الاحتفاء بالطّبيب الكاتب الحيفاويّ د. خالد تركي

مراسل حيفا نت | 30/12/2015

 

آمال عوّاد رضوان

 

أقام نادي حيفا الثقافي والمجلس الملي الأرثوذكسي الوطني في حيفا واتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين ندوة أدبيّة للاحتفاء بالطّبيب الكاتب د. خالد تركي داود وتوقيع  كتابه "من حيفا.. هنا دمشق"، وذلك يوم السّبت 9-12-2015  في قاعة كنيسة مار يوحنا المعمدان الأرثوذكسيّة في حيفا، وسط حضور كبير من الجولان وحيفا والجليل، من أدباء وعشّاق كلمة إبداعيّة حرّة.

وقد استهلّت جوقة "البعث" الغنائيّة بقيادة المايسترو رحيب حداد الأمسية بالنشيد الوطني "موطني"، وزهرة المدائن، وأغانٍ ميلاديّة أخرى، أضفت أنغامًا وأجواءً راقية للكلمة، ثمّ رحب بالحضور المحامي فؤاد نقارة رئيس النّادي الثّقافي، وعرض لمحة وجيزة عن نشاطات ومشاريع النّادي الأدبية القادمة، وتولّت عرافة الأمسية خلود فوراني سريّة، وكانت مداخلات حول الكاتب والكتّاب المحتفى بهما لكلّ من: الكاتب راضي كريني، والكاتب اسكندر عمل، وكلمة شكر للمحتفى به د. خالد تركي، بعدها تمّ توقيع الكتاب والتقاط الصور التّذكاريّة.

 

* نقارة: 150 أمسيّة خلال 4 سنوات *

وقال المحامي فؤاد نقّارة: باسم المجلس المليّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ في حيفا، ونادي حيفا الثّقافي، واتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيين، ومكتبة "كل شيء"، نرحّب بكم في قاعة كنيسة مار يوحنا المعمدان الأرثوذكسيّة في حيفا، ونشكر جوقة "البعث" بقيادة المايسترو رحيب حداد، ونرحب بالحضور وبوفد إخواتنا من الجولان السّوريّ المحتلّ.. أهلًا وسهلًا بكم بين إخوتكم في حيفا، والشّكر للفضائيّات الإخباريّة السّوريّة: "الدنيا" و"سما".

هذه أمسيّة إشهار كتاب "من حيفا.. هنا دمشق" للرفيق والزّميل د. خالد تركي، وهذا هو اللقاء الثقافي الأخير لهذه السّنة 2015،  وبهذه المناسبة أتمنى للجميع عيد ميلاد مجيد وسنة جديدة مليئة بالخير والبركة.

وشكر نقّارة أعضاء المجلس الأرثوذكسي والقيّمين على النّادي الثّقافي ومؤسّسيه وأعضاءه والحضور والأدباء والمبدعين الّذين شاركوا وساهموا في نجاح أمسيّات نادي حيفا الثّقافي، مُشيرًا إلى أنّهم نجحوا في تحقيق الحلم، قائلًا: بعد 4 سنوات من عمر النّادي، أقمنا أكثر من 150 أمسيّة، ولا أعتقد أنّ أيّة مؤسّسة أخرى قامت بهذا النّشاط. كما شكر اتّحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيّين برئاسة الأستاذ فتحي فوراني، وهو من مؤسّسي النادي، اتحاد الكرمل ومنذ إقامته قبل سنة و4 أشهر، شارك بالعديد من نشاطات النادي، وقام بتعريفنا على الأدباء من منطقة الجليل والمثلث، ومشاركة أعضاء الاتّحاد بالأمسيات. هذا وشكر حسن عبادي صاحب فكرة إقامة النّادي، على أفكاره النيّرة، وجهده المتواصل، بكلّ المحبّة والعطاء؛ وفضل الله مجدلاني لِما يقوم به لخدمة النشاطات بتفانٍ وإخلاص ومحبّة وعطاء دون أيّ تذمّر، وهو الوحيد الذي يتواجد في كلّ الامسيات، والشّاعرة آمال عوّاد رضوان، لِما تبذله من جهد وتعب لتغطية الأمسيّات تغطية كاملة وشاملة. كما خصّ بالشّكر أيضًا عريفة الأمسيّة خلود فوراني – سريّة، وللأدباء والكتّاب الّذين تبرّعوا نقدًا لصندوق النّادي، والذين أهدَوْا كتبهم إلى النادي لبيعها لمنفعة نشاطات النادي.

ودعا نقّارة الأدباء والكُتّاب والمبدعين قائلًا: "أحبّوا بعضكم بعضًا، لأنكم تكمّلون بعضكم، فعليكم المشاركة في أمسيّات زملائكم ودعمهم، فالحبّ لا يُرجع إلى مانحِهِ إلّا حُبًّا".

 

* فوراني – سريّة: ثقافته واسعة وعروبته صادقة *

وجاءت كلمة عرفة الأمسيّة، خلود فوراني – سريّة، معرّفةً عن الدّكتور/الكاتب المحتفى به والكتاب: "الحضور الكريم، مساؤكم نور حيفا والكلمة، مساؤكم نديٌّ عابقٌ بياسمين الشام وفيحائها، وطئتم سهلًا وحللتم أهلًا على أمسيّة ثقافيّةٍ تحملنا على جناح الأصالة والعراقة والإباء، مع د. خالد إبراهيم داود تركي، وإصداره "من حيفا هنا دمشق".

"د. خالد تركي طبيب وكاتبٌ أديبٌ، مناضل من أجل العدالة، ومشحون بالإنسانيّة، يشعر بألم شعبه وغصّات أمّته، يُعالج المرضى بمبضعه، ويُخفف آلام الأمّة بقلمه، فينقل روح فلسطين الوفيّة لعروبتها إلى العالم. جاء في إهداء "من حيفا هنا دمشق": إلى من علّمني أن أحب حيفا، برها، وبحرها، سماءها وكرملها.. إلى من علمني أن أحب دمشق، غوطتها وقلمونها نارنجها وياسمينها.. إليكم جميعًا أهدي كتابي، وستبقى حيفا بلادي على عهد دمشق. " وعليك عيني يا دمشق، فمنك ينهمر الصباح".

"يحتضن "من حيفا هنا دمشق" وهو المؤلف الثالث لد. خالد  بعد "يوميّات إبراهيم البلشفي" سنة 2008 وهو بمثابة سيرة ذاتيّة لأبيه طيب الذكر ابراهيم تركي و"حماة الديار" سنة 2010 وهو وقائع محكيّة، يحتضن مقالات سياسيّة، اجتماعيّة، وثقافيّة نشرها في صحيفة "الاتّحاد" مع كل إطلالة خميس ويستحضر الكاتب فيه حكايات وقصصًا نالت جوانب مختلفة، منها التربويّة الثقافيّة والاجتماعيّة.

"في طيّاته توجّهٌ إنسانيٌّ يحمل رسالة، ولكي لا تضيعَ البوصلة، أراد المؤلف لمؤلّفه أن يكون كلمة تقدير وشرف وعز وشكر للسالفين، وكلمة تثقيف وتعريف وتنوير للناشئين، علّهم يستخلصون العِبَر. ولا أزال مسكونة أيّها الرفيق بالسّؤال: مِن أين لك البلاغة في اللغة العربيّة، تكتب بإتقان المقالات، وتصدر ثلاثة مؤلّفات، كطبيب درس المهنة في دولة أجنبية (سلوفاكيا)، تُجيد عدّة لغات، مُتنقّلًا بين العربيّة والأعجميّة؟ أوعزت لي مهمّة الاستكشاف أنّ د. خالد نهلَ حبّ اللغة منذ نعومة أظفاره، فمِن مكتبة بيت أهله العامرة اغترف العربيّة أدبًا وشعرًا وتاريخًا، وقد لازم في صغره عمه الشّاعر والمناضل داود تركي (أبو عايدة)، في تلك الأيّام حينما كانوا وكنّا نغفو على حلم ونصحو على غيمة، كان اسم داود تركي وزمرته يعني سحر المدينة، مدينة لم تسقط إلّا مجازًا، لأنّها بعثت في الرواية من جديد، فترك بصمة تجلّت معانيها في ما نحن به الآن. ولأصدقائه والعائلة أيضًا دور في تشجيعه على الكتابة والتّوثيق، أخصّ بالذّكر صديقه وزميله الدّكتور عصام زين الدين والأستاذ إسكندر عمل.

"مَن يُتابعُ د.خالد بكتاباتِهِ وروائعِ مدادِ قلمِهِ، يراهُ لا يَنفكُّ يَستشهدُ بآياتٍ من القرآن الكريم والأحاديث النبويّة الشريفة والشّعر العربيّ، فإن دلّ هذا، إنّما يدلُّ على ثقافتِهِ الواسعة وانتمائِهِ الصّادق للعروبة، وإنْ جاز التعبيرُ فهو شيوعيُّ الانتماء، كاثوليكيّ المذهب، ذو ثقافة عربيّة إسلاميّة، ولا غرابة في تواضعِهِ واختزال الحضارة في شخصِهِ، واسمح لي أيّها الرفيق أنْ أشي بمعلومةٍ على لسانك: يسكن مع بناته وزوجته السلوفاكية (إديتا) الدّاعمة الدائمة له، على سفح جبل الكرمل، وإن سألته عن مكان سكناه يجبك: أنا من حيّ وادي النسناس الذي أعتزّ به، فيهِ وُلدتُ ونشأتُ، ومنه تخرّجتُ كما تخرّجَ رجالٌ قياديّون مُثقفون ووطنيّون."

 

* كريني: اللّذّة في قراءة نصوص خالد تركي *

الأستاذ راضي كريني، عمل في سلك التعليم ثلاثة عقود في مدرسة ينّي الثّانويّة، علّم الرياضيّات والفيزياء، وكان سكرتيرًا تنظيميًّا لفرع الحزب الشيوعيّ في كفرياسيف، وبعد انتهاء عمله القسريّ من التعليم، أصبح مراسلًا لصحيفة "الاتّحاد"، فساهم في تأسيس حركة اليوبيل، وبيت المعلّم، ولجنة الدّفاع عن الأرض، والمنتدى الفكريّ في كفرياسيف، وتنشر مقالاتُهُ الأسبوعيّة علاوة على "الاتّحاد" وموقع "الجبهة"، في الحوار المتمدّن ومواقع أخرى.

قال: "خالد تركي قامة مغروسة في قلبِ الحزب النّابض؛ حبًّا ونضالًا وانتماءً وتضحية، في مسيرة كفاح الشّعب الفلسطينيّ التحرّريّة، لا يكلُّ ولا يلين، ولا يتراجع، ولا يتخاذل. يقف كما وقف عمُّهُ ووالدُهُ، إلى جانبِ شعبه صامدًا ضدّ الظلم، منحازًا للعدل ولحقوق الإنسان، ملتزمًا بعشق الوطن والحياة الحرّة، ويُقنعُ بصدق الانتماء، ومفتخرًا بقيم المبادئ التي تربّى عليها، ومازال يحملُ لواءَها ويبشّر بإمكانيّتها وضرورتها، مؤمنًا أنّ لابدّ لليل أن ينجلي، ويعمل على كسر القيد؛ فلخالد تحيّة، ولأبو خالد إنحناءة.

"نلاحظ في المؤلفات الثّلاثة التي أصدرَها خالد حتّى الآن، أنّه بذلَ جُهدًا صادقًا وبإخلاص؛ والقليل مع الإخلاص كثير، والكثير مع الرياء قليل؛ فكم بالحريّ إذا كان إخلاص خالد كثيرًا؟!

"اعتمد دكتورنا في مؤلّفاته الثلاثة على تحليل مواضيعَ تتعلّقُ بنهجه السياسيّ، رسم مخطّطاتِهِ ووضع حبكاتِهِ وفقًا لمبادئ الحزب الذي ينتمي إليه، وتماشيًا مع المبادئ التي يؤمن بها، وعيّن مراحلَ التطوّر في المؤلفات متّكئًا على درجة ثقافتِه ووعيه وإحساسِه، وانطلق بانيا على موضوعٍ ثوريّ موجودٍ في بيته وبيئته، وفي ذاكرةِ والدِه وعمِّه وأدبيّات حزبه، وزادَ عليه لواحقَ جديدةً واختراعاتٍ مستحدثةً، واهتدى إلى أفكارٍ تتعلّقُ بمواضيعَ أخرى من التراث الشعبيّ والدينيّ، ومن الحضارة الحديثة.

"يكتشفُ المتتبّعُ لمؤلفات خالد أنّه اتّبع نهجًا واحدًا تصاعديّا، ممّا أملى على نفسه، أن يفاوتَ بين مؤلّفاتِه بالنّوعيّة والعمق، لم تكن هذه العمليّةُ بَديهيّةً عنده؛ بل اهتدى إلى موضوعاتِه عن سابقِ إصرارٍ وإعدادٍ، وهي الموضوعاتُ التي صدمتْهُ، وأثارت فيه حوافزَ، وكوّنت لديه مجموعةً من الأفكارِ التي أثارت الخيالَ، وثوّرت مشاعرَه المنغمسةَ بالذكرياتِ المسنودةِ بالمطالعات والخبرات والتأمّلات؛ فتفاعلت كلُّ هذه العواملِ فكريّا وعاطفيّا وخياليًّا، فأولدت المؤلّفاتِ والمقالات الواحد تِلْوَ الآخر، جديدًا على جديد، مكمّلًا وموفيًا لما وُجد ونَقص، دون أن يقعَ أديبُنا في التشابه والتكرار المملّ، أو في التقليد، أو في الشبيه اللاواعيّ؛ فإبداعُه انفعالٌ بالواقع المأساويّ، وبالتّالي اتّحادٌ بالأمل المشرق.

"هكذا، يُطلّ علينا مِن بين صفحاتِ مقالاتِه وكتبِه مخزونٌ ثقافيّ وتِقنيّ متفجّر، وإرادةٌ قويّةُ العزم على فعل الخير وبلوغِه، تطالبُنا بالصبر وبالتماثل مع إرادتِه، وبالسعي والإسهام معها؛ لتأمين شروطِ حياةٍ عادلة أفضل، ولتحريرِ الإنسان المنسحق، ولإرساءِ أساسٍ فلسفيّ وخلقيّ لفكرة الاشتراكيّة.

"نجد في كتاباتِ كاتبنا دمجًا لأهمّ خصائص النصوص الأدبيّة والوظيفيّة؛ ففيها النصّ المعلوماتيّ واضحُ اللغة، وبعيدٌ عن الرمز، ومعتمدٌ على الحقائق المستقلّة عن رغبتِه ورأيِه، وعلى مصطلحاتٍ خاصّةٍ بالموضوع الذي يتناولُه، وعلى أوصافٍ للأشخاص والأماكن والأشياء، لكنّها لا تخلو من خصائص النصوص الأدبيّة.

"وفيها النصّ الإرشاديّ الإجرائيّ الذي يتوجّه إلى جميع القرّاء، لا يستعملُ أديبُنا صيغةَ المبنيّ للمجهول كمُحايد في المعركة، فهو يشير ويرشد لكيفيّة تنفيذِ أو إجراءِ أيِّ عملٍ حزبيّ أو ثوريّ أو وطنيّ، مستخدمًا الروحَ الخطابيّة. وفيها النصّ الإقناعيّ، الذي يهدفُ للتأثير في القارئِ لإقناعِه بوجهةِ نظرٍ معيّنة في موضوعٍ سياسيّ واجتماعيّ ما، فيكشفُ المعلوماتِ والوثائقَ، ويستشهدُ بآراءٍ وحججٍ، ويستعينُ باللّغةِ الإيقاعيّةِ وبالأمثالِ والشّعرِ والحكم والآيات والأحاديث."

 

* عمل: لم يكرِّر د. خالد تركي نفسه في مؤلَّفاته *

إسكندر عمل، مُرَبٍّ ومُؤرّخ، عملَ مُربّيًا في المدرسة الإيطاليّة الثانويّة بحيفا أربعة عقود، فتخرّجَ مِن معطفه آلافُ الطلاب. أشغلَ عدّة مهام تطوّعية في خدمة المجتمع منها: نائب رئيس بلديّة حيفا عن الجبهة الديمقراطيّة للسّلام والمساواة، وله عدد من المؤلّفات والأبحاث التّاريخيّة.

تحدّث في مداخلته قائلًا: "مع كلِّ إطلالة خميس، طالَعَنا طبيبنا وأديبنا د. خالد تركي لسنوات على فنجان القهوة الصَّباحي بدرَّة من درر قلمه، استقاها من أحداثٍ عصفت بمجتمعنا، أو مناسبات وطنيّة أو قوميّة كان لا بدّ من التَّذكير بها، أو من أفكار وأحاسيس نابعة من قلب القلب لأهلٍ، ودَّ لو يُوفيهم بعضًا من حقّهم عليه، الأم، الأب، العم، رفيقة الدّرب، فلذات الكبد، الأخوات أو أشخاص كان لهم دور هامّ في حياته الخاصّة، أو حياة شعبنا العربيِّ الفلسطينيِّ الّذي لا يزال مصلوبًا يعاني من القريب ومن الغريب. ولا تخلو  الصَّباحيَّات من ألم على فراق علم من أعلام أمَّتنا أو شعبنا كبن بيلا وأبي نرجس (نمر مرقص) وأبي عرب، شاعر الثَّورة الفلسطينيَّة ومنشدها إبراهيم محمَّد صالح، أو عزيزة أو عزيز كعمّ الكاتب أبي عايدة ووالدته أو رفيقة أو رفيق، صديقة أو صديق.

"رغم تعدُّد الأساليب الفنِّيَّة في الكتابة الأدبيَّة، نجح كاتبنا وبامتياز في إبداع أسلوب له نكهته الخاصَّة وآفاقه الإبداعيَّة الخلّاقة، حتى بتنا نعرف نصًّا يكتبه دون أن نرى اسمه في بداية النَّص أو نهايته. ومن أبرز ميزات هذا الأسلوب الاقتباس من آيات القرآن الكريم أو من الإنجيل بشكل ملفت للنَّظر وبطريقة تختلف عن كلِّ من وظَّفها قبله في نصِّه الأدبي.

"التَّأكيد على المعاني المحوريَّة في النَّص هو معلم هامّ وميزة خاصَّة في أسلوب الكاتب، فنراه يكرِّر المعنى بألفاظ متنوِّعة تشدُّ القارئ وتلفت انتباهه أكثر للهدف من هذا التَّأكيد أو التِّكرار. فعلى سبيل المثال، في مقاله " لنعِشْ كِرامًا" يكتب:" فنحن نتقاسم الأرض خيرها وجودها وعطاءها ومنتوجها الآتي من غيث جوِّها وخصوبة برِّها ورذاذ بحرها وسخونة رملها وعطاء سمائها وشموخ جبالها وغزارة وديانها، وكذلك نتقاسم العشق والشَّوق والحنين والمحبَّة..". وفي "بحبِّك يا مصر" يقول "سنعود ونجدِّد العهد والوعد القسم، نزلت جماهير شعبنا، لتضع حدًّا للظُّلم والجوع والفقر والعوز والفساد والإهانة والمهانة". وفي "وهل ينهض البازي.." يقول عن الشَّام: " كيف صمدت في وجه جميع الفتاوى المدفوعة والضَّلاليِّين والتَّكفيريِّين والمرتزقة، الذين باعوا ضمائرهم وشعبهم ودينهم وعِرضهم..

"وفي صباحيَّة مميَّزة عن مكتبة النُّور لصاحبها المناضل داود تركي يقول: "لقد كانت مكتبة النُّور سراجًا منيرًا في ظلمة وطننا خصوصًا بعد النَّكبة، ومنارة هادئة وهادية، تطلق سناها بعالي سمائها، لتضيء الدّرب في الدياميس المظلمة..

"لم يكرِّر د. خالد تركي نفسه في مؤلَّفاته الثّلاثة، فقد اختلف أسلوبه في كتابه الأوّل "يوميَّات برهوم البُلشفيِّ" عن مؤلَّفه الثَّاني "حماة الدِّيار"، فكان الأوّل دمجًا بين سيرة ذاتيَّة لأبيه ومسيرة شعب قارع الانتداب وبعده الصَّهيونيَّة التي شرَّدت أبناء شعبه وصادرت أرضه، وجثم حكمها العسكري على حياته ووجوده حوالي عشرين عامًا، لكنَّه انتفض وهبَّ رغم القهر والظُّلم والاستبداد. أمَّا الكتاب الثَّاني فتناول سيرة عشرات من مناضلي القاعدة الذين ارتكز عليهم النِّضال، أولئك الذين حموا بأجسادهم وبكفاحهم اليوميِّ المثابر وجودنا وبقاءَنا على هذه الأرض الغالية. وفي المؤلَّف الثالث الذي يضعه المؤلِّف بين أيديكم ستجدون اسلوبًا جديدًا وإبداعًا مميَّزًا، لكنَّه لا يختلف في أهدافه عمَّا سبق من مؤلِّفاته، فالنَّبع الصَّافي لا يأتي إلّا بالماء العذب."

 

* فوراني – سريّة: لتبقَ منارةً ونبراسًا وطريقًا *

وقدّمت عريفة الأمسيّة فوراني – سريّة المحتفى به، د. خالد تركي، قائلةً: وُلدنا بأسمائنا، كبرنا ولم نقبل إلّا الهواء لحافًا ولا إلا الأرض هوية وانتماء. نحن دائما تحت سقف واحد وفي ظل حلم واحد، مهما حاول العابثون خدشه سيبقى واعدًا واثقًا، فأحلام الأحرار وعود تتحقّق، فكم إذا كانت وعود إخوة في الإنسانيّة والحريّة والعقل! د. خالد، لتبقَ منارة ونبراسًا وطريقًا.

 

* د. تركي: أبدًا ما هنتِ علينا، يا حيفا ويا دمشق *

وقال الدّكتور والكاتب المحتفى به، خالد تركي: "إلى من علَّمني أن أحبَّ حيفا، برَّها وبحرها، سماءها وكرملها.. إلى من علَّمني أن أحبَّ دمشقَ، غوطتها وقلمونَها، نارنجها وياسمينها.. إليكم جميعًا أهدي كتابي، ومنهم والدي أبو خالد إبراهيم تركي، برهوم البُلشفي.. ومن شابه أباه فما ظلم.. والابنُ ينشَأُ على ما كان والِدُهُ/ إِنَّ الجُذورَ علَيها ينبتُ الشَّجرُ، وستبقى حيفا/ بلادي على عهد دمشق، "وعليكِ عيني يا دمشق، فمنك ينهمر الصَّباحُ"

"من حيفا.. هنا دمشق، من عكَّا ويافا واللّد والرَّملة ومن كفر ياسيف، وأبو سنان والكويكات وعمقا وامِّ الزِّينات والبروة والطَّنطورة والسميريَّة وأم الفحم واللجون هنا دمشق.. ومن أربع طيِّبات بلادي وطيرتيْها والنَّاصرة والقدس ودير القاسي ودير أيّوب وعمواس واللطرون وبيت جن ودالية الكرمل وطبريَّة والنَّقب ومغار حزُّور ومن كلِّ بلادي هنا دمشق.. من قلبي ومن كبدي ومن كلِّي لا بل من كلِّ كلِّي..هنا دمشق..

"فيا دمشقُ أنت القلب النَّابض للعرب، "أنت المجدُ لم يغِبِ"، أنت "الفولاذ في العَصبِ"، وأنتِ سوار من خالصِ الذَّهبِ، في معصمِ بلقيس ملكة سبأ وزنوبيا ملكة تدمر، وفي معصم الزَّهراء والعذراء وفي معصم أشرفِ وأطهر النِّساء، فلكِ منِّي، يا فيحاء، الوفاء والكبرياء والإباء ولك منِّي، أيتها العنقاء، العهد والوعد، أن يبقى السَّناء في عالي السَّماء، يا حسناء..

"فالشَّام شمسنا وشامتنا، تُزيِّنُ جبينَنا ليبقى مرفوعًا وترفعُ جبهتَنا لتلامسَ الكواكب والأجرام أو يزيد.. فيا دمشق دومي لنا، دوام الماءِ والغَبراءِ والسَّماءِ، كما كنتِ وكما انتِ منتصرةً رغم أنوف المعتدين.. لأنَّكِ أنتِ أنتِ روحُنا وحبلُ وريدنا ونياطُ قلوبنا وعزُّنا وعزَّتُنا وانتِ نبضُنا ﴿بالعَشِيِّ والإِبْكارِ﴾! كيف لا و"أنا صوتي منك يا بردى".. فيا دمشق يا مكَّة العرب والعروبة، مُكِّي رقاب المتآمرين والتَّكفيريِّين، فانتِ قِبلة الثُّوَّار والأحرار والشُّرفاء ولكِ منَّا ما شاء الله من قُبَلٍ ومن قُبلةٍ وقُبلة، يا قِبلة.. "من حيفا.. هنا دمشق"، من أين أتاني عنواني الذي مَلَكَ مكاني وزماني وكياني وكلَّ آنٍ من آني!

"حيفا ما زالت تعيش نكبتها، ودمشق تعيش مؤامرةً شرسة وجوديَّة وما زال يلتقي بهما "جيل البطولات بجيل التَّضحيات  التقى كلُّ شهيدٍ قَهَرَ الظُّلم ومات، بشهيدٍ لم يزل يبذُرُ في الأرض بذور الذِّكريات، أبدًا ما هنتِ يا سوداننا يومًا علينا" (محمَّد الفيتوري من قصيدة أصبح الصُّبحُ)..

"أبدًا ما هنتِ علينا، يا حيفا ويا دمشق، ويا بلادي من مشرقك إلى مغربك، ومن محيطك إلى خليجك، ومن القامشلي شمالاً إلى رفح جنوبًا..

"لقد بناك، يا بلادي، الطَّيِّبون والطَّيِّبات لتكوني انتِ للعبادِ، يا حبيبتي يا طيِّبتَنا، يا أرضَ الرُّسُل والرِّسالات والصِّدِّيقين والمناضلين والشُّرفاء والأحرار والأبرار والأخيار ومهد الحضاراتِ، وقد تضرَّع رسولنا العربيُّ الكريم إلى الله، كما جاء في حديثه الشَّريف: اللهمَّ بارك لنا في شامنا..

"فكانت الشَّام "بنت الأكابر" والكرام، عزيزة على الأنام على مرِّ الأيَّام وستبقى في ناسِ أهل الشَّام المسرَّة وسيحلُّ السَّلام على أرضِ السَّلام، على ﴿هذا البلد الأمين﴾.. فهل نرضى بأن تكوني غير ذلك!

"لذا انتفِض يا شعبي انتفاضتك الشعبيَّة الجارفة في وجه أيتام مسيلمة الكذَّاب وأبي لهب وحمَّالة الحطب وابن ملجم وابو لؤلؤة ويزيد بن معاوية وآل سعود وآل حمد وآل الاسخريوطي وكلِّ المفكِّرين الأيتام الذين كانوا من "تلامذة القوميَّة" لغاية في نفس من لفَّهم!

"فضمِّدي جراحك وانهضي يا شامُ نهضة عروس المجد، "وامسحي دمع اليتامى"، "والمسي جرح الحزانى"، فجراحنا ما زالت تنزف وتنتظرك لنُعالج جرحنا معًا.."وعليك عيني يا دمشق فمنك ينهمر الصّباح".

يذكر أنّ كتاب "من حيفا.. هنا دمشق" من إصدار مكتبة ودار النّشر الحيفاويّة "كل شيء".

[foldergallery folder="wp-content/uploads/articles/145721503920153012023729"]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *