“بْرُوخِيم هَبَائيم لِڤادِي نيسناس”: مخطّط تهويد وادي النّسناس، مستمرّ بامتياز!

مراسل حيفا نت | 23/09/2012

تقرير: مطانس فرح

(تصوير: وائل عوض)

إنّها ليست المرّة الأولى الّتي نتطرّق فيها إلى هذا الموضوع، وعلى ما يبدو، لن تكون الأخيرة، أيضًا..! حيث كنّا قد فتحنا قبل أزيَدَ من سنة ونصف السّنة ملفّـًا حول مخطّط يهدف إلى تهويد حيّ وادي النّسناس؛ هذا الحيّ العربيّ العريق الشّاهد على وجود الفِلَسطينيّين في حيفا وبقائهم.

وحينها، حذّرنا من صفقات بيع سرّيّة تُبرم يوميّـًا تحت غطاء قانونيّ مُبهَم، وأشرنا إلى أنّ هذه الخطوة في غاية الخطورة، لأنّها تهدف إلى تغيير معالم أحد الأحياء العربيّة البارزة في مدينة حيفا، مجتمعيّـًا وتاريخيّـًا.

ولكنّ صفقات البيع لم تعد سرّيّة ومُبهَمة، ولا تقتصر على شركة الإسكان الحكوميّة "عميدار"، فقط، الّتي تبيع أملاك الغائبين لليهود؛ بل أصبحت علنيّة و"على عينَك يا تاجر"، يبيع من خلالها صاحب المُلك العربيّ بيته أو شقّته أو عقاره لليهوديّ الغريب بدل أخيه العربيّ القريب!

كنت قد نوّهت في إحدى كتاباتي السّابقة بالموضوع، بأنّنا قد نصحو يومًا في حيّنا العربيّ، لنجد، فَجأةً، أنّ جارنا مستوطن يهوديّ أو جنديّ في جيش الاحتلال أو متديّن متطرّف..

وفعلًا، تحوّل هذا السيناريو إلى واقع حقيقيّ! فصفقات بيع البيوت والشّقق والعقارات في حيّ وادي النّسناس ومحيطه (وادي النّسناس، قيساريّة، الحريريّ، المخلّص "ي.ل. پيرتس"، الخوري، وغيرها من الشّوارع)، أصبحت في قبضة رجال الأعمال والمستثمرين اليهود، الّذين يقطنون مدن تل أبيب وهرتسليا والقدس!!

وفي المقابل، تقوم بعض الجمعيّات والمؤسّسات اليهوديّة "المتطرّفة" بتمويل بعض الصّفقات (سرًّا)، لهدف "الاستيلاء" عليها! ليتحوّل حيّ وادي النّسناس – هذا الحيّ العربيّ الحيفاويّ الّذي تشهد حجارة بيوته على أصالته وعروبته، وشوارعه على بقاء أهله وصمودهم – إلى حيّ عربيّ – يهوديّ… وقد يؤدّي مثل هذا التّحوّل إلى تهديد المعالم العربيّة والوجود العربيّ في هذا الحيّ.

ونحن نصرّ على إبقاء الملفّ مفتوحًا، لأنّ وتيرة صفقات وعقود البيع ترتفع يومًا بعد يوم. إنّ "استيلاء" الملّاكين اليهود على البيوت والعقارات العربيّة في حيّ وادي النّسناس سيؤثّر – بدون أدنى شكّ – على الوضع الاجتماعيّ السائد في الحيّ، وعلى الترابط الوثيق بين أهاليه.

د. جوني منصور ..تفريغ الحي

وكنّا – في حينه – قد تحادثنا مع د. جوني منصور، حول خطورة هذه الظاهرة، وتأثيرها على سكّان الحيّ، فأشار إلى أنّه "ممّا لا شكّ فيه أنّ عمليّات وصفقات البيع ستؤدّي، تدريجيّـًا، إلى تفريغ الحيّ أو جزء منه من سكّانه الأصلانيّين.

عدا الآثار السلبيّة الّتي تكمن في ضرب النّسيج الاجتماعيّ للمجتمع العربيّ الفِلَسطينيّ، الّذي تكوّن أو تجدّد تكوينه بعد عام 1948 وحتّى اليوم؛ إذ إنّ عائلات كثيرة تعيش في الحيّ منذ عشرات السّنين، واقتلاعها يعني تدميرها نفسانيّـًا واجتماعيّـًا وثقافيّـًا".

وأضاف د. منصور: "نعتبر هذه الخطوة في غاية الخطورة، لأنّها تبدّل معالم أحد أحياء حيفا البارزة، وذي الوظيفة الاجتماعيّة والثقافيّة الهامّة في تشكيل هُويّة الانتماء إلى المكان كجزء من مكوّنات الهُويّة الفِلَسطينيّة الحيفاويّة".

وكان حسين إغباريّة (مدير جمعيّة التّطوير الاجتماعيّ في حيفا) قد حذّر – في حينه – خلال حديث معه، أيضًا، من "خطورة هذه الصفقات الّتي تُقوّض… ركائز التعايش السليم في مدينة حيفا، بيت العرب واليهود، لأنّها تُعيق الوجود والعيش للمجتمع العربيّ، ولا يوجد تعايش من دون عيش.."؛ واقترح إقامة حيّ عربيّ – يهوديّ جديد لكي يكون نموذجًا يستقطب إليه عائلات من المجتمعين، أبناء مدينة حيفا؛ بدل تهويد الحيّ العربيّ وطمس معالمه!

وأكّد إغباريّة على ضرورة العمل معًا من أجل درء هذه الصفقات وتوعية السكّان… ولكنّنا، وبعد مُضيّ أزيَدَ من سنة ونصف السّنة، نرى أنّ الأمور تزداد سوءًا، وبيع العقارات والشّقق والدور لليهود في اطّراد مستمرّ!!

اين المؤسسات ؟! الأحزاب ؟! الجمعيات ؟! والنشطاء

كنّا قد تساءَلنا، لائمين معاتبين: أين المؤسّسات والجمعيّات حِيال كلّ ما يحدث؟ أين كبار رجال الأعمال العرب؟ أين النّاشطين الاجتماعيّين والسّاسة العرب ولجان الأحياء، الّذين من المفترض أن يكونوا العين السّاهرة والحريصين على أحيائنا العربيّة؟

كما كنّا – في حينه – قد توجّهنا إلى بلديّة حيفا لسماع موقفها بهذا الخصوص، فجاءَنا: "إنّ البلديّة لا تتدخّل في عمليّات وصفقات البيع من منطلق مبدأ "السّوق الحرّة"". وكانت البلديّة قد أكّدت لنا أنّه لا يوجد مخطّط بلديّ يهدف إلى هدم البيوت في حيّ وادي النّسناس، وأنّه لا علاقة تُذكر للبلديّة بقضية بيع البيوت، ولا بتهويد الوادي.

هذا وكان هشام عبدُه (رئيس كتلة "الجبهة" في بلديّة حيفا) قد وعد بتقديم استجواب بهذا الخصوص لرئيس البلديّة، مؤكّدًا أنّ "حيّ وادي النّسناس حالة استثنائيّة، فهو الحيّ العربيّ الباقي للجماهير العربيّة في حيفا بعد نكبة شعبنا، وعلينا الحفاظ على النّسيج المجتمعيّ فيه وعلى خصوصيّات هذا الحيّ التّاريخيّ… في قلب مدينة حيفا، فلا يمكن تغيير المكان العربيّ التّاريخيّ العريق، ويجب العمل على أن تُباع البيوت لسكّان الحيّ نفسه".

وأشارت النّاشطة السّياسيّة/الاجتماعيّة سحر عبدو (ابنة حيّ وادي النّسناس) إلى أنّ ظاهرة اقتناء البيوت "معروفة" للجميع، مُلقية اللّوم على الجمعيّات الأهليّة والمجتمعيّة والحزبيّة ولجنة الحيّ الّتي تغضّ الطرف عمّا يحصل في الحيّ..! منوّهةً بأنّه لا يوجد مستثمرون عرب يبادرون إلى شراء منازل مُهجّرة.. "ففي النّهاية، هناك مخطّط واضح وصريح لتهويد الحيّ".

أمّا ڤكتور حجّار (رئيس لجنة حيّ وادي النّسناس) فكان قد أكّد – في حينه – أنّه "علينا أن نتّحد وأن نعمل معًا لمنع تهويد الحيّ..!". وكان قد حذّر من مخاطر هذه الظاهرة، وادّعى أنّه "لم تكن هناك آذان صاغية، لا من قبل مؤسّسات حزبيّة ولا مجتمعيّة"! وأشار حجّار إلى أنّه "يجب أن نعمل معًا، مع نائبَيِ البلديّة العربيّين (عبدُه وخميس)، والمؤسّسات والجمعيّات الفاعلة، من أجل إيجاد حلّ لهذه المشكلة".

ولكن، وللأسف الشديد، كلّ ذلك يبقى "كلامًا جميلًا"، ومجرّد حبر على ورق..!!

وفي تقاريرنا السّابقة، كنّا قد شدّدنا أنّ على الأحزاب والمؤسّسات والجمعيّات المجتمعيّة والأهليّة وحتّى الدّينيّة الفاعلة والناشطة في حيفا، العمل من أجل الحدّ من صفقات البيع الّتي تُبرَم، يوميّـًا.

منذ أكثر من سنة ونصف السّنة، ونحن "نطحن ماء"… الجميع يستنكر ويطالب بالعمل؛ ولكنّ هذا الجميع – في الوقت ذاته – يغطّ في سبات عميق، وعميق جدًّا.. إنّ تهويد حيّ وادي النّسناس لم يعد مجرّد سيناريو أو مخطّط وهميّ أو حلم خياليّ، بل أصبح واقعًا.. فأهلًا وسهلًا بكم في "ڤادي نيسناس"..!!

هذا ناقوس خطر ومؤشّر سلبيّ يتهدّد الكيان والوجود والتّاريخ والمعالم العربيّة لحيّ وادي النّسناس.. فبدل أن يبقى ويتطوّر حيّ وادي النّسناس لصالح أهله، ولمصلحة سكّان الحيّ والمجتمع العربيّ الحيفاويّ.. تتمّ المساومة والتّجارة والرّبح المادّيّ لفئة ضيّقة على حساب حاضر ومستقبل مجتمعنا وأبنائنا.

في الآونة الأخيرة …صفقة جديدة

ما دفعني إلى إثارة الموضوع مجدّدًا – عدا أهمّيّته وخطورته – هو صفقة البيع الأخيرة، الّتي تمّت قبل أيّام معدودة، حيث بيع بيت في قلب شارع وادي النّسناس لملّاك عربيّ (اسم المالك ورقم الدّار – محفوظان في ملفّ التّحرير) – بوساطة سمسار/(ة) – لمحامٍ يهوديّ مقدسيّ!!.. نعم يهوديّ مقدسيّ!!!

فما الّذي يدفع البائع أو السّمسار/(ة) إلى تفضيل الشّاري اليهوديّ على الشّاري العربيّ، هل هي حفنة الأموال الإضافيّة الّتي يعرضها اليهوديّ، هل هي الأوضاع الاقتصاديّة الصّعبة الّتي "يعانيها" الملّاكون، مثلًا؟!! أم السّمسار/(ة) الّذي/الّتي يبحث/تبحث عن ربح أكبر؟!! أليست الأحقّيّة في اقتناء مثل هذه البيوت لشباب وأبناء حيّ وادي النّسناس؟!!

وللأسف؛ فعند إعادة فتح هذا الملفّ مرّة أخرى، توجّهت إلى عدد من سكّان الحيّ، الّذين يعانون جرحًا عميقًا من جرّاء هذا الوضع، ويقضّ مضاجعهم الاستيلاء على البيوت من قبل مستثمرين يهود غرباء ودخيلين على مجتمعنا العربيّ.. ولكنّهم جَبُنوا كالأرانب ورفضوا الحديث علانِيَة، بحجج "تحرّجًا من.. وخوفًا على.."!! أمّا أصحاب المُلك الّذي باعوه لليهود، فأتحفّظ عن نشر تفاصيل عنهم؛ التزامًا منّي بالأمانة الصِّحافيّة.

إنّ هذا الوضع يؤلمني جدًّا، أشعر وكأنّ حيفا العربيّة تضيع، وبأنّ ما يجري تهجير مُمَنهج.. وعلى ما يبدو، نعاني نحن من عدم توعية واستهتار… وكأنّ كلّ الكلام الّذي "طحنّاه" مسبّقًا، كان مجرّد فقاقيع هوائيّة تناثرت في الهواء وتناثرت معها التّحذيرات والتّحضيرات والوعود والتّأكيدات..!!

حتّامَ سنظلّ نندّد بما يجري، ونعِد بالعمل على التّغيير للأفضل ورفع الوعي؛ وما نجده يأتينا بخلاف ذلك.. على مَن تقع اللّائمة؟! هل علينا أن نلوم صاحب المُلك الّذي تتصدّر سلّم أولويّاته الأموال والأرباح والأطماع المادّيّة؟! أ

م رجال الأعمال والمستثمرين العرب الّذين لا يهتمّون باقتناء هذه البيوت العربيّة المُهملَة؟! أم السّماسرة الّذين يلهثون وراء أيّ مشترٍ كان لكسب أكبر مبلغ ممكن؟! أم المؤسّسات المجتمعيّة والأهليّة ولجان الأحياء الّتي لا تحذّر ولا توعّي، ولا تعمل، أساسًا، على درء هذه الظّاهرة؟! أم نلوم صمت شباب الحيّ الّذين يبحثون عن مسكن في حيّهم ولا يجدون؟! أم نلوم أنفسنا لأنّنا أصبحنا مادّيّين، لا يعنينا الجار ولا المجتمع ولا حتّى حيّنا العربيّ؟!!

في نهاية المطاف، إنّ لكلّ صاحب مُلك حرّيّة التّصرّف بمُلكه كيفما شاء، ولكن أليس من الأرقى أن يشمل – ضمن حساباته – مصلحة أبناء مجتمعه العربيّ؟!

وما زال – حتّى هذه اللّحظات – رجال الأعمال والمستثمرون والمستوطنون والجنود اليهود يجوبون شوارع حيّ وادي النّسناس وأزقّته، مستفسرين وباحثين عن شقق مهجورة، وبيوت وعقارات للبيع، بنيّة مبيّتة للمُضيّ في تهويد الحيّ وتغيير معالمه المجتمعيّة والتّاريخيّة..

كلّ ذلك وسط صمت جارف من قبلنا جميعًا..!! فهل حان الوقت لنصحو من خبلنا وسباتنا العميق، أم ماذا؟!.. سئمنا وعدًا ونذيرًا، فلنعمل معًا على إيجاد حلول!

"بْرُوخِيم هَبَائيم لِڤادِي نيسناس".. فما زال الضّوء في آخر النّفق بعيدًا عن مرآنا!!

 

«عيد الأعياد».. تعايش أم تهويد؟!! (لا علاقة للظاهرين في الصورة في الموضوع)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *