روضة غنايم : رشدي الماضي شاعرًا من وادي النسناس

مراسل حيفا نت | 12/01/2018

حيفا في ناعورة الزمان\حاراتٌ، بيوتٌ،وناس (21)
روضة غنايم مصوّرة، باحثة، وكاتبة في المجال التوثيقيّ – حيفا
رشدي الماضي شاعرًا من وادي النسناس
4 (2)
مفتاح
المفتاح لمعرفة حياة شاعر يكمن غالبًا في سطور كتاباته. وفي قصائد الشاعر رشدي الماضي نقرأ الأسطورة والميثولوجيا،حيث نسير معه من خلالها عبر الأزمنة المختلفة والتاريخ. يُدخلنا الشاعر إلى القصص التوراتية والقرآنية ناقلًا لنا من خلالها أفكاره والموضوعات التي يودّ تسليط الضوء عليها.ويدمج الشاعر في قصائده ما بين الخيال والواقع، ويخاطب قارئه وقارئته بحنكة وذكاء،حيث نسبح معه في بحر الثقافات العربية والأجنبية المحمّلة بالرموز التي تجعل القارئ ساعيًا لفكّها ومحاولًا فهم الغموض الكامن بين سطورها. حسَب رأيي وقراءتي لشعره فهو”حمّال أوجه”؛ فتستطيع أن تفسّره على مختلف الوجوه. ولا أغالي إن قلت إنّك تستطيع أن تتعرّف نصوصَ الشاعر حتّى بدون أن ترى توقيع اسمه عليها، لأنّ طريقته الشعرية مميّزة وخاصّة به.
فهكذا يكتب في قصيدته: عتبات لعودة زمن الخروج
***
هذا من لا بابٍ.. مضى
وذاك من لا نافذةٍ.. هوى
وفي وطن اللّاقيامة
حطّ الرحال
***
لم يترك أحد عند شهرزاد
سرَّهاتيك الحكاية
***
سُدّت عنّا المنافذُ
أبعدوا عن عتباتنا الصُبحَ
وعن دار فدار، هي لنا،
حجبوا الشمس نهارًا وضياء…
***
مسار مع الشاعر رشدي الماضي
تعرّفت إلى الشاعر رشدي الماضي قبل عدّة سنوات، ومن خلال زاويتي الأسبوعية في صحيفة حيفا،”حيفا في ناعورة الزمان”،أردت أن أكتب عنه وعن مسيرة حياته في وادي النسناس.
يوم ماطر
مع غزارة سقوط الأمطار التقيتُ الشاعر رشدي الماضي في أحد مقاهي مِنطقة الهدار في حيفا القريبة من مقهى روما، الذي كان يقع مقابل بريد “هنـﭭـئيم”. وهذا المقهى كان ملتقى المثقّفين العرب في سنوات الستين من القرن الماضي. وفيه، أيضًا، كتب الشاعر عددًا من قصائده. فرشدي الماضي تربطه علاقة وطيدة بأماكن خاصّة في حيفا.فهو يعايش الماضي والحاضر …
وفي يوم مُشمس التقينا مرّه أخرى وتبادلنا الحديث وبعد أن ارتشفنا القهوة ذهبنا متّجهين إلى وادي النسناس،الحيّ الذي نشأ وترعرع فيه الشاعر. عندما وصلنا أعالي درج الوادي في شارع “شـبـتاي ليـﭭـي” الموصل إلى شارع الوادي، توقّفنا لحظة وتذكّر الشاعر مشهدًا من طفولته حيث أشار إلى قارعة الرصيف قائلًا:”هنا وقفت وبعت صبرًا وتينًا عندما كنت طفلًا.”
بعد ذلك نزلنا الدرج إلى شارع الوادي،حيث كان في السابق بيت عائلته واقفًا محاذيًا للدرج. هُدم البيت في أواسط السبعينيّات من القرن الماضي،لأنّه كان آيلًا إلى السقوط. وهناعاش رشدي طفولته وصباه وترك البيت بعد زواجه بسنوات قليلة.
وعن البيت يقول رشدي: “بعد النكبة عام 1948، وما زالت صورة سيري برفقة أفراد أسرتي في شارع الوادي محفورة في الذاكرة،الذاكرة الموجعة، حيث وصلنا إلى بيت عتيق بلا أبواب خُصّص لنا بعد اقتلاعنا وتهجيرنا من بلدتنا إجزم، وكان ذلك في مِنطقة وادي النسناس المحاذية لمِنطقة الهدار. وهكذا صرنا نحدّد مكان سكننا شارع الوادي 61”.
2 (7)
صالون الحارة
وعن الجوّ الذي ساد في الحيّ بين الجيران حدّثني، قائلًا: “الصالون الأساسي الذي كان يجتمع فيه الجيران كان الحيّز خارج البيوت.لم يكن لبيوتنا آنذاك أقفال، فكانت الأبواب مفتوحة على بعضها بعضًا. فمثلًا:أمّ أنيس كانت تجلس على الشرفة وتشاهد والدتي وأمّ عزّو وأمّ صبري عندما يخرجن إلى ساحة البيت ويتبادلنَ أطراف الحديث.كان التواصل بين الجيران واللقاءات خارج حيّز البيت. وكان الجيران يعرفون كلّ شيء عن بعضهم بعضًا. وهذه العلاقات الأسريّة هيمنت على الكبار والصغار. كنّا نشعر أنّنا نعيش في أسرة كبيرة،وكان صحن الطعام واحدًا وكانت الناس تشارك بعضها بعضًا في أتراحها وأفراحها بتآخٍ تامّ.وكان ما يميّز الحيّ في تلك الفترة التكافل الاجتماعي بين الناس،فمثلًا جارنا طيّب الذكرأبو صبري(حسن زعطوط) الذي كان تاجرًا للخضرة والفواكه،كان يهتمّ بأن يوزّع على الجيران من الخضرة التي كان يجنيها من أرضه من طيرة حيفا”.
وعندما سألته عن أسماء عائلات الجيران تساقطت من ذاكرته كزهور الياسمين، قائلًا: “هذه دار حمانة، دار فرنسيس، بلّوطين، سبتي، زعطوط، طوابشة،القزق، البدوي. هنا كانت بقالة سليم الأرمني، بقالة ميشيل الجمّال، ملحمة فرج الشيتي، دكّان “عبد الجاج” عبد يونس، وعائلة الخمرة والهنادي” والكثير من الأسماء التي بقيت في ثنايا الذاكرة. وأضاف قائلًا: “أذكرفرن أبي راجح وحلويات العيد التقليدية. وقبل قدوم عيد الأضحى بأيّام كنّا نذهب ونخبز كعك العيد والخبز في الفرن، وحينها أذكر –كان منع تجوّل في حيّ وادي النسناس.. وأذكر،أيضًا، كرت الإعاشة الذي كنّا من خلاله نحصل على مؤونة البيت الشهرية من بقالة دار المطلق.”
رشدي الماضي في سطور
وُلد المربّي والشاعر رشدي الماضي في تاريخ 1.11.1944 في قرية إجزم. وفي عام 1948 عندما هُجّرت القرية ودُمّرت انتقلت العائلة إلى حيفا.
والدته رسميّة ابنة سليم بيك الأفندي كانت تمتلك بيتًا وأملاكًا وأراضيَ. ونتيجة النكبة والتهجير أصبحت مجرّدة من تلك الأملاك. ويقول رشدي عن ذلك:”كنّا نشعر بفقدانها هذا من خلال نظرات عيونها وملامح وجهها وكلامها الحارق”.
التعليم
كان همّ والدة رشدي أن توفّر لأفراد أسرتها الطعام والرعاية، وكانت تؤمن بسلاح العلم رغم أنّها كانت أمّيّة،حيث خلقت أجواء دافئة وداعمة ومشجّعة، حتّى إنّ شقيقة رشدي الكبرى، تركيّة، تعلّمت في راهبات الناصرة في زمن قلّ فيه خروج النساء من البيت وخصوصًا دخول المدارس.
عام 1950 دخل رشدي الماضي المدرسة الابتدائية – مدرسة “الأخوّة”، التي كان مديرها آنذاك المربّي حسن فرحات،وكانت تقع في شارع الكرمة، مركَز”بيت الكرمة” اليوم.
درس المرحلة الثانوية (1958-1962) في الكلّيّة الأرثوذكسيّة العربيّة في حيفا. وقد تعلّم سنتين في مقرّها الأوّل في شارع أللنبي45، فوق بقالة مسعود أبي خضرة. ثمّ أكمل دراسته في بناية المدرسة الحديثة في شارع يتسحاق ساديه. من المعلمين الذين درّسوه ذكر لي: المربّي حنّا أبو حنّا، حبيب قهوجي، جرمس دلّة، والمرّبية سلمى الماضي. وكان مدير الكلّيّة وقتئذٍ المربّي شكري الخازن.وعن مرحلة دراسته في الكلّيّة الأرثوذكسيّة العربيّة حدّثني قائلًا: “تميّزت المدرسة بجوّ من التعامل الدافئ الذي جعل طلّاب المدرسة يشعرون بأنّهم ينتمون إلى أسرة تعليميّة واحدة.”
ويستطرد قائلًا: “بناية المدرسة الأولى في شارع أللنبي أقيمت داخل بيت عربيّ قديم. فغرف الصفوف كانت غرف البيت نفسه. كانت المدرسة عبارة عن خمسة صفوف بالإضافة إلى غرف الإدارة. ورصيف شارع أللنبي كان بمثابة ساحة المدرسة.” ويتذكّر قائلًا:”تعدّدية الطلاب من شتّى البلدات العربيّة من الجليل حتّى النقب، هذا الاختلاط عزّز التواصل الاجتماعي والجِغرافي بين الناس، وكان لذلك تأثيرٌ على الجوّ الدافئ العائلي والتعامل الأخوي بين الطلاب وبين الطلاب والمعلمين. وقد برز ذلك التأثير بالنسبة إليّ شخصيًّا من خلال علاقاتي الودّيّة مع مُعلّمي الذي كان،أيضًا،شاعرًا، حبيب قهوجي؛ ومع مدير المدرسة، المربّي شكري الخازن؛ ومع المربّي الشاعرحنّا أبي حنّا، والمربّي جرمس دلّة.”
وأضاف قائلًا: “وقد كنّا نزور –بعد الدوام – كلّ واحد من المعلمين في داره ونناقش أمورًا كانت خارج نطاق مواضيع التدريس، خصوصًا المواضيع التي تمتّ إلى طبيعة وضع المواطنين العرب في حيفا والبلاد. من أولاد صفّي أذكر الـﭙـروفسور قيس فرّو والشاعر مجيد حسيسي والفنّان مارون قعبور، الذي كان مديرًا للكلّيّة الأرثوذكسيّة العربيّة فترة زمنيّة.”
عام 1968 التحق رشدي الماضي بجامعة حيفا ودرس اللغة العربية وآدابها والتاريخ. وعام 1978 حصل على الماجستير من الجامعة نفسها في موضوع اللغة العربية.
عائلة الشاعر رشدي الماضي
عام 1971 تزوّج بالمربّية إنصاف النجمي من مدينة عكا.أنجبا ولدين: شادي (محامٍ)، متزوّج بالمربّية نبال الحريري، ولهما ولدان: ثري وميه؛وربيع (مهندس) متزوّج بالمربّية خلود برغوثي، ولهما ثلاثة أولاد: لين، أمير، وسلين.
ومن الجدير بالذكرأنّ جدّ زوجته لوالدتها، سليم بيك النجمي، استضاف في بيته رئيس تونس حبيب بورقيبه، عندما نفاه الفرنسيّون من بلده.
رشدي الماضي
العمل في سلك التربية والتعليم
بعد نكسة عام 1967 واصل المربّي رشدي مسيرة العطاء من خلال التربية والتعليم، وركّز جهوده في بناء الأجيال الجديدة –بناء الإنسان.
في الأعوام 1963–1973 عمل مدرّسًا للغة العربية والتاريخ في مدرسة “الأخوّة”، ودرّس، أيضًا، في مدينة طمرة وقرية الفراديس.كما درّس في مدرسة “وادي العين” التي كانت تقع في ساحل حيفا، حيث أقيمت هذه المدرسة لتخدم أبناء المهجّرين من طيرة حيفا.ويذكر أنّ عدد طلابها حينها كان 99 طالبًا وطالبة، وكان مديرها المربّي عبدالله طوقان أبو محمّد، ودرّس فيها–إلى جانب المربّي رشدي الماضي – الأستاذ يوسف مصاروة والأستاذ إحسان بشارة.
عام 1973 كان المربّي رشدي الماضي نائبًا لمدير مدرسة “المركَز”، التي كانت تقع في شارع “هـﭽـنيم” (البساتين) رقم 7،والتي تُسمّى اليوم “المتنبي”، ومقرّها شارع المطران حجار في حيّ عبّاس.
في الأعوام 1978-1980 عمل مديرًا لمدرسة “النور” التي كانت تقع في شارع صهيون 5، وفي الأعوام 1980-2000 عمل مديرًا لمدرسة المتنبي. ليخرج عام 2000 إلى التقاعد المبكّر.
التأثيرات الثقافية على رشدي الماضي
تبلور الوعي الثقافي والسياسي للشابّ رشدي الماضي في فترة صعبة مرّ فيها المجتمع العربي في البلاد، فحتّى عام 1966 ساد البلاد نظام الحكم العسكري،وقد ناضلت الأقلّية العربية في البلاد، أيضًا، من أجل الحفاظ على وبلورة هُويّتها الثقافية. وفي هذه المرحلة لعب الحزب الشيوعي دورًا مركَزيًّا وهامًّا في التوعية الثقافية والسياسية،وقد أثّر ذلك–من خلال أدبيّات الحزب–على جيل الكتّاب والشعراء الناشئين؛فالشيوعيون أقاموا، مثلًا،المِهرجانات الثقافية والسياسية، وعن ذلك قال رشدي الماضي: “إنّ هذه المِهرجانات ساعدت كثيرًا على الخروج من دائرة الإحباط والشعور بالتهجير. وقد غرست فينا حبّ العلم والثقافة باعتبارهما السلاح الذي سنحتمي به.”
وحدّثني عن لقاء خاصّ له في تلك الفترة، وعن إحدى ذكرياته مع الدكتور ومؤرّخ القضيّة الفلسطينيّة، طيّب الذكرإميل توما، قائلًا: “كنت ألتقي المؤرّخ في شرفة بيته في الطابق الثالث في شارع عبّاس، وذلك عندما كنت مستأجرًا غرفة في الطابق الثاني من العمارة عند الأخوات المشعلاني. وأذكر الجلسات والحديث الثقافي والسياسي الشائق مع الدكتور إميل، وتناول الجبنة القبرصية مع النبيذ المعتّق.”
في أواخر الخمسينيّات بدأ رشدي الماضي كتابة الشعر، و في تلك البدايات كان ينشر قصائده في صحيفتَيِ “المرصاد” و”الأنباء”.
من مؤلّفاته وإصداراته:
“إلى أين تأخذ حيفا أيّها الفُلك”، شعر، 2017. “قصائد المدينة”، 2014.”هدهد خارج نبوءة المطر”، شعر، 2013.”مالحة في فمي الكلمات”، شعر.”تهاليل للزمن الآتي”، شعر. “عتبات لعودة زمن الخروج”، شعر.وكتاب “حديث القلم”، وهو مجموعة مقالات في الثقافة والأدب وقضايا المرأة والمجتمع. وديوان مشترك –”مشاعل في طريق الأدب”.و”نداء الجذور”، قصائد فلسطينية–كتاب مشترك.كما شارك في تحرير الكتاب الثالث والرابع والخامس من المجموعة الإبداعية”قالت لي الرياحين”، إصدار جمعية إنسان.
نشاطاته الاجتماعية والأدبية
من مؤسّسي منتدى الحوارالثقافي في جمعية لوغوس–جسر لثقافات الشعوب في عسفيا؛ عضو هيئة إدارية في مركَز مساواة؛ رئيس الهيئة الإدارية لمؤسّسة الأفق للثقافة والفنون؛ عضو إدارة صندوق حيفا الثقافي.وقد كان ناشطًا في جمعية إنسان؛وعضو إدارة في المسرح البلدي في حيفا، ومن الجدير بالذكرأنّه العربي الأول الذي يتبوّأ هذا المنصب. كما كان عضوًا في هيئة تحرير مجلة الشرق، وعضوًا في المجلس الشعبي للثقافة والفنون.
الجوائز التي حصل عليها
جائزة التفرّغ الأدبي 2005؛ جائزة شاعر الإنسانية من أكاديمية فدريكو الثاني للشعر –ناﭘـولي 2016؛ وجائزة القدس للثقافة والإبداع 2016.
ومن الجدير بالذكر أنّه يكتب الشعر والنثر أسبوعيًّا في صحيفتَي حيفا والاتّحاد.
وأخيرًا
عندما زُرنا مكان بيت العائلة في شارع الوادي رأينا طرحة عروس ترفرف على الجدار الملاصق لبيته المهدوم، وقد ذكّرنا المشهد بطرحة عروس البحر التي يتغنّى بها رشدي الماضي في شعره… وقد خصّ حيفا العروس بديوان شعريّ جديد بعُنوان “إلى أين تأخذ حيفا أيّها الفُلك”، 2017.
حقوق المادّة والصور في المقال محفوظة حصريًّا للكاتبة. يُمنع استعمال هذه المادّة بدون إذن خطّي من الكاتبة.
rawdagniam@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *