روضة غنايم: عائلة مدوّر من مدينة أميون بلبنان إلى مدينة حيفا

مراسل حيفا نت | 10/02/2018

حيفا في ناعورة الزمان\حاراتٌ، بيوتٌ،وناس (25)
روضة غنايم مصوّرة، باحثة، وكاتبة في المجال التوثيقيّ – حيفا

روضة غنايم: عائلة مدوّر من مدينة أميون بلبنان إلى مدينة حيفا
مقدّمة
القرّاء والقارئات الأعزّاء، في بداية مقالتي أودّ إعلامكم\نّ أنّني مع هذه العدد أكون قد قدّمت لكم\نّ خمسة وعشرين مقالاً في زاويتي الأسبوعيّة “حيفا في ناعورة الزمان \ حاراتٌ، بيوتٌ، وناس”وهي الأخيرة.وعليه سأجمّد كتابتي في صحيفة “حيفا”مدّة ما.حيث بات يتطلّب الأمر منّي تكريس جلّ وقتي لكتابة كتابي الذي سيشمل فصولًا موسّعة عن التاريخ، البيوت،والناس في حارات حيفا، وقد كنت في المقالات التي نشرتها في الصحيفة أطلعتكم\نّ على بعض ممّا سيُنشر في الكتاب.
خلال كتابتي أتيت بروايات شفويّة فرديّة، تتعلّق بذكريات الناس المخزّنة في جواريرالذاكرة. فالرواية الشفويّة تُعدّ مصدرًا هامًّا وحيويًّا للتاريخ والذاكرة الجمعيّة. وممّا يجدر ذكره أنّ الرواية الشفويّة تُضيف إلى كتابة التاريخ أبعادًا إنسانيّة. فإذا لم تُروَ تبقى منسيّة مُهمّشة. والرواية الشفويّة مصدرهامّ للمؤرّخين والباحثين.فرواية الناس العاديّين لا تقلّ أهمّيّة في صُنع التاريخ وكتابته عن جهد النُّخب التي كتبت التاريخ وعلّمتنا إيّاه. فهذا الدمج بين الرواية الشفويّة وكتابة المؤرّخين يخلق توازنًا.وفي هذه المقالة سأستحضر عائلة مدوّر التي أصلها من مدينة أميون بلبنان وسكنت مدينة حيفا قبل قرون.
1 (13)
نبذة عن عائلة مدوّر
يعود أوّل ذكرلآل المدوّر في التاريخ إلى عام 1722، حيث ورد اسم الخوري زكريّا المدوّر الأرثوذكسي من بلدة أميون بالكورة وهي مدينة لبنانيّة، لمناسبة انتمائه إلى الكنيسة الكاثوليكيّة، وذلك تحت تأثيرالإرساليّات الكاثوليكيّة التي بدأت تعمل في الشرق بين الطوائف المنفصلة عن روما، تحديدًا في مدينة أميون حيث تحوّلت إلى الكثلكة عائلتا المدوّر وقطّان، وأصبح من المتعذّرعليهما الاستمرار في العيش بين الإخوة الأرثوذكس لسبب الاضطهاد الذي تعرّضت له غيرهما من العائلات التي تحوّلت إلى الكنيسة الكاثوليكيّة، ومنها آل زينيّة من طرابلس وآل دقي من حلب؛ فانتقلوا إلى المِنطقة المارونيّة من كسروان معقل آل الخازن. ساعد آل الخازن هؤلاء الروم الملكيّين الكاثوليك على الاستيطان في قرية ذوق مكايل في جبل لبنان، وعلى إعادة ترميم كنيسة لطائفتهم كانت موجودة هناك على اسم القدّيس جاورجيوس سنة 1723. ثمّ انتقلوا إلى الكنيسة المارونيّة ولا يزالون هناك.وانطلاقًا من أوائل القرن التاسع عشر، أي حوالي عام 1800،انتقل من ذوق مكايل إلى بيروت يوسف بن مرعي المدوّر، الجدّالأكبر لعائلة المطران مدوّر المتزوّج بنستازيا سلموني.

إيمي موريس مدوّر
تعرّفت إلى عائلة مدوّر قبل عام، وذلك من خلال لقاءاتي مع السيّدة إيمي مدوّرالتي تسكن في شارع عبّاس 36.
وُلدت السيّدة إيمي موريس بشارة مدوّر يوم 19.12.1940في مدينة حيفا،في مستشفى “مولادا” الذي كان يقع في مركَز الكرمل، ومازال مبناه قائمًا، لكن يُستخدم لغرض آخر.إيمي اسم فرنسي،ويعني “محبوبة”. تقول إيمي إنّ عائلتها تأثّرت باللغة الفرنسيّة كثيرًا، لذلك أطلقت أسماء فرنسيّة على أفراد العائلة.
أنهت إيمي دراستها الابتدائيّة والثانويّة في مدرسة “راهبات الناصرة” في حيّ عبّاس عام 1957، وحصلت على شهادة التوجيهي لجامعة لندن(جي. سي. إي.GCE)،وتعلّمت الطباعة في كلّيّة “همعليه” في شارع بلفور بحيفا. كما تعلّمت اللغة العبريّة في معهد تعليم اللغة العبريّة في “بيت إردشتاين” في شارع المخلّص (يُسمّى، اليوم، ي. ل.ﭘـيريتس).
بدأت إيمي تعمل في سنّ الثامنة عشرة في القنصليّة الأمريكيّة بحيفا. وبعد إغلاق القنصليّة عام 1963انتقلت للعمل في القنصليّة نفسها في تل أبيب، وبقيت تعمل هناك حتّى أُحيلت إلى التقاعد عام 2004.تُتقن إيمي ثماني لغات: العربيّة، العبريّة، الفرنسيّة، الإنـﭽـليزيّة، الإسبانيّة، الإيطاليّة،والألمانيّة. وهي تعمل، أيضًا، في مجال الترجمة.
والدا إيميّ
الوالد موريس بشارة نصر الله يوسف مدوّر من مواليد عام 1898 في حيفا. وهو نجل بشارة مدوّروفريدة تيان مدوّر وهي من لبنان.ولأنّ بشارة كان يعمل في التلغراف والبوسطة في حيفا سكنها الزوجان، وأنجبا: ﭬـكتور، إدمود، جوزيف، ماري، توفيق، كارميلا،تشارلز، وموريس.
تعلّم موريس الابتدائيّة والثانويّة في مدرسة الفرير للبنين في حيفا. في بداية الثلاثينيّات من القرن الماضي تزوّج موريس بكلير قسطنطين مدوّر (ابنة عمّه) وأنجبا: نويل (روبير)؛ توفّي رضيعًا، مود؛ توفّيت في سنّ 12 ربيعًا نتيجة مرض سكّر الأطفال، وإيمي؛ أطال الله في عمرها.
10
بعد الزواج سافر موريس مع عائلته إلى بيروت للعمل محاسبًا في شركة المواصلات، وعادت العائلة إلى حيفا في أواخر الثلاثينيّات. عمل موريس، وقتئذٍ، محاسبًا في خطوط سكك حديد فلسطين في حيفا حتّى عام 1948.
البيت في الكولونيا الألمانيّة
اِستأجرت العائلة بيتًا في الكولونياالألمانيّة، البيت رقم 57،من العائلة الألمانيّة،أصحاب البيت الأصليّين، وهم أرتور كلوس وزوجته كلارا مادر–كلوس، اللّذان كانا منتسبين إلى المستوطنين التمبلريّين. وبعد أن سكنت عائلة مدوّر بمدّة قصيرة، طرد الإنـﭽـليزالألمان من الكولونيا الألمانيّة وذلك نتيجة اندلاع الحرب العالميّة الثانية؛ فقسم من السكان الألمان تركوا بيوتهم، ومنهم كلارا وزوجها أرتور اللذان تركا البيت مع طفلهما فالتر، ورُكّزوا في المُستعمرة الألمانيّة “بيت لحم الجليليّة” التي أُنشئت عام 1906وتقع في مرج بن عامر.
تسترجع إيمي ما روته لها والدتها عن العائلة الألمانيّةعندما تركوا البيت، قالت إيمي: “حدّثتني والدتي أنّ كلارا عندما بدأت تجمع ملابسها للرحيل كانت تبكي بحُرقة وتقول لوالدتي: “أربعين سنة نحن في البيت، والدي قام ببناء هذا البيت بتعبه وعرق جبينه،كيف يطردوننا منه؟”. كما حدّثني والدي أنّ أرتور طلب منه حماية البيت حيث كانت عائلات أخرى مستأجرة شققًا أخرى في البيت. فكان والدي يجمع كلّ شهرالإيجارات من المستأجرين ويسافر إلى”بيت لحم الجليليّة” ليوصل المال لأرتور”. وتابعت إيمي: “كان لوالد كلارا مادر بستان كبير في الكولونيا، كان يزرعه خضرة وفواكه، وكان يأتي الناس لشرائها منه مباشرة”.قد يكون موقع البستان –حسَب وصف والدَي إيمي–في شارع “لوحمي هـﭽـيتؤوت” الذي كان يُسمّى–قبل قيام الدولة–شارع مادر.
عام 1948
عام 1948 أخْلت الـ”هاغاناة” عائلة مدوّر وسكانًا آخرين من البيوت في الكولونيا الألمانيّة،وبعد بحث وجدت العائلة بيتًا في شارع عبّاس 36،واستأجروا البيت بالمفتاحية، وبعد مدّة باعت “عميدار” البيت لمحامٍ يهودي. فكانت العائلة تدفع الإيجار للمحامي حتّى استطاعت إيمي شراءه لاحقًا،بعد وفاة والديْها. هذا وتعود العمارة – في الأصل –إلى عائلة “أبوالغيدا”. وتذكر إيمي أنّهم عندما دخلوا إلى البيت وجدوا صورًا معلّقة على الجدران، ولاحقًا عرفوا أنّها تعود إلى عائلة “أبوالغيدا”.
وبعد التحوّل الجديد، أي قيام الدولة العبريّة،عمل موريس محاسبًا في ملحمة إدوارد قطران التي كانت في شارع “إلياهوهنـﭭـي” في البلدة التحتا، وعمل، أيضًا، محاسبًا في محلّات سويدان في البلد التحتا. وتُوفّي بشكل مفاجئ عام 1968على مائدة الطعام إثر تعرّضه لجلطة دماغية.
والدة إيمي،كلير قسطنطين نصر الله مدوّر، وُلدت في مدينة عكا عام 1906. أصل والدتها، جوليا بوبز، من عكا. وكان والد كلير، قسطنطين، تاجر حبوب وقنصل شرف لفرنسا في سورية الكبرى. وقد تُوفّيت كلير عام 1985.
الجدّ قسطنطين، والد كلير:
تزوّج قسطنطين بنظلة الألفا وأنجبا ولدين: شكري وقيصر. بعد وفاة نظلة تزوّج بجوليا وأنجبا: أنيس، ألين،كلير، بلانش، وجان. بقيت العائلة في عكا حتّى اندلاع الحرب العالميّة الأولى. قالت إيمي:”عندما تزوّج جدّي بجوليا كان لديه طفلان، فأحضر سيّدة من جبل لبنان اسمها مريم لتقوم بمساعدة زوجته. وبعد وفاتهما أحضرت والدتي مريم لتعيش معنا كفرد من أفراد أسرتنا، فعاشت مريم معنا حتّى توفّاهم الله في سنوات الستّين”.
نفي الجدّ قسطنطين
كانت تركيا حليفة ألمانيا في الحرب العالميّة الأولى وكانت تحارب ضدّ فرنسا.فتمّ نفي الجدّ قسطنطين إلى دمشق،كونه قنصل شرف لفرنسا،ونُفي معه، أيضًا،نجله أنيس؛حيث سُجنا هناك. وعند إطلاق سراحهما، قالت إيمي:”جدّتي جوليا ومريم وبلانش ذهبنَ لمقابلة الضابط العثماني جمال باشا، من أجل إطلاق سراح جدّي وخالي،ومع أنّه كان معروفًا أنّ جمال باشا لم يحبّ العرب استجاب لطلبهنّ، فأخرج من السجن جدّي وخالي ونُفيا مع العائلة إلى جزيرة آﭬـا في تركيا. وبعد نهاية الحرب العالميّة الأولى عاد جدّي قسطنطين إلى حيفا وسكن مع عائلته في شارع اللنبي”.
اِجتماعيّات
تقول إيمي: “كانت والدتي كلير تحبّ الموضة وتهتمّ بمظهرها الخارجي. كان عندها ماكنة خياطة، فكانت تفصّل ملابسنا، هذا ومن صديقات والدتي كانت: أليس نقّارة، فدوى قطران، جورجيت قطران، إيملي كوسا، مدام ليندا، مدام جرمان التي كانت فرنسيّة الأصل، وجارتنا أجينا أمّ حنّا الزاروبي. كنَّ يجتمعن ويلعبن معًا لعبةالورق(الشدّة)”.وعندما سألت إيمي عن خالاتها اللواتي شاهدتهنّ في الصور يرتدين ملابس جميلة تدلّ على نمط حياة برجوازي، حدّثتني:”كانت حياتهنّ عاديّة،وكنّ يرتدين هذه الملابس في المناسبات والحفلات. مثلًا خالتي إلين كانت تهوى العزف على البيانو،وكانت تمارس العزف في البيت، تزوّجت بجبرائيل خوري من حيفا، وكان زوجها يعمل مديرًا للبنك العثماني في مدينة نابلس. وخالتي بلانش تزوّجت –بفضل الله مدوّر ابن عمّها، وعاشا في القاهرة”.
العائلة كانت تصيّف في لبنان
2ا
قبل عام 1948 كانت عائلتي تسافر وتصيّف عند أقرباء لنا في بيروت. وأذكر أنّ نادية،ابنة خالتي بلانش،كانت تأتي بالقطار من مصر إلى حيفا ثمّ يسافرون في السيارة إلى بيروت.
حادثة من أيّام الحرب العالميّة الأولى
قالت إيمي:”أذكر أنّ أبي حدّثني أنّه كان يصعد مع رفاقه جبل الكرمل سيرًا على الأقدام إلى دير مار إلياس،وكانوا، أيضًا، يتسلّقون الجبل لغرض الصيد. وفي أحد الأيّام التقَوْا مجموعة شباب عسكر نمساويّين كانوا مُقبلين من الجبل يحملون في أياديهم مدافع. وكان ذلك أيّام الحرب العالميّة الأولى. فقالوا لوالدي ورفاقه: “اِنتهينا من الحرب والآن في طريقه إليكم الجنرال الإنـﭽـليزي أدموند أللنبي””.
حيّ على اسم عائلة المدوّر في بيروت
في بيروت حيّ على اسم مدوّر،وذلك نسبة إلى عائلة المدوّر. يقع الحيّ بين منطقتَيِ الكارنتينا والمرفأ،وعن قصّة تسمية الحيّ رَوَت لي إيمي: “كان الجدّ الأكبر لوالديّ،يوسف، متزّوجًا بسيّدة جميلة اسمها نستازيا، وكانا يسكنان في ذوق مكايل على الجبل في لبنان. فكان هناك شيخ معروف أحبّ زوجة يوسف لجمالها وحاول مضايقتها. فيوسف خرج من البلد إلى بيروت وهناك ذهب لمحادثة الوالي العثماني،ليشكو له ماحصل وطلب المساعدة.فمنحه الوالي قطعة أرض وبنى عليها يوسف بيتًا، وكبرت العائلة مع مرور الزمن. وهكذا مُنح حيًّا كاملًا باسم المدوّر،فأصل عائلة المدوّر من مدينة أميون الكورة بلبنان”.
حقوق المادّة والصور في المقالة محفوظة حصريًّا للكاتبة. يُمنع استعمال هذه المادّة بدون إذن خطّيّ من الكاتبة.
rawdagniam@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *