كَيْلا تضيع البوصلة

مراسل حيفا نت | 20/12/2015

عيد الميلاد المجيد ليس مناسبة دينيّة فحسب، بل مناسبة كونيّة اجتماعيّة إنسانيّة، تشكّل متّسعًا لوداع عام واستقبال آخر. ومن هنا فإنّ تهنئتنا بالعيد تحوّل البُعد الإنسانيّ على مدار خطوط العرض والطّول. نهنّئ المحتفلين عامّةً والفعّاليّات الدّينيّة والكنسيّة ومجتمعنا من أصغره إلى أكبره. ولتذهب سنة بكلّ ما فيها ولتأت سنة أخرى بالحلاة والودّ والمحبّة والفرح. فما أحوجنا إلى الفرح الغامر يغطّي المكان والزّمان.

سنحتفل ونبتهج ونغنّي ونرقص ونأكل ما لذّ وطاب ونلبس ما يحلو. وهذا طبيعيّ وإنسانيّ. سنسهر معًا ونشرب نُخب بعضنا ونتسامر ـ وهذا أيضًا طبيعيّ وفي منتهى الإنسانيّة. ومع هذا نخاف أن تتحوّل بعض أشكال الاحتفال إلى ما يُقلق. فحذار لدى استخدام الألعاب النّارية وحذارِ لدى قيادة السّيّارات وحذارِ من تحويل الاحتفالات إلى مصدر للمتاعب، نحن في غنًى عنها. نحتفل بكلّ قوّتنا طمعًا في الفرح والانبساط، ولا شيء آخر غير هذا!

سنة جديدة هي مناسبة لبدايات جديدة خاصّة في علاقاتنا بالآخرين. فلتكن هذه العلاقات طيّبة ولتكن طاقاتنا كلّها إيجابيّة. لا يوجد أحلى من الكلمة الطّيبة، ليس وقت الأعياد فحسب بل طيلة أيّام السّنة. نحن مطالبون بالكلام الطيّب والمعاملات الإنسانيّة تجاه بعضنا البعض. فلنبدأها بمجاملة العيد وتهاني العيد ولنواصلها على مدار السّنة كلامًا طيّبًا من القلب إلى القلب ومن الأخ إلى أخيه الإنسان.

سنة جديدة هي أيضًا مناسبة لحساب النّفس، وهي مناسبة لمراجعة ما فعلناه وما لم نفعله. سنحسن صنعًا إن أخذنا الوقت لصالحنا وطوّرنا أنفسنا وتصالحنا معها ومع الآخرين الأقرباء والبعيدين.

سنة جديدة تأتي عادةً بالأمل على أن تكون أفضل، وكلّ واحد منّا يستحقّ الأفضل في كل وقت.. ومن هنا تكمن عاداتنا في الاحتفال بها على أمل أن يظلّ الوقت مليئًا بأغنيّات وموسيقى وتحقيق للأمنيات. لكن ونحن نحتفل علينا أن نضيء شمعة للمحتاجين ـ أن نفسح لهم في قلوبنا ولو زاوية نصلّي فيها من أجلهم ونقرّر أن نتذكّرهم. أمّا مَن استطاع إلى الصّدقة سبيلا، فليفعل! بيننا هنا وهناك وفي شرقنا كلّه وفي العالم مَن يحتاج إلى أن نتذكّره ونتضامن معه ونأمل له خيرًا.

إنّ حيفا المدينة والمجتمع كريمة ومعطاءَة. وهو ما نلمسه من يوم ليوم ومن سنة لأخرى. إنّها موقع يستعيد فيه مجتمعنا نسيجه ويبني فيها ذاكرته وحضوره المميّز. إنّها مدينة يحلو فيها هذا العيد وكلّ عيد. فمجتمعنا هنا قادر على الألفة والمحبّة ويعبّر عنها تباعًا في كلّ المناسبات. صحيح أنّ العنف يضرب ضربته من مرّة لمرة، لكن مجتمعنا قادر على تطويقه والمضي قُدمًا نحو غدٍ أفض. منسوب العيش المشترك أعلى والتّآخي بين كلّ الأديان والجماعات والثّقافات. يسرّنا أن يتمدّد هذا النّموذج إلى كلّ مواقع شعبنا هنا وهناك. ونحن قادرون في حيفا على العيش المشترك الطّيّب والمعقول ـ هذه ليست معجزة بل هي خيارنا الوحيد في وجه التّفرقة والتّمييز والعنصريّة.

لتكن السّنة الجديدة أفضل من سابقتها وأيّامكم أحلى ومباهجكم أكبر. كلّما اتّسع باب الفرح كلّما دخل منه أناس أكثر. فلتكن سنتكم الجديدة مفتوحة على مصراعيها على الفرح.

 

يوم اللّغة العربيّة!

يُصادف يوم الجمعة 12 كانون الأوّل من كلّ عام يوم اللّغة العربيّة وفق قرار من منظّمة الثّقافة العالميّة اليونسكو، الّتي أرادت أن تخصّص لهذه اللّغة متّسعًا كي تتطوّر وتغتني وتعيش وتزدهر. إنّها التفاتة هامّة نحو لغتنا ـ لغة الأم الّتي تتعدّى كونها أداة تواصل كما يعتقد البعض. فهي أداة تواصل فعلًا لكنّها تشكلّ أيضًا وعاء الثّقافة ووعاء الهُويّة العربيّة.

لا نقول هذا من قبيل تقديس اللّغة أو الهويّة أو الثّقافة، ولا نقولها برومانسيّة ولا بتمنٍ أو بحسرة، بل نقولها بوعي الإنسان الّذي يهتمّ بلغّته وثقافته وهُويّته. ليس لأنّها أفضل من أي لغة أو ثقافة أخرى بل لأنّها ملك للإنسان وهي حقّ من حقوق الجماعات اللّغوية ـ القوميّة أو الإثنيّة ـ المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق الدّوليّة. كلّ إنسان بحاجة للغته وإلى وضعيّة تكون فيها لغته مُحترمة وذات مكانة مرموقة. كلّ إنسان يحتاج إلى ثقافته ومجموعة انتمائه التي يعبّر عن انتمائه لها من خلال لغته.

إنّ لغتنا العربيّة قادرة على العيش وعلى المنافسة مع اللّغات الأخرى على قدم المساواة. وهي ليست قاصرة كما تصوّرها السّياسات الإسرائيليّة أو كما يحاول البعض أن يعتبرها قياسًا بالإنجليزيّة أو العبريّة أو الفرنسيّة في لبنان وتونس مثلًا. لقد استطاع مفكّرون ومبدعون ومبدعات ومثقّفون ومثقّفات عرب على مدارس العقود الأخيرة أن يطوّروا اللّغة العربيّة وأن يزيدوا من ثرائها وقدرتها على تداول معارف الراهن. مئات الكتب الصّادرة كلّ سنة تشتمل على مفردات مطوّرة ومُستحدَثة وسلسلة لتنخرط ضمن قاموس الاستعمال العربيّ المعرفيّ.

اللّغة العربيّة حيّة، وإن اتّسمت مجامع اللّغة بالمحافظة والجمود والعُقم أحيانًا. اللّغة العربيّة تطوّرت بأيدي مستخدميها من مفكّرين وعلماء اجتماع ومهارات معرفيّة في كلّ مجال ومجال. خسارة أنّ تأليف المعاجم الجديدة لا يسير بالوتيرة ذاتها.

اللّغة العربيّة حيّة ونشطة، يعني أنّ الشّعب النّاطق بها كذلك. بل إنّ شعبًا حيّـًا وطموحًا يستحقّ لغة تجاري مستواه. إنّها علاقة واضحة بين نشاط اللّغة وحيويّتها وبين نشاط النّاطقين بها وحيويّتهم. هناك مَن أراد أن تظلّ حبيسة المعاجم أو ضمن "قُل ولا تقل" ـ وهناك مَن يطوّرها كلّ يوم من جديد. إنّ يوم اللّغة العربيّة يُمكن أن يكون تذكيرًا لنا أن نلتفت إلى لغتنا وأن نحملها نحن أصحابها على محمل الجد. وستردّ علينا بالمثل!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *