شجرة الميلاد!

مراسل حيفا نت | 16/12/2018

شجرة الميلاد!

د. منعم حدّاد

أصبحت شجرة الميلاد في أيامنا جزءاً رئيسياً من مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد المجيد لدى الطوائف المسيحية المختلفة، ويأتي المحتفلون بالعيد بأشجار طبيعية أو بأشجار بلاستيكية من أنواع وأشكال عديدة، ويزينونها بأحلى وأغلى الزينات، وقلّما يخلو منها بيت من البيوت المحتفلة بالعيد.

ويفسّرون رمز شجرة الميلاد على عدّة وجوه وتفسيرات، وكلها مجرد تخمينات وافتراضات ومحاولات يصعب أحياناً إثباتها وتقديم البراهين والأدلة عليها.

ويرى البعض أن لا قيمة للحقيقة التاريخية حول أصل شجرة الميلاد، والأهم هو ما ترمز إليه الشجرة في عرف المحتفين بها.

* * *

ويحكى أنّه في ليلة الميلاد المجيد، ظهر الملاك للرعاة في بيت لحم وبشرّهم بميلاد السيد المسيح، و”أضاء مجد الرّبّ”، وأصابهم خوف شديد، فهدّأ الملاك من روعهم، وطمأنهم قائلاً: “لا تخافوا، ها أنا أبشّركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب… وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله ومرتلين معهم ومع المسكونة كلها: “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة”!

وانتشر الخبر من بيت لحم إلى أرجاء المسكونة…

“ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودوس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود، فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له، فلما سمع هيرودوس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه…”

ولما علم هيرودوس بالأمر جنّ جنونه و”دعا المجوس سرّاً…” وطلب منهم أن يخبروه عن مكان وجود الطفل زاعماً أنّه يريد أن يسجد له، بينما كان يضمر له الشرّ!

وبعد أن سجد المجوس للطفل يسوع، وقدّموا له هداياهم من ذهب ولبان ومرّ، ممهدين السبيل لتقديم الهدايا للطفل المولود، “أوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودوس…” لأنّه “مزمع أن يطلب الصبيّ ليهلكه”.

* * *

وراحت الأشجار القريبة من المغارة التي ولد فيها يسوع تتسابق وبفرح عظيم في تقديم الهدايا من ثمارها للطفل المولود ، رغم أن الموسم كان شتاء والثمار نادرة جدّاً!

وسجدت أشجار الفاكهة أمام الطفل المولود وقامت بتقديم بعض ما تبقى عليها من موسم مضى معتذرة عن ضيق ذات اليد…

وباهاها وفاخرها خّروب اليهودية وسنديان الجليل وزيتون شكّيم وحمضيات يافا وغار القدس، فضفرت هذه الأشجار من أوراقها الدائمة الخضرة ومن أغصانها اللدنة الأكاليل والتيجان لتطوّق بها هام الطفل المولود، متمنية له “المستقبل الزاهر”.

وبحثت إحدى الشجيرات عن هدية لتقدمها للطفل المولود، فلم تجد شيئاً، فلا أوراق خضراء ولا بقايا ثمار ولا ما يمكن تقديمه في مناسبة سعيدة كهذه.

فخيِّل وكأنّه أصاب هذه الشجيرة اكتئاب عظيم وحزن شديد، وتمنّت لو لم تنبت وتكبر وتترعرع، وشعرت أنها تكاد تبكي رغماً عنها، فها قد اغرورقت عيناها بالدموع، وسالت العبرات على خدّيها…

ورآها بعض الرعاة فقالوا إن هذه بقايا نقط المطر الذي انهمر يوم أمس ما زالت عالقة على الشجيرة ولم تجّفّ بعد.

وقال رعاة آخرون بل إنها قطرات الندى الذي كسا الأرض والبشر والشجر والحجر.

وقال آخرون بل إنها دموع، دموع صادقة مخلصة حارة فَرِحَة جذلى بهذا الحدث العظيم.

ورآها ملاك من السماء وهي في هذا الحال فمرّ بمسحة ملائكية عليها فتحولت القطرات في طرفة عين إلى قطع من الماس النقي الصافي مثله مثل النجوم المتلألئة على أغصان الشجيرة!

ورأى ذلك المنظر جمع من الجند السماوي، فأسرع إلى الشجيرة وحملها من مكانها برفق وتؤدة ونقلها إلى مدخل المغارة حيث كان الطفل المولود…

وكانت هذه شجرة الميلاد الأولى…

* * *

ولا يرضى الأوروبيون بهذه الحكاية عن شجرة الميلاد الأولى، ويستكثرون ذلك علينا نحن الشرقيين كما يبدو، فبعد أن جعلوا الدين المسيحي ديناً غربياً وحضارته حضارة غربية حتى أنه لم يبق فيها تقريباً شيء شرقيّ “غرّبوا” شجرة الميلاد أيضاً…

وتحكى إحدى الحكايات الأوروبية أن أصل شجرة الميلاد أوروبي وتنسبه إلى المصلح الديني المعروف مارتن لوثر.

وتقول الحكاية إن مارتن لوثر كان مساء عيد الميلاد عائداً إلى منزله عن طريق إحدى الغابات، وكانت السماء صافية جرداء لا غيوم فيها، مزدانة بنجوم الليل المتلألئة، وتوقف مارتن لوثر فجأة، ونظر إلى السماء في لحظة تجلّ وتأمّل، فشعر وكأنه يتنسم رائحة بخور مقدّس، ويصغي إلى وشوشات ريح سماوية تنبعث من بين أغصان الصنوبر العالي وكأنه صادرة عن ترانيم أجواق من المصلين، وتراءت له وكأن آلاف الكواكب قد هبطت من السماء واستقرّت على الأغصان.

فقام مارتن لوثر عند ذلك بقطع شجيرة صغيرة وحملها إلى بيته، وفي البيت قام بتزيينها بشموع صغيرة مثبتة على الشجيرة في أوان معدنية لينقل بذلك تجربته وأحاسيسه التي مرّ بها وأحسّها في الغابة لأطفاله.

وهكذا أصبح تزيين شجيرة صغيرة في بيت مارتن لوثر تقليداً سنوياً يقومون به عشية عيد الميلاد من كل عام.

وبمرور الزمن انتشر خبر الشجيرة المزينة في بيت مارتن لوثر وراح الناس الكثيرون يحاكونه في ما قام به، فيأتون بالشجيرات الصغيرة ويزينونها بالشموع والأنوار والزينات المختلفة، حتى أصبحت شجرة الميلاد تقليداً سنوياً يحتفل به مئات الملايين في شتى أرجاء العالم.

unnamed-4-8-221x300

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *