بجهود رؤساء الكنائس في حيفا وبالتعاون مع رئيسة البلدية متحف حيفا يزيل معروضاته المسيئة للمسيحيين

مراسل حيفا نت | 17/01/2019

بجهود رؤساء الكنائس في حيفا وبالتعاون مع رئيسة البلدية

متحف حيفا يزيل معروضاته المسيئة للمسيحيين

نايف خوري

عرض متحف حيفا مجموعة من الأعمال الفنية التي أثارت استياء وشجب المواطنين، نظرًا لأنها تمسّ قدسيّة السيّد المسيح والعذراء مريم. وتتمثّل هذه المعروضات بشخص السيّد المسيح مصلوبًا بثياب مهرّج، بعنوان “ماك يسوع” كالدّمية التي يتم توزيعها للأطفال في ماكدونالدز، وكذلك شخص مريم العذراء بهيئة دمية “باربي”، أو سيدة عارية تتسوق. لم يلحظ أحد من الجمهور وجود هذه المعروضات التي كان يشاهدها من يشاء منذ عدة أشهر، حتى زار أحد الأشخاص هذا المتحف وتكشّفت له هذه المعروضات، التي أشعرته بالقشعريرة والامتعاض، وبالخزي والعار، كما قال، لأن متحف حيفا البلدي يعرض هذه الأعمال دون مراعاة لمشاعر المواطنين المسيحيين والمسلمين في المدينة، والتي يعيش أهلها بتفاهم وتآلف مع سائر المواطنين. وهكذا شاع النبأ وانتشر انتشار النار في الهشيم، وأخذ المواطنون يتجمهرون ويحتشدون أمام المتحف مطالبين بإزالة المعروضات وإقفال هذا المعرض المسيء للمشاعر والرموز الدينية المقدسة.

وانهالت بيانات الشجب والاستنكار من رجال الإكليروس المسيحيين من كافة الكنائس والطوائف، ومن أعلى الدرجات الكهنوتية، وكذلك من سائر رجال الدين المسلمين والشيوخ الذين استفزتهم هذه المعروضات.

وفي يومي الخميس والجمعة الفائتين حاولت الشرطة تفريق المحتشدين أمام المتحف، وقد حملوا لافتات تندد بالمعرض والمتحف وتطالب البلدية والمسؤولين بضرورة إزالتها، حتى أن وزيرة الثقافة، وعلى غير عادتها، بعثت برسالة إلى مدير المتحف ورئيسة البلدية تطالب فيها بإزالة المعروضات المسيئة. وكانت نتيجة محاولة تفريق المتظاهرين اعتقال الشابين موران جاك  يعقوب وباسم أديب لوباط، ووجهت الشرطة إليهما تهمة ممارسة أعمال عنف وضرب شرطي بالصليب الخشبي، وإغلاق الشارع الرئيسي شبتاي ليفي، والقيام بأعمال شغب. ووجهت الشرطة إلى لوباط تهمة القيام بأعمال شغب وعنف وتهديد شرطيّة بالقتل. وفي اليوم التالي، طلبت الشرطة من المحكمة تمديد اعتقالهما لعدة أيام، على ذمة التحقيق. وكان في قاعة المحكمة عدد من المحامين، فتقدّم المحامي حمودي مصري لمناقشة ممثل النيابة والشرطة، وأطلع القاضية على حيثيات الواقعة. فقررت المحكمة إبعاد الشابين عن حيفا لعدة أيام حتى تنجز الشرطة تحقيقاتها.

ويقول المحامي حمودي مصري إن هذه القضية حسّاسة جدًا، ولو استدعى الأمر تصعيدًا قضائيًا كنا سنبلغ المحكمة العليا بسهولة. علمًا أن المعروضات أثارت استياء الجميع، بغض النظر عن كون المعروضات مسيئة للرموز المسيحية أو الإسلامية، وبغض النظر عن الأقوال التي سمعت بأن المعروضات تأتي كحرّية التعبير، غير أنها تسبب الإهانة للجميع، والديانات لا تسمح بالاستهتار بالرموز الدينية بتاتًا. وأضاف يقول، لو تصرف المتحف والبلدية بحكمة وأزال المعروضات لكان أفضل للجميع، وتنتهي هذه القضية، خاصة أن الاتصالات المكثفة أجريت على الفور بين رجال الدين برئاسة الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى، وبين ممثلين عن رئاسة البلدية، ولم تثمر هذه الاتصالات عن أي قرار سوى متابعة القضية.

يضيف المحامي مصري قوله، بما أني تدخّلت شخصيا بالقضية، فإني ألاحظ أن رئيسة البلدية لا تريد أن ترضخ لمطالب الجمهور بإزالة المعروضات، وإيقاف عملية المسّ بمشاعر المسيحيين. لأنها قالت في سياق متّصل، إنها إذا تنازلت ورضخت للمطالب فإنها سترضخ لمطالب أخرى قد تأتي في المستقبل. ومن ناحية أخرى تكثفت الاتصالات مع البلدية، وتبيّن أنه من المقرر إغلاق المعرض بعد نحو أسبوعين، ولكن رئيسة البلدية قد توافق على إغلاقه بعد أسبوع فقط، وبذلك لا تريد أن تبدو قد استجابت ورضخت لمطالب الجمهور ورجال الدين.

بيان مجلس الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة

وأصدر مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة بيانا جاء فيه: “أثار معرض في متحف حيفا غضب الكثيرين، من مسيحيين وغير مسيحيين، بسبب معروضات تقدّم السيّد المسيح بصورة مسيئة. إننا نستهجن مثل هذا التصرّف تجاه أكبر رمز للديانة المسيحية من مؤسّسة التي تهدف خدمة جميع المواطنين!

إننا إذ نعبّر عن احترامنا لحرّية التعبير، وفهمنا بأن المعرض المذكور يهدف إلى نقد المجتمع الاستهلاكي، ونحن مع مثل هذا النقد، إلا أن الاستخدام المسيء لأعظم حقائق ديانتنا المسيحية التي تعرّض لها المعرض المذكور هو أمر خاطئ وغير مقبول، ويمسّ مشاعر الكثيرين من مسيحيين وغير مسيحيين”.

واختتم البيان بالقول: “إننا نرى في بلدية حيفا المسؤول الأول عن المعرض وبالتالي، فإننا نطالبها بإزالة المعروضات المسيئة، خاصة وأن البلدية تشدّد على أهمية العيش المشترك بين جميع المكوّنات القومية والعرقية والدينية في المدينة، ونأمل من البلدية أن تتصرف بمسؤولية وحكمة لحلّ هذا الإشكال.

كما أننا نبذل جهودًا من أجل التوصّل إلى حلّ يضمن احترام الرموز الدينية، ونناشد الجميع التحلّي بروح المحبة التي علّمنا إياها السيّد المسيح، سواء بتعاملنا مع هذه القضية كما مع سائر القضايا التي تواجهنا في جميع الميادين”.

بيان سيادة المطران عطا الله حنا

وأصدر سيادة المطران عطا الله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس بيانا قال فيه: “إننا نوجّه تحيتنا القلبية للآباء الكهنة الأجلاء ومن مختلف الكنائس في مدينة حيفا، ومعهم الحراك الشبابي المناهض للرّسوم والتماثيل والشعارات المسيئة للسيّد المسيح ولأمّه البتول، حيث شارك في هذه الاعتصامات والتظاهرات السلمية عدد من شباب حيفا، مسيحيين ومسلمين، مؤكّدين رفضهم لهذا التطاول، ولهذه الإساءة بحقّ أهم رمز ديني مسيحي ألا وهو الصليب المقدس”.

وأضاف: “نكرر مطالبتنا بإزالة هذه الرسومات والمجسّمات، وهذه التماثيل بسرعة، قبل أن تتفاقم وتتطور الأمور، ولذا يجب التصدّي لهذه الظاهرة بكافة الطرق السلمية والقانونية، لكي لا تتكرر مستقبلا. لأن الصمت والضعف والتخاذل والتردّد أمام هذه الظاهرة، قد يكون سببًا من أسباب إعادة نشر رسومات مسيئة مماثلة، بحقّ الديانة المسيحية أو غيرها من الديانات، في هذه البقعة المقدسة من العالم”.

وأكّد سيادة المطران عطا الله حنا في بيانه: “لا يمكننا ككنائس مسيحية في هذه الأرض المقدسة، ولا يمكننا أيضا كمسيحيين فلسطينيين أن نقبل بهذه الإساءات، والتي يبرّرها البعض بالديمقراطية والبعض الاخر يبرّرها بحرّية التعبير. ذلك لأنني أعتقد بأن الديمقراطية وحرّية التعبير لا تسمح لأحد، ولا يجوز أن تسمح لأحد بأن يسيء للرموز الدينية، التي يقدّسها المؤمنون في الديانات التوحيدية الثلاث في هذه الأرض المقدسة.

وفي الوقت الذي فيه نرفض هذه الرسومات والمجسّمات المسيئة للعقيدة المسيحية، فإننا نرفض أيضا أي عمل يطال عراقة الحضور المسيحي في هذه الأرض المقدسة. فالإساءة للرموز الدينية أمر مرفوض، كما أن سرقة أوقافنا ومقدّساتنا أمر مرفوض أيضا، ويجب أن نستنكره جميعًا انطلاقًا من قيمنا الروحية وانتمائنا الوطني الأصيل في هذه الأرض المقدسة”.

وخلص سيادته إلى القول: “إن أولئك الذين صلبوه وعذّبوه وأهانوه لم يتمكنوا من النيل من مكانته، وأولئك الذين يسيئون للرموز الدينية المسيحية، مهما أساءوا إليها وسعوا إلى تشويهها فلن يتمكنوا من تحقيق مآربهم وأهدافهم الخبيثة، فالمسيحية ستبقى ديانة المحبة كمعلّمها وسيّدها ومخلّصها. فلا تخافوا يا ابناءنا إذا ما شاهدتم من يتطاولون على دينكم وعقائدكم هنا وهناك، فهذا لن يزيدنا إلا تمسّكًا بإيماننا المسيحي، وحضورنا العريق في هذه الأرض المقدسة”.

ووجّه سيادته كلمة إلى شباب حيفا قائلا: ” نحيّي شباب حيفا الذين أسمعوا صوتهم وبعثوا رسالتهم إلى سائر أرجاء العالم، ونتمنى أن يصل هذا الصوت إلى كل مكان. وأقول للمسيحيين في ديارنا أحبّوا بعضكم بعضًا، وأقول لأبناء شعبنا الفلسطيني بأنه من واجبنا جميعًا أن نعمل من أجل تكريس قيم العيش المشترك، والتسامح الديني والوحدة الإنسانية والوطنية في مجتمعنا، فهؤلاء الذين يسيئون للمسيحية يسيئون أيضا للإسلام، كما أننا نقولها وبصريح العبارة بأننا نرفض أية إساءة بحقّ الديانة اليهودية أيضا. ونتمنى أن يقوم المسؤولون في مدينة حيفا بإزالة هذه الرسومات فورًا والرضوخ لرغبة شبابنا هناك، وكذلك لرغبة الآباء الكهنة، ومن كل الكنائس الذين يتعاونون معًا وسويةً من أجل معالجة هذه الظاهرة غير المقبولة، وغير المبرّرة، والتي تتناقض مع كل القيم الديمقراطية، كما أنها تتنافى مع مبادئ حرّية التعبير التي نحترمها جميعًا”.

بيان رئيسة البلدية

وأصدرت رئيسة البلدية بيانا جاء فيه: “بالاتفاق مع رؤساء الكنائس في مدينة حيفا، ومع اقتراب انتهاء التعاقد حول تمثال “ماك يسوع” في الأيام القادمة، سيتم إنزال هذا التمثال قريبًا جدًا، بينما تكون باقي المعروضات في غرفة مغلقة”. وأضاف البيان: “إذ نحن نؤمن وبدون أية صلة أو علاقة لذلك، بحرّية التعبير عن الرأي كحجر أساس للديمقراطية، فإننا نعبّر عن أسفنا لما مرّت به الطائفة المسيحية من معاناة نفسية إزاء ذلك. وأسفنا أيضا لأعمال العنف التي حصلت في أعقابها”.

واختتم البيان بالقول: “نقدّم جزيل الشكر للكهنة ولرؤساء الكنائس المسيحية في حيفا على لغة الحوار وإدارته، وعلى الرغبة الصادقة في التجسير وإيجاد الحلول، وعلى الجهود التي بذلت كي نصل معًا إلى حلول تجنبًا لأي من مظاهر العنف”.

بيان رؤساء الكنائس المسيحية في حيفا

وفي هذا السياق، عُقد يوم الاثنين الفائت، اجتماع بين رؤساء الكنائس المسيحية في حيفا ورئيسة بلديّة حيفا، في مكتب رعيّة مار الياس للروم الملكيين الكاثوليك. للتباحث في أزمة المعروضات المسيئة للسيّد المسيح ولمريم العذراء. بحضور: الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى، الإيكونيموس ديمتريوس سمرا، الأب يوسف يعقوب، الأب عبدو عبدو، القس الكنن حاتم شحادة، الأب ديراير هوفاكميان والأب مكاريوس جريس، وعدد من المحامين. وتركز الاجتماع بالمطالبة الشديدة بإزالة المجسّمات المسيئة والمشينة للرموز الدينية فورًا، والتي مسّت مشاعر المسيحيين جميعا.

وجاء في البيان: “توصّلنا لحلّ وسطي كما يلي: إزالة الصليب نهائيا وتعليق الصور الأخرى في غرفة مغلقة في المتحف”.

ومما جاء في البيان أيضا: “إننا كرؤساء للكنائس في حيفا، نعبّر عن شكرنا لما قامت به رئيسة البلدية من جهد لإنهاء المشكلة، على الرغم من الصعوبات القضائية، وهي عبّرت منذ اللحظة الأولى للاجتماع عن مشاعرها واحترامها للمجتمع المسيحي في حيفا، وأنها ترفض رفضًا قاطعًا الإساءة لأي دين كان. إننا ندعو الجميع وبخاصة شبابنا الأبطال إلى قبول هذا الحل وإنهاء كل مظاهر الاعتصامات والمظاهرات، التي قد يستغلّها “البعض” لأهداف سياسية وحزبية وانتخابية وحتى مسيحية”.

خيمة اعتصام

وتوالت الاجتماعات والوقفات الاحتجاجية أمام المتحف، حتى أن السيد نقولا عبدو، المعروف باسم أبو الزوز، أقام خيمة اعتصام أمام المتحف، وأعلن إضرابا مفتوحا حتى يتم إزالة المجسّمات المشينة. وانضمّ إليه عدد من الشباب تأييدًا وتضامنًا. وأقيمت قبل يومين أمسية صلوات وإيقاد شموع، رتّل فيها كل من المرنّم كايد عبود والمرنم طوني باسيلا تراتيل التمجيد ليسوع المسيح وأمه البتول مريم العذراء، كما رافق الترنيم الأستاذ الموسيقي ألبير بلان.

ختام وانتصار

ودعا المحامي رفيق خوري من عبلين وعدد من شباب الاعتصام الغيورين إلى وقفة انتصار وشكر وإعلان انتهاء الأزمة وفكّ الاعتصام يوم أمس الخميس في ساحة كنيسة مار إلياس، بحضور مئات المشاركين من حيفا ومدن وقرى الشمال، وألقيت فيها الكلمات المؤثرة، للأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى ونايف خوري ورفيق خوري، ثم تليت الصلوات المعبّرة، والترانيم والأناشيد التي قدّمها الفنان حنا خرمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *