لقد باتت الاعتداءات والتّطاولات على الرموز الدينيّة في هذه "الأراضي المقدّسة"، مشرَّعة ومشروعة، وسط تخاذل وتهاون وصمت شبه عارمة. العنصريّة في تفاقم مُقلق جدًّا، والاعتداءات المتكرّرة على الأوقاف والمقدّسات الدينيّة – المسيحيّة منها والإسلاميّة – مَقصودة ومَرصودة، هدفها مسّ مشاعر عرب هذه البلاد، وتحقيرهم وإهانتهم.. وكأنّنا في وطننا، وفوق أرضنا علينا أن نستمر بـ"دفع الثّمن"؛ ثمن بقائنا وحفاظنا على أراضينا وأملاكنا ومقدّساتنا وأوقافنا..!
قرأنا شجبًا هنا، وبالكاد سمعنا استنكارًا هناك، في أعقاب الاعتداء الأخير على دير "اللّطرون" (على مشارف مدينة القدس)، حيث أقدم مستوطنون عنصريّون فاشيّون على إضرام النّار في البوابّة الخشبيّة للدير، كما قاموا بكتابة/رشّ كتابات عنصريّة نابية مُسيئة، بلغت حتّى شخص السيّد المسيح نفسه، هدفها إهانة العرب وتحقيرهم، والمسيحيّين خصوصًا! فأين هم رجال الدّين، "ممثّلو المسيح" على هذه الأرض، من هذه الإهانة؟!!
ألم يحِن الوقت لأن يتحرّك "قداسة" البابا وينتفض، ألم يهتزّ "كرسيّه" إزاء ما يحدث.. ألا تعتقدون أنّ على الڤاتيكان واجب حماية المقدّسات والأوقاف والحفاظ على بقائنا في أرضنا؛ أم أنّه يستكفي – كما عوّدنا – باستنكار "متسامح" وشجب "مُتخاذل"..! وأنا، طبعًا، أستبعد ذلك (أن ينتفض)؛ لأنّ أمورًا أصعب عاناها شعبنا الفِلَسطينيّ لم تحرّك لدى "قداسته"، و"قداسة" غيره، ساكنًا(!).
فإن لم تستطِع دولة إسرائيل – أو لم تكن مهتمّة – بمؤسّساتها الحكوميّة والاستخباراتيّة والأمنيّة "حماية" الأوقاف وأماكن العبادة والمؤسّسات الدينيّة المسيحيّة والإسلاميّة في البلاد، عملًا بمبدأ احترام الأديان والحفاظ على حريّة العبادة؛ وإن لم ينجح كذلك رجال الدين (المسيحيّون والمسلمون)، من أصغرهم إلى أكبرهم، في الحفاظ على ما يجب الحفاظ عليه؛ فهناك حاجة ملحّة إلى التفكير مليًّا في وضع حراسة خاصّة على أماكن العبادة والأماكن الدينيّة – ليس من منطلق دينيّ، فقط – حفاظًا على أهميّة وجودها في هذه الأرض، تاريخيّـًا أيضًا، والعمل على ردع المأفونين للكفّ عن تحقيرنا وإهانتنا!! فعلى صاحب الكرم واجب حراسة كرمه..!
هذا، لا ولم يتوقّف الاعتداء الإرهابيّ الفاشيّ على دير "اللّطرون"؛ فقد نال هذا التّطاول من المقبرة المسيحيّة في بئر السبع، كنيسة "المخلّص" في مدينة عكّا، ووصل حدّ التهديد بالاعتداء جسديّـًا على عدد من الكهنة الحيفاويّين وغيرهم، وبالتّلويح بإحراق وتخريب عدد آخر من الكنائس، أيضًا. كلّ ذلك وسط صمت من قبل رجال الدّين المسيحيّين والمسلمين..!!
كما أنّ الاعتداءات والتحقيرات لم تقتصر على أماكن العبادة المسيحيّة فقط؛ فمؤخّرًا، أقاموا معرضًا للخمور في باحة المسجد في بئر السّبع، لم يرَ فيه المنظّمون مسًّا لقدسيّة المسجد(!).. وبهذه المناسبة أذكّر بمُلقي الغائط داخل مسجد "الاستقلال" في حيفا، وغيرها من أعمال الاعتداء المتكرّرة، والّتي – في غالبيّتها – لم يتمّ القبض على العنصريّين المعتدين.. لتبقى القضيّة مجرّد زوبعة في فنجان(!).
حتّامَ سيظهر الرّاهب فلان والكاهن علّان أمام شاشات التّلفاز، بصورة من "يَستغفر" و"يستسمح" و"يَعتذر".. ويطلب الحماية؟! أليس من المنطق أن يصرخ هذا الراهب بأعلى صوته، وأن يتظاهر ذاك الكاهن؛ للرّد على هذه الاعتداءات؟!
أمام هذا الإرهاب، وفي ظلّ الاعتداءات العنصريّة الفاشيّة اللّا-أخلاقيّة، علينا أن نقف معًا، وقفةً جادّة، وقفة رجل واحد، عَلمانيّين، مسيحيّين ومسلمين ورجال دين، للحفاظ على المقدّسات والأوقاف، وأساسًا، للحفاظ على كرامتنا ووجودنا فوق أرضنا، على كرامة البشر وتاريخ الحجر؛ فالاستنكار والشجب لا يجديان نفعًا.
في ظلّ تخاذل وتهاون واضِحَيْن من قبل شرطة إسرائيل وأمنها، و"تخاذل" وصمت غالبيّة الرهبان والكهنة والمطارنة والمشايخ، وسُبات المجتمع العربيّ.. سنشهد لدى شروق كلّ شمس أو غروبها اعتداءات إرهابيّة مُشابهة على البشر أيضًا، وليس على الحجر فقط، ما دُمنا نَرهب حتّى الردّ (القانونيّ والسلميّ) على هذا التّرهيب!
(حيفا)