روضة غنايم: حايا توما وجداريات سراميك في حيّ وادي النسناس وبيت النعمة في حيفا

مراسل حيفا نت | 10/12/2017

حيفا في ناعورة الزمان/حاراتٌ، بيوتٌ وناس (17)
روضة غنايم مصوّرة باحثة وكاتبة في المجال التوثيقيّ – حيفا
9 (1)

روضة غنايم: حايا توما وجداريات سراميك في حيّ وادي النسناس وبيت النعمة في حيفا
حايا توما،امرأة ثائرة ومكافحة عاشت حياتها عكس التيار.اختارت أن تسير بالطريق التي اختارتها لنفسها. على الرغم من درايتها أنها تسلك طريقًا وعرة، فيها مطبات كثيرة وتحديّات كبيرة،إلا أنها ثابرت وأثبتت أنها قادرة على تجاوز تحديّات المجتمع.
تزوجت من السياسي المؤرخ د. إميل توما. في البداية رفض أهلها هذا الارتباط، حتى أنهم قاطعوها فترة زمنيّة، ومجتمعها العبري استهجن هذا الزواج..لكنها لم تتراجع عن قرارها الجريء وإرادتها الحُرّة.
حايا كانت سيّدة متعدّدة المواهب: فنانة سراميك،مُدرّبة للرقص، رسامة وكاتبة سيناريو.وكانت ناشطة سياسيًا واجتماعيًا.
لقاؤها الأول في وادي النسّناس
في عام 1949 كان”نادي الشبيبة الشيوعية” يبحث عن مدرّبة رقص. وعرفت حايا عن ذلك عن طريق صديقة لها، وبما أنها كانت تحبّ الرقص، بادرت إلى إرشاد الشبيبة، وهكذا بدأت علاقتها مع وادي النسناس. وعن قصّة تعارف حايا وإميل المميزّة قص عليّ نجلهما الفنان ميخائيل توما قائلا:”التقى والدي إميل ووالدتي حايا لأول مرة في بداية سنوات الخمسينات،عندما كانت والدتي مدرّبة رقص في نادي الشبيبة. وفي نفس البناية كانت أيضاً مكاتب صحيفة الاتحاد، حيث عمل والدي محرّرا، وبسبب ضجّة التدريبات في القاعة المجاور لغرفة عمله خرج ليحتج. لكن عندما رأى والدتي نسي احتجاجه وسأل بدهشة:من هي هذه العاصفة؟”
فمنذ ذلك اليوم خفق القلبان،وسكن الواحد في الآخر. وكان على الزمن أن يمرّ حتى أن قرر الاثنان على الرغم من الصعوبات، أن يواجها المجتمع ويرتبطان سويةً. ففي عام 1954 انتقلت حايا من سكنها في الكرمل إلى بيت إميل في شارع عباس، وعاشا حتى عام 1962، بدون إمكانية الزواج بسبب القوانين الدينية في إسرائيل، التي لا تسمح بالزواج المدني. فقط في عام 1962 أصبح بإمكانهما الزواج في موسكو. وفي عام 1956 أنجبا ابنهما ميخائيل.عاشت حايا واندمجت في المجتمع العربي المحيط بها، متخطّية صعوبات اللغة. والجدير بالذكر عندما تعرفا على بعضهما لم يتقن إميل اللغة العبرية، وكان عليهما التواصل باللغة الإنجليزية. كانت قصة إميل وحايا حاضرة في الإعلام الإسرائيلي دائماً، خلال حياتهما المشتركة، وكُتب الكثير عن العلاقة المميزة في المجلّات والصحف.
حايا في سطور
حاياغربير توما من مواليد عام 1931ولدت في مدينة أورغييف الصغيرة، القريبة من مدينة كيشنييف عاصمة مولدافيا، التي كانت في تلك الفترة جزءً من رومانيا. وفي عام 1933 هاجرت مع والديّها بوريس ودفورا إلى فلسطين. سكنت العائلة في البداية في مدينة الخضيرة، وهناك ولدت شقيقتها رينا عام 1935. وفي عام 1941 انتقلت العائلة للسكن في مدينة حيفا في منطقة أحوزاعلى جبل الكرمل.
تعليمها وعملها
وبين الأعوام 1941-1945 تعلمت حايا في المدرسة الابتدائية “زخرون يوسيف” في حيفا التي تقع حتى اليوم في منطقة أحوزا. وبين الأعوام 1945-1948 تعلّمت وسكنت في كيبوتس ” شاعر هعمكيم”، وبين الأعوام 1949-1951 أدّت حايا الخدمة العسكرية في القسم الثقافي بسلاح البحرية. وفي عام 1952 تزوجت من السيد رولف برين وفي عام 1953 أنجبت ابنها إيال.
وبين الأعوام 1955-1972 رقصت في استوديو الراقصة يردينا كوهن للرقص. وبين الأعوام 1971-1974 درست فنّ السيراميك في جامعة حيفا.وبين الأعوام 1975-1980 درست الفنون في كليّة “أورانيم”. وبين الأعوام 1971-1996 عملت مديرة فرع مكتبة ستيماتسكي في حيفا.
3
وبين الأعوام 1989-2004 علّمت فن السيراميك في “بيت النعمة” في حيفا. وعملت فيها معالجة بالفن، في مشروع العلاج بالفن، ضمن إطار تأهيل “السجناء المسرّحين” وبين الأعوام 1999-2000 أبدعت أعمالا بالسيراميك ضمن مهرجان “عيد الأعياد” في حيفا.أعمالها معروضة في أماكن مختلفة في حيفا،منها أزقة وادي النسناس ومؤسسة بيت النعمة المجاور لكنيسة السيدة، ولها عشرات أعمال السيراميك الجميلة والمتنوعة من جرار وتماثيل ولوحات. والجدير ذكره أن والدها المرحوم بوريس، له عشرات التماثيل من الخشب.وعن أعمالها كتبت : “أعمالي مستوحاة من مناظر الطبيعة في حيفا.وأحاول دمج عناصر سيراميك في البناء المعماريّ، واتّسم عملي بأسلوب تهجيني، لتشكيل عمل ينسجم مع المنظر المحيط به”.
حايا كانت كنافذة للآخرين
إحدى صديقات حايا فنّانة السيراميك ندى ناطور، زوجة طيب الذكر سلمان ناطور،وقبل حوالي عشرين عاما أصيبت ندى بمرض الباركنسون،وتحديًا للمرض بدأت تعمل بالطين.حدثتني ندى عن ذلك قائلةً:”بداية عملي في السيراميك كان من خلال حايا، حيث شجّعتني على العمل في الطين. وقد تعلّمت عندها في الأستوديو الخاص بها في بيتها.حايا دعمتني وساعدتني كثيراً وكانت كنافذة فتحت أمامي أفاقاً جديدة. وعندما توفيت في عام 2009 أهديتها رخامية صنعتها من الطين وقد وضعت على القبر.وذلك تكريمًا وشكراً لها على صداقتها وما صنعته من أجلي”.
وأما صديقتها الأخرى الراقصة تمار بن عامي، حدثتني عن تعارفها بحايا قائلةً:”تعرّفت على حايا في عام 1962 في “نادي الشبيبة الشيوعية” الذي كان يقع وقتئذ في درج الموارنة، وذلك أثناء تدريب مجموعة راقصين شبّان عرب ويهود، للمشاركة في مهرجان الشباب العالمي، في هلسنكي/فنلندا. فحايا هي من أدخلتني لعالم الرقص ودرّبتني، وكانت بمثابة معلمتي الأولى التي فتحت أمامي مجالاً جديدًا.وأصبحت لاحقاً راقصة محترفة”. ووصفت تمار حايا قائلةً:”حايا كانت امرأة جميلة وطويلة، ممشوقة القوام كأميرة، وإحدى ميزاتها في تلك الفترة كان شعرها الطويل وجدايلها وابتسامتها الرائعة”.
وأما عن فترة عملها في بيت النعمة حدثتني السيدة أغنس شحادة (أم جمال) مديرة المؤسسة:”عملت طيّبة الذكر حايا معالِجة بالفن سنوات عديدة مع “السجناء المسرّحين” الذين في مرحلة التأهيل، ويقيمون في بيت النعمة، في البداية رفض السجناء التعاون معها لأنهم لم يؤمنوا بقدراتهم، فكانوا محبطين وقالوا “شو بدو يطلع منّا”. لكن حايا مع إصرارها وإيمانها بهم وأسلوبها المميّز وتواضعها. جعل السجناء يتعاونون معها، بل اصبحوا ينتظرون مجيئها. كانت حايا بالنسبة لهم نافذة للخروج إلى الحياة والتعرف على أمور أخرى جديدة، عملت مع المجموعة جدارية لا زالت موجودة في ساحة الكنيسة”. والجدير ذكره أن مؤسسة بيت النعمة تأسست في عام 1982 وهي مؤسسة اجتماعية خيرية أقامها المرحوم كميل شحادة وزوجته أغنس.
علاقة ميخائيل مع والدته
ربطت ميخائيل الفنان البصريّ علاقة قوية ومتينة مع والدته.وفي السنوات الأخيرة من حياتها عرضا أعمالهما في معارض مشتركة في ألمانيا. وعن تلك العلاقة والتواصل الوجداني حدّثني ميخائيل عن قصة مدهشة قائلاً:”في عام 2010 أصدرت ديوان شعر بعنوان “أغنية الحياة” وأهديت هذا الكتاب لذكرى والدتي، وإحدى القصائد في هذا الكتاب بعنوان “ليلى”.في القصيدة أخاطب فتاة صغيرة فقدت كلّ شيء، وهي تقف على أنقاض بيت أهلها، حافية القدمين، متروكة من نعمة الله ورحمة الناس، وملابسها متّسخة ومغبرّة.وأنهيت القصيدة بالجملة التالية: “تعالي يا ليلى، أعطني يديك، أود أن أكون لكِ والدًا وأنت تستطيعين أن تكوني بنتاً لي، وقلبي سيكون وطنك الجديد”.بعد وفاة والدتي وقعت بين يديّ مسودة وجدتها في بيتها لقصة قد كتبتها،على ما يبدو عند عودتها من زيارة أحد مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، وذلك أثناء نشاطها في حركات السلام. في هذه القصة تروي والدتي لقاءها مع طفلة لاجئة، وتصف مشاعرها نحو هذه الطفلة. والأمر المدهش أن اسم الطفلة في هذه القصة أيضا”ليلى”. ومضمون القصة يتشابه مع مضمون قصيدتي. والمثير للاهتمام أنني كتبت قصيدتي ووالدتي كتبت قصتها دون أن نعرف أو نشارك أحدنا الآخر. وهذه الخواطر أو الهواجس كانت محض صدفة لكنها تشير إلى تواصلنا الروحاني العميق”. وأضاف ميخائيل قائلاً:”وتعبيرًا لهذا التواصل المميّز كتبت على ضريح والدتي أبيات من الشعر: “عِشت كزهرة بهيّة طلعتك- ألوانك الحبّ والأمل عطرك_ لن تذبل الزهرة لأن نورها، يشعّ إلى الأبد..”
العلاقة الإبداعية بين حايا وإميل
التواصل بين حايا وإميل لم يقتصر فقط على الحب بينهما، بل جمعهما أيضاً العمل الإبداعيّ وعُثر في أرشيف إميل توما الشخصيّ عمل مشترك في كتابة نصّ مسرحي بعنوان: “قصة قديمة”. تتحدث المسرحية بين آدم وليليت وحوا. وتجري أحداث المسرحية في أوقات مختلفة، تشمل الفترة القديمة “الفترة التوراتية” والزمن الحاضر، تظهر فيها الشخصيّات التوراتية بتجسيد حديث. موضوع المسرحية يتمحور حول العلاقة بين الأجناس والتغيّرات التي تطرأ على هذه العلاقة على مرّ التاريخ البشري. وعن قدرة الجنس البشري في العيش من دون عنف وتدمير ذاتي. والعلاقة الإبداعية بين الاثنين تجاوزت وفاة إميل، وبقيت حايا تعمل من أجل الحفاظ على تراث إميل. بجهودها أطلق اسم درب إميل توما في عام 2004 كذلك وبعد نضال شعبي، منع هدم بيت عائلة إميل توما العريق في زاوية شارع “هنفئيم” كما ساهمت في عمل معهد “إميل توما للدراسات الإسرائيلية الفلسطينية” الذي يديره اليوم عضو البرلمان الأسبق عصام مخول. وفي إطار المعهد أقيمت مختلف المؤتمرات والأمسيات.
وكثير من أعمال حايا في السيراميك تروي المأساة الفلسطينية، وتعبّر عن قوّة الحياة للإنسان الفلسطيني، الذي يناضل من أجل حياته وسعادته. وأحد هذه الأعمال المؤثرة تقع على جدار بيت في درب إميل توما، واسم العمل ” لأن الإنسان شجرة الحقل” والعمل يعبّر عن صرخة ضد اقتلاع أشجار زيتون الفلاحين الفلسطينيين بيد المستوطنين والجيش الإسرائيلي.
مسيرة حياة بين جبل الكرمل والواد
7 (2)
أحد الخواطر التي كتبتها حايا توما:”مضى شبابي في أوليمبوس الكرمل. وادي النسناس كان بالنسبة ليّ كوكب آخر، فيه عاش أناسٌ آخرون تحدّثوا لغةًأخرى. الوقت – أيام الحكم العسكري، وداخل الواد وفي مداخله تجمّع لاجئون اقتلعوا من قراهم وأراضيهم بعد حرب 1948، لاجئون في وطنهم. مشيت مع إميل في أزقة الوادي، تعلّمت أن أصغي لنبض الوادي، وأن ألتقط الهمسات، الألحان،روائحه ومذاقاته، وأن أصغي لأحلام الآخرين، وأن أرى من خلال تموّجات الأضواء شروق الشمس وغروبها على الوادي. هنا تعلّمت أن أتحرر من الآراء المسبقة، وأن أكون حصينة من تأثيرات عنصريّة، وأتقبل الآخر والمختلف. فهمت الحاجة لحياة متساوية ومتحرّرة من كل مركّب شوفيني عنصري. وفوق كل ذلك الحاجة الحيوية لتقوية الحياة المشتركة. في أحد أعمالي ضمن عيد الأعياد أبدعتُ عملاُ بعنوان”شجرة الحياة” يضم أحلام الشعبين بواسطة رموز التين، العنب، الرمان،الزيتون والحمامة. أهديته لسكان الوادي بكثير من الحب والتعاطف، لأن الوادي وسكانه تحولوا إلى جزء من ألبوم حياتي”.
E- rawdagniam@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *