يوم المرأة العالميّ بين الذاكرة والواقع

مراسل حيفا نت | 10/03/2019

يوم المرأة العالميّ بين الذاكرة والواقع

رقيّة عدوي: مُدّرِسة في مدرسة المتنبّي

 

قالت بأنّها وفور عودتها إلى البيت ستقوم بطهي وتحضير الطعام، فسألها عمّا تنوي تحضيره وطبخه. أجابت بأنّها ستقرّر ذلك عندما تدخل مطبخها، فتعجّب قائلًا: كيف ذلك؟! ألم تقومي بإخراج الدجاجة وتحضيرها مسبقًا… أجابته بثقة: هاي مش مشكلة! بالميكرو بمشي الحال. هي المرأة وإن أشغلت الكثير من المناصب أو المهام، فإنّها تبقى قادرة على أن تمسك زمام جميع الأمور وبدقّة متناهية، تجد الحلول، التي لا تعجزُ عن التفكير بها أو إيجادها، وإن أعجزَت الجميع من حولها. نعم هي الأُنثى؛ الأمّ، الزوجة، الابنة، الأخت، الطبيبة، المعلّمة، الأديبة، ربّة المنزل، الصديقة وربّما الحبيبة. تعدّدت المهن وتنوّعت الأدوار واختلفت المسمّيّات لتُتقِنَ المرأة وحدها جميعَ الأدوار، بحرفيّة عزّ تقليدها واختفى نظيرُها، وإن كان أعظم الأدوار هو دور الأمّ. الأُمّ التي علّمت الإنسان مبادئ النطق، كيف يرتدي ملابسه ويربط رباط الحذاء… كيف يدخل المرحاض وكيف يأكل ويشرب لوحده، كيف ينام، يقرأ، يركض، يلعب ويرسم… وربّما كيف يمكن له أن يُصبح رجلًا فيما بعد.

يوم المرأة؛ نسوةٌ عاملاتٌ خرجن من المصانع ومعامل النسيج، رفعن الصوت عاليًا مع كسرات الخبز اليابس وباقات الورد تحت شعار “خبز وورود”، إضرابٌ فمظاهرةٌ ومطالب شرعيّة ومُحِقّة، أبرزها تخفيض ساعات العمل، تحسين الأجور ووقف عمالة الأطفال وتجارة الأيدي الرقيقة الناعمة… صار اليومُ يومًا عالميًّا وعلى الأجندة وجدول الأعمال توضع المرأة كقضيّة، مع زحمة الأيّام، زخمها وتواليها تفقد تلك القضيّة أهمّيّتها وربّما مكانتها، وككلّ قضايانا الخاسرة، تصيرُ المرأة يومًا وكذلك الأمّ والحبّ. الثامن من آذار صار يأتينا مُفرَغًا من معانيه الكبيرة والعظيمة، وأبعد ما يكون عن الثوريّة أو تحقيق التغيّير الملموس في واقع المرأة عامّة والمرأة العربيّة خاصّة. إزاء يوم المرأة العالميّ؛ نقع بين مطرقة مبدأ هذا اليوم التاريخيّ-العالميّ والمطالب الشرعيّة والعادلة التي أتت به، وبين سندان مظاهر الاحتفال به والصبغة التمثيليّة-التجاريّة-الموسميّة التي تُرافق هذا اليوم وتتزامن معه. في فَلَكِ المطرقة يدُورُ أولئك الذين ينتظرون وبفارغ الصبر، الثامن من آذار، يُذكّرون بالغُبن التاريخيّ الذي لَحِقَ بالمرأة ونال من مكانتها والإجحاف بأبسط وأدنى حقوقها لقرون طويلة، الأمر الذي لا ينعكس، وللأسف الشديد، على واقع المرأة الاجتماعيّ، السياسيّ، الاقتصاديّ وربّما الإنسانيّ بشكل عمليّ-ملموس رغم كلّ هذه السنوات. أمّا فيما يتعلّق بمعظم مظاهر الاحتفال بهذا اليوم فإنّها تقتصر، وللخيبة، على وردة حمراء تذبل وتموت بعد يوم واحد، رغم أنّ المرأة نفسها رفعت الورود عاليًا في المظاهرات، تناول الوجبات السريعة التي تُعيد المرأة ولا شعوريًّا إلى المطبخ، مهنتها الأزليّة، وربّما تُتقنها عن طيب خاطر أو تمرّس أو ربّما كان ذلك ضربًا من ضروب الروتين والاعتياد. بين المطرقة والسندان؛ تبقى المرأة وحيدةً، تُمارس نضالها الأبديّ، الصبر والقتال، بينما نحن نقوم باقتباس الكثير من الشعارات الرنّانة والعبارات الأفلاطونيّة-الرومانسيّة عن المرأة ومكانتها في المجتمع، وربّما عن الأمّ كذلك، تلك التي تمتلك قدرة هائلة تجعل منها قادرة على أن تهزّ المهد بيمينها لتقوم بعد ذلك بهزّ العالَم بيسارها. في مجتمعنا، قد تبدو تلك الأمّ/المرأة أعجز من أنْ تُحرّك شيئًا في واقعها، إن لم تكتشف مكامن القوّة في داخلها وتُقاتِل حتّى الرمق الأخير، فنحن في بلاد الأزمات الكثيرة وبكلّ المستويات والمفاهيم. ويتزامن الربيع مع يوم المرأة العالميّ، ويأتي يوم الأُمّ ليُتَوِّجَ الربيع ويُتوِّجُ الربيعُ رونقه بالأمّ.

في يوم المرأة العالميّ لا بدّ لنا من استحضار كلّ النساء المُغيّبات، المنسيّات، المهمّشات، المرتجفات، الخائفات، الوحيدات، المكسورات، الضائعات، الباكيات، الموجوعات، المقتولات، الأمِيّات اللاتي يُعلّمنّ الجميع كلّ شيء، كلّ شيء، الساهرات، القلقات والأسيرات لكلّ شيء تحت زرقة السماء وفوق ربيع الأرض. تتسّعُ هذه القائمة كذلك لكلّ ما في جعبة اللغة من مفردات مُتعبة تحْتَمِلُ الألف والتاء وتلحقُ بها نون النسوة المُثقَلَةِ بالقهر في واقع ذكوريّ مقيت. نعم لاستحضار ثورة الثامن من آذار المجيدة والحِراك المُحقّ الذي أفضى لإفساح المجال للمرأة بأن تخوض غمار تحدّيات عملاقة وعظيمة، الشرارة كانت من نساء رياديّات وأخر عاديّات لم تكتب عنهنّ الصحف يومًا ولا التقطتهنّ عدسات الكاميرات، وربّما لم يكن بمقدور قسم منهنّ فكّ الخطّ أو قراءة الكلمات، نساءٌ غائبات ومُغيَّبات تركن أثرًا رغم كل الأزمات. معهنّ نستحضر كلّ النساء وبلا استثناء؛ لا سيّما اللاتي لا يعرفن شيئًا عن يوم المرأة، يبصقن على الواقع، يشتمن أشياء ما في السرّ ويصمتن. قد يتساءلن، لماذا لا يكونُ العام كلّه هو الثامن من آذار، رغم أنّهنّ لا يعرفن من التقويم وروزنامة الأيّام سوى بداية مربعانيّة الشتاء ونهاية خمسينيّة الصيف وربّما حسبهما تُضبَطُ مواعيد دواء السكّريّ وإنجاب الأطفال.

نحن اليوم أحوج ما نكون، وككلّ عام ومناسبة، لإعادة تصميم الفكر والتفكير في مجتمعنا وذلك لتصحيح مسار الثامن من آذار ونقله من ممارسة طقوسيّة-احتفاليّة إلى تفكير أيديولوجيّ-عمليّ، تفكير يعمل بدوره على غرس بذرة التغيّير والمساواة في المجتمع، علاوة على التعامل مع المرأة على أساس إنسانيّ بحت، لا وفقًا للاختلافات البيولوجيّة بينها وبين الرجل.

كلّ ساعة ويوم وعام وأنتِ أيّتها المرأة صاحبة القضيّة العادلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *