قصة قدوم الطبيب موفق دياب الى شفاعمرو، بقلم: عفيف شليوط

مراسل حيفا نت | 12/09/2012

في إحدى حلقات زاويتي "سطّر يا قلم" تعهدت بأن أنشر اضاءات مشرّفة من تاريخ مدينة شفاعمرو لأذكّر الأجيال الشابة بتاريخهم العريق، فمهمة الحفاظ على تاريخ كل قرية ومدينة عربية هي مهمتنا جميعاً، مؤسسات وهيئات شعبية، أفراد وجماعات.

واليوم اخترت لكم قصة كنت وثقتها على لسان السيد الياس جبور في إطار دراستي الأكاديمية لموضوع التراث، اخترت هذه القصة بالذات لأشير الى أصالة المجتمع الشفاعمري، ولأبرز ظاهرة العطاء لدى طبيب لبناني، غادر بلاده ليقيم في شفاعمرو فيصبح رمزاً من رموزها وابناً من أبنائها.  كما أني لم أغير صياغة ولغة القصة، إنما أنشرها كما سمعتها تماماً مراعاة  لمناهج علم الوثائق والمعلومات في توثيق التراث الشعبي.

القصة

الدكتور موفق دياب لبناني الأصل قدم الى شفاعمرو سنة 1946 عن طريق جمعية إنعاش القرية العربية، كانت في حيفا ولا أدري إذا كان لديها فروع في بقية المدن الفلسطينية. كان يرأسها الدكتور عمر الخليل، وهو من الشباب العربي الفلسطيني المثقف الناهض، والقاضي محمد  البرادعي، ربما كان القاضي محمد البرادعي رئيساً لها  كونه قاضياً. أنا شخصياً أعرف الدكتور عمر الخليل كانت تربطه علاقة صداقة مع والدي وكان والدي عضواً في هذه الجمعية.

جمعية إنعاش القرية العربية قامت على أساس سد النقص الذي خلفه الإنتداب البريطاني في فلسطين. الإنتداب البريطاني وعد فلسطين بالنهوض بها إقتصادياً وعمرانياً وثبت لأهل فلسطين بعد مرور عشرات السنين على الانتداب أنه لم يفعل شيئاً، كان هنالك نقص شديد في الأطباء والمعلمين، وإذا لاحظت الإسم جمعية إنعاش القرية العربية، لأن القرية هي التي كانت تفتقر الى هذه الأمور، وأكثر الإفتقار كان الى الأطباء من الناحية الصحية.  

أعتقد أن هذه الجمعية كانت على إتصال مع الدول العربية  وتبحث وتعرض على الشباب المثقف والمتعلم أن يأتي الى فلسطين. وبإختصار تمكنت هذه الجمعية من الوصول الى الدكتور موفق دياب، كان طبيباً شاباً مبتدئاً، تخرج حديثاً من الجامعة اليسوعية، درس الطب في الجامعة اليسوعية التي كانت تدرس باللغة الفرنسية، مقابل الجامعة الأمريكية في بيروت التي كانت تدرس باللغة الإنجليزية. 

أعتقد أنه عمل في مستشفى التوليد الفرنسي في بيروت لمدة سنتين أو ثلاثة أو أربع، لا أدري على وجه التحديد، وبعدها إتصلت به الجمعية وعرضوا عليه المجيء الى فلسطين، للعمل طبيباً في القرى العربية. أبدى الرغبة،  كانت لديه كل الرغبة والإستعداد أن يتطوع ويترك بلده وأهله ويأتي الى شفاعمرو.

في البداية لم يكن الحديث عن شفاعمرو ، لا أدري ربما كان الى بلد آخر عيّن فيه الدكتور موفق دياب، ولكن والدي الذي كان عضواً في الجمعية أصّر على أن يكون الدكتور موفق طبيباً في شفاعمرو، لأنه فعلاً شفاعمرو كانت بحاجة الى طبيب، كانت مدينة في ذلك الوقت، عدد سكانها تجاوز الأربعة آلاف نسمة وبدون طبيب. 

 والدي شعر بالحاجة الماسة وأعلن أمام أعضاء الجمعية أنه سيستقيل من الجمعية إن لم يأت الدكتور موفق دياب الى شفاعمرو وإكراماً له قبلوا بإرسال الطبيب. ولكن من الطريف الذي لا يعرفه الكثيرون أنه تعين أو ارتأت الجمعية أن يكون الدكتور موفق دياب طبيباً في شفاعمرو وفي صفورية أيضاً، صفورية القريبة، لإعتقادهم أن أي دخل من بلد واحد لا يكفي، فأضافوا إليه بلداً ثانياً حتى يستكمل دخله، ربما كان مبلغ معين في ذلك الوقت، أعتقد 30 جنيه فلسطيني، ما كانوا يأملوا إنه الدكتور يقدر يطلع 30 ليرة فلسطيني من شفاعمرو لوحدها، ولكن الشيخ صالح السليم، أبو محمد مختار صفورية، ذلك الرجل الشهم الأبي الكريم  رفض  العرض ليس رفضاً للدكتور إنما قال هنالك راهبات وهناك دير للراهبات ويعتشن من الحكمة، التحكيم، وأنا لا أريد أن أقطع رزقهم، هذا الموقف النبيل، فلذلك إستقر الدكتور موفق دياب في شفاعمرو، كان ذلك عام 46.

 وعلى ذكر الأطباء اللي إجوا على شفاعمرو وفي فترة عمل والدي رئيساً للبلدية كان يهتم أن يجد لهم مكان سكن لائق. أول شيء على سلم إهتمامه، مثلاً الدكتور الشامي والدكتور الخمرة اللي أجوا قبل موفق دياب على شفاعمرو، إختار لهم دار سليمان الخورية، اللي هاي الدار كانت في هداك الوقت دار سكن في وسط البلد من البيوت الرائعة، أنا عارف إيش بدنا نقول عنها بيوت تليق بطبيب، ولمن بحث عن بيت للدكتور موفق وجد دار سالم عبود التي كانت حديثة البناء، دار حجر، والطابق الفوقاني كان جديد،  فرأساً يعني هالتوفيق إنه لاقى هذا المكان، استأجره للدكتور موفق دياب، وجاء مع عفشه واغراض بيته وكذا واستقر هناك.

وحدث أن أول يوم من وجود الدكتور دياب في شفاعمرو بعد إنقطاع الأطباء وسأذكر الأطباء ليش إنقطعوا عن شفاعمرو، أول يوم بيجي كان في رجل مسن ختيار إسمه بطرس الحداد كان كفيف النظر وراكب على حمارته جاي من حارة الدروز من الدبة هاي المشهورة اللي إحنا منسميها وبدو يروح وين قهوة عطا الله يروح على بيته، بيته حد مدرسة البوسترنت هناك، الحمار والزلمة بقعوا عن ظهر الدبة على الإسفلت علو ما لا يقل عن عشرة أمتار، بتفزع الناس بركض من يركض الى الدكتور موفق دياب من شان ييجي يسعفه، بطلع الدكتور دياب بلاقوه صار ناقلينه على قهوة عطا الله، بعسه بلاقيه صار متوفي فبقولهن: "العوض بسلامتكوا " وبروح.

لمن طلع  كان والدي ينتظر إنه هالدكتور الجديد هدا اللي بدو يعشن أول مريض، يعشنه بميت وأهل شفاعمرو يتطيرون ويتشاءمون، فأسقط في يديه، فقال خربت الشغلة. فمرق عليه الدكتور، قاله دخلك  يا دكتور طمنا ّ، قاله (بلهجة لبنانية – ع.ش): "إيه شو عملو .. مات" فقاله يا خراب الديار، يعني كان يعتقد أنه فأل شؤم . 

ولكن كانت النتيجة كان الواقع عكس ذلك، يعني لا يوجد أي طبيب حتى الآن نال ثقة الجمهور، الناس في الدور، عمل عيادته في دار أبو علي العنبتاوي هذه، وكانت غرفة الإنتظار ملانة والناس لبرة، تأمل إنت يومياً رغم أنه تعشم بمريض توفي، لكن إقبال الناس عليه الناس كانت تآمن فيو، كانت تعتقد إنه إيده مريّة ومنهم والدتي، والدتي لو جبتلها كل أطباء العالم  من مختصين ولا إشي، بس يفوت على الباب وهو على الباب بتطيب، لا بعطيها دوا ولا بحكمها، ومش بس هي بعتقد، كثير من الختيريات والختيرية كان عندهن إيمان أعمى فيه .       

           

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *