحانا، مدير مركز "مدى الكرمل"، الذي بادر إلى تنظيم الأمسية مشاركة مع مؤسسة "عدالة". كنت لا أزال مشتت الذهن، ومع أني فهمت أن الأستاذ نديم أراد في كلمة التأكيد على أهمية وجود الآنسة "كلاين" على الساحة السياسية، إلا أن جل اهتمامي تمحور حول قسمات وجهه، التي كان باستطاعتي أن أقرأ فيها علامات الإرهاق. تركيزي الزائد على تعابير الأستاذ نديم، بدل التركيز على ما كان يقوله، يعود، أغلب الظن، لكوني قد عملت لفترة ما في مؤسسته، حيث طورت، كأي موظف، ملكة الانتباه المفرط لمزاج المدير، وذلك لكي لا يحصل ما لا تُحمد عقباه. ما أن انتهيت من تداعيات أفكاري وإذ بالمحامية عبير بكر تعود مرة أخرى لتلقي كلمة تمثل بها مؤسسة "عدالة" وتؤكد فيها على أهمية مقاطعة دولة اسرائيل عقب جرائم الحرب التي ارتكبتها. بعدها جاء دور الآنسة "ياعل ليرر"، مديرة "دار الأندلس للنشر" التي قامت بنشر كتاب "كلاين" بالعبريّة. لقد حاولت الإنصات لكلمتها، لكني عدت وسرحت بأفكاري إلى أن أعادني إلى واقع الـ"هنا والآن" صوت المحامي حسن جبارين، مدير عام عدالة، وهو يصيح من بين الجمهور: "بدون فضايح ، بدون فضايح…."، مما حدا بالسيدة "ياعيل" أن تمسك عن الكلام. عندها جاء دور ضيفة الأمسية.

 

بدأت الكاتبة "كلاين" حديثها عن أهمية المقاطعة المنظمة لمؤسسات اسرائيلية، بما في ذلك المقاطعة الفنية والأكاديمية، وحاولت بلهجتها الأمريكية وبلغتها الانجليزية البليغة أن تُقنعنا، نحن العرب واليهود الذين سئموا سياسات إسرائيل العدوانيّة، أن هناك فائدة وأمل، وأن هنالك تأثير لحملتها الأدبية والسياسية. "كلاين" تحدثت أيضًا عن انطباعاتها من زيارتها إلى رام الله واقتبست العديد من الشخصيات التي صادفتها هناك، في محاولة لعرض الآراء السائدة في الضفة.

بالرغم من أني متأكد من أهميّة الأمسية ومن أهميّة كل ما قيل فيها، إلا أن عليّ الاعتراف بأن أثرها الأساسي عليّ تلخصّ في حالة إرهاق شديد، نتيجة الاستماع للحديث السياسي الذي أسميه بـ "طق الحنك المشربك" الذي لا  ينتهي.

بعد الخطابات، جاءت "أسئلة الجمهور" التي كان كل واحد منها ببداية، لكن بلا نهاية. أخيرًا خرج الجميع وخرجنا معهم، وإذ بزوجتي تستأذن لكي "تستشير القاضي"، فبقيت واقفًا وحدي وسط الجمهور. عندها صرت أقول لنفسي "فؤاد، بعد كل طق الحنك المعقّد السياسي اللي سمعتو، كل اللي غادر تحسُّه هوّي إنّو ما ضلِّ عندَك قوّة لتسوق عالبيت". ثم نظرت أمامي فرأيت ثلاثة فتيات يهوديًات، واحدة منهن شقراء وطويلة، يقفن حول طاولة، ثم أخرجت إحداهن سيجارة، وإذ بالممثل سليم ضو يقفز من حيث لا أدري ويقول لهن "ممنوع التدخين هنا، أخرجوا الى هناك من فضلكن". هذا المشهد أضحكني وأعاد لي بعض قواي فقلت لنفسي: "هنا ممنوع التدخين، لكنّي شاعر وكأني ماخِد مورفين سياسي". يقال أن الدين هو مورفين الشعوب، وأنا أظن أن السياسة هي مورفين من نفس النوع وأن من يمتهن السياسة يُصبح من بائعي المورفين، ومع ذلك فلا بأس بالقليل من المورفين السياسي بين حين وآخر.

خرجت لأشم الهواء فوجدت بعض الأصدقاء. ساعتها استعدت كامل قوتي وأحسست بأنه رغم تأثير مورفين السياسة على المخّ، فإن هنالك بعض الأمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *