التقاه: مطانس فرح
(تصوير: وائل عوض)
"رغم ضيق الوقت، وافقت على إجراء هذا الحديث التلقائيّ السّريع لصحيفة «حيفا»، لأنّي أقرأها وأتابعها» – قال لي النائب د. أحمد الطيبيّ، ونحن في طريقنا إلى مكتب الصحيفة.
– أعلم سبب زيارتك «الفجائيّة» للكنيسة الكاثوليكيّة في حيفا، فما هو تقييمك لهذه الزيارة؟
د. طيبي: كان قد اتّصل بي الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى، ووجّه إليّ دعوة كريمة للمشاركة في الإفطار في قاعة الكنيسة، بعد أن قمت بالرّد على تمزيق الكتاب المقدّس في الكنيست.
للأسف، اعتذرت حينها، لأنّي كنت مشاركًا في إفطار آخر كنت قد دعَوت إليه مسبّقًا، فوعدته بزيارة مستقبليّة؛ واليوم ظهرًا (الأحد)، اتّصلت به وأخبرته بقدومي.. ولقد سعدت جدًّا بهذه الزيارة وسررت بشخص الأرشمندريت وبالكلام اللّطيف الّذي كاله لي، هو والقسّ حاتم شحادة؛ كما سعدت بالتعرّف إلى كلّ من حَضر اللقاء.. فقد أتيت، أساسًا، للقائه، ولشكره على دعوته.
إنّهم جزء أساسيّ من هذا البيت
وعن هجرة المسيحيّين من الأراضي المقدّسة، أكمل النائب د. أحمد الطيبيّ، الحديث الّذي بدأه في الكنيسة، للصّحيفة، قائلًا: «إنّ القلق الّذي يساور الكهنة بالنسبة إلى هجرة المسيحيّين من مدينة حيفا والأراضي المقدّسة يساورنا أيضًا. فنحن لا نريد هجرة المسيحيّين، نريدهم أن يبقوا معنا وبيننا، لأنّهم جزء أساسيّ من هذا البيت».
وأضاف: «عند تمزيق الإنجيل (الكتاب المقدّس) شعرت بإهانة شخصيّة.. إنّ بن آري قصد إهانة المسيحيّين العرب، لم يقصد إهانة المسيحيّين الأجانب. لذا شعرت بإهانة شخصيّة كوني عربيّـًا، وأغار على عروبيّتي وعلى جميع أبناء الشعب العربيّ، وأحترم الديانات السماويّة».
– وسط تخاذل وصمت كبيرين، وعدم دَيْن أو استنكار أو شجب الحدث من قبل أيّ رجل دين، مسيحيًّا كان أو مسلمًا، كنت الوحيد الّذي سمعنا صوته؛ ألا تعتقد أنّ هذا التخاذل يدفع بالأوباش والمأفونين إلى التطاول أكثر على المعالم والرموز الدينيّة؛ الإسلاميّة منها والمسيحيّة؟!
د. طيبي: كلامك صحيح. ولكنّ هذا النوع من السّلوك (تمزيق الإنجيل) لا يمكن السكوت عليه. هو مزّق الكتاب المقدّس، وأنا في المقابل مزّقت صورة رمز ومعلّم الكراهيَة، مائير كهانا..
– ولِمَ اخترت تمزيق صورة المأفون معلّم العنصريّة، كهانا بالتحديد؟! ألم تخشَ من مقارنته بالكتاب المقدّس؟!
د. طيبي: لا مجال للمقارنة، أساسًا. لم أختَرْه لأقارنه بالكتاب المقدّس، إطلاقًا. فلا مجال للموازاة ما بين الكتاب المقدّس وصورة أيّ شخص كان. بن آري هو تلميذ كهانا، وهو يفاخر بأنّ فكره من فكر كهانا. وأنا أدرك أنّ كهانا هو صاحب هذا الفكر، ولذلك مزّقت صورة كهانا، لهدف تمزيق فكر الكراهيَة لا لهدف المقارنة بالكتاب المقدّس، بتاتًا.
وأضاف: أحترم جميع الدّيانات، ولن أقدِم على تمزيق أيّ كتاب سماويّ.. إنّ بعض اليهود التقدّميّين كتبوا وأشادوا بردّة فعلي، مؤكّدين أنّ كهانا وتلاميذه هم أساس إشاعة الكراهيَة في هذه البلاد.
«وقصاصة الورق الّتي انتُزعت من الإنجيل لي..»
واستطرد، قائلًا: بعد تمزيقي لصورة كهانا في الكنيست، اقتبست من شاعرنا الكبير، محمود درويش: «وقصاصة الورق الّتي انتُزعت من الإنجيل لي…».. تقول هذه الجملة كلّ شيء عن الانتماء للأرض وللوطن، وعن التّآخي، وعن الحال الواحد والآمال المشتركة.
– وما هو تقييمك للحال الواحد؟!
د.طيبي: أقولها بصدق، إنّنا هنا متآخون، مسلمون ومسيحيّون، وأستبعد حدوث أيّ شيء داخليّ قد يجلب السوء. لقد حدثت بعض الأمور والاحتكاكات، هنا وهناك في السابق، وفي نطاق ضيّق؛ إلّا أنّ الصورة الكبرى مشرّفة ومسؤولة، صورة لا تتّسم بالكراهيَّة، بل بالكثير من التسامح، لأنّنا حال واحد، فعلًا – مسيحيّون ومسلمون – ونحن جزء من فسيفساء هذا الوطن وهذا المجتمع.
وأضاف: يجب أن ندرك جميعًا أنّنا مستهدَفون، وأمام هذا الاستهداف يجب أن نتوحّد. إنّ المستوطنين يقتلعون الأشجار، يقتلون، ينهبون، وتُصادر أراضينا من أجلهم، بينما الفِلَسطينيّون، أصحاب الحقّ والأرض يعانون! هذه هي المعادلة الصعبة الّتي نعيشها والواقع المرّ الّذي يجب أن نتصدّى له، أيضًا.
وفي سؤالي عن إنجازات أعضاء الكنيست العرب، أجاب د. طيبي: أنا لا أعترف باصطلاح أعضاء الكنيست العرب، بل لا أقبله، لا أقبل اصطلاح «حاكم العرب».. مَن يرِد أن ينتقد شخصًا فلينتقدْه لشخصه.. انتقدوا أحمد الطيبي إذا قصّر، فأنا – أحمد الطيبي (رئيس الحركة العربيّة للتغيير) – أجتهد، وقد أصيب وقد أخطئ، لكنّي لست مسؤولًا عن تقصير الآخرين، كما أنّي لن أسرق إنجازات الآخرين.
وأضاف: في هذه الكنيست الـ18، نجحت في سنّ ستّة قوانين في ظروف صعبة، كما نجح بعض الزملاء، مثل د. حنّا سويد ومحمّد بركة، في ذلك، أيضًا. أتمنّى النجاح لباقي الزملاء لما فيه مصلحة مجتمعنا العربيّ.
– كلمة أخيرة توجّهها إلى قرّاء صحيفة «حيفا»..
د. طيبي: يجب تكثيف العمل المشترك في الكنائس والمساجد والمناسبات الاجتماعيّة، وإقامة فعّاليّات موجّهة ومخصّصة في المؤسّسات التعليميّة لخلق شعور الحال الواحد.. فحيفا هي المكان الأفضل لذلك، والأرض الخِصبة لزرع وإنبات التسامح والتآخي. كما أشدّد، مجدّدًا، على ضرورة رفع الصوت الواحد المشترك، العقلانيّ الحضاريّ الموحِّد في هذه البلاد..
ومسيحيّو ومسلمو حيفا، هم أفضل من يجب أن يقوموا بمثل هذا الدور الرياديّ؛ لأنّ النسيج المجتمعيّ فيها مغاير لباقي قرى البلاد ومدنها. وعلى أمل أن نعمل، مستقبلًا، معًا، على ترتيب لقاء أوسع، مع شباب حيفا.