و”كبرت البنّوتة”!

مراسل حيفا نت | 18/06/2017

و”كبرت البنّوتة”!
د. منعم حدّاد
يحتفل الناس بـ”عبورهم” من مرحلة عمرية معينة إلى مرحلة أخرى تالية، ويتّسم هذا “العبور” بالتكرار لدى جميع أفراد المجتمع، ويرافقه ارتقاء وارتفاع وعلو وشأن اجتماعي أكبر، وبتحمّل أعباء ومسؤوليات أثقل وأصعب، بسبب “مكانة” الفرد الجديدة والدور الذي تفرض عليه أن يلعبه.
و” كبرت البنوتة كبرت ست الكل صار بدا تتجوز تتركني وتفل” تغنّى الفنّان جورج خبّاز مشيراً إلى انتقال “ابنة” من مرحلة الطفولة إلى مرحلة أخرى!
وكتب عبد الرحمن الأبنودي :”كبر الولد وشبّ ومعادش يغوى السواجي” كما يفعل الأطفال الصغار…
ويشكّل زواج البنت وترك الولد “السواجي” مفصلاً حياتياً أو “طقس عبور” من مرحلة عمرية لأخرى.
* * *
ويحكى أن الله رزق أحدهم طفلاً وسيماً تبدو عليه علائم النجابة والرجولة منذ صغره، وطفلة جميلة كالقمر، “تقول للشمس اغربي لأجلس على عرشك”، لجمالها وحلاوتها…
وتعهد الرجل وزوجته الطفلين ورعياهما… وكلّفا الوالد برعي ما يملكانه من جداء وطلاء، وكلّفا البنت “برعي” الدجاجات…
وكان الولد يحاول أن يجالس أباه وضيوفه في أسمارهم وسهراتهم كلما سنحت له فرصة، فيقولون له: إذهب لتلعب مع جيلك يا بني، فما زالت صغيراً على مجالسة الرجال…
وتحاول البنت الاقتراب من أمها وضيفاتها والانضمام لمجالس أنسهن وسمرهن فتنتهرها إحداهن قائلة: اذهبي والعبي مع بنات جيلك، و”كل جيل مع جيله يلعب”…
وتمر الأيام وتكرّ السنون، ويشبّ الولد وينمو شاربه وتغطي الشعرات ذقنه… فيهديه والده كوفية وعقالاً ليعتمرهما، و”علبة صفيح” للتبغ و”ورق الشام” للفّ السجائر… فها قد أصبح الصغير كبيراً، والطفل شابّاً، ودعاه لمجالسته هو وضيوفه الكبار والمشاركة في أحاديثهم.
وتنمو البنت وتكبر…وما هي إلا غمضة عين حتى تصبح صبية كبيرة، صبيّة فاتنة ساحرة خلابة جذابة…فتهديها الأم ما تهديه كل أمّ لابنتها التي كبرت… وتدرّبها كيف تختال في مشيتها، وتصون خفرها، وكيف تكحل عينيها، وتخضب شعرها وراحتيها بالحنّاء، وتدعوها للانضمام لجلسات الأنس مع صويحباتها…

* * *
ولكل مجتمع طقوسه وعاداته وتقاليده المرتبطة بالانتقال من مرحلة عمرية لأخرى، فبعض الكنائس المسيحية تحتفل بـ”المناولة الاحتفالية” (“أول قربانة”)، ويحتفل اليهود مثلاً بـ:בר מצווה للبنين عند بلوغهم الثالثة عشرة، وبـ: בת מצווה للبنات عند بلوغهن الثانية عشرة، ويصبح كل واحد مسؤولاً عن نفسه تجاه المجتمع، ملزماً بتنفيذ الوصايا والشعائر الدينية وإقامتها.
ويعتبرون الزواج في كوريا الجنوبية مثلاً “طقس عبور”، وفي بعض المجتمعات القبلية يجري الشباب عراة، ويشاركون في معارك جماعية، أو يقفزون من علو شاهق لينتقلوا لمرحلة الرجولة.
ولدى قبائل أخرى يتسابق الأبناء عراة على ظهور مجموعة ثيران، فمن يعبر كل الثيران ولم يسقط اعتبر رجلاً، أو يخرجون لاصطياد الأسود مسلحين بالرماح فقط، أو يخرج الولد بمفرده في رحلة في الغابات لبضعة أيام، أو يعيش لوحده في معسكر مقفل بعيداً عن الكبار لفترة معينة ليعتبر بعد ذلك رجلاً، وينضم إلى طبقة أعلى، ويرشّ أبناء قبائل أخرى السموم في عيونهم وعلى أجسادهم ليثبتوا قدرتهم على التحمل والصمود!
وتكسو فتيات إحدى القبائل الأفريقية وجوههن بالوشم الذي يرسمنه بواسطة عود يجرحهن جرحاً، ويجرح أبناء قبائل أخرى أجسادهم “ليغطّوا” جلودهم بالندوب ويظهروا كالتماسيح!
وتعتقد بنات إحدى قبائل نيجريا أنهن عاشقات للأرواح المائية منذ ولادتهن، فيقمن في سن معينة بالمكوث قرب الجداول والغناء بشغف لإقناع الأرواح المائية بإطلاق سراحهن!
وكانت بعض القبائل القديمة لا تعتبر أن الولد أصبح رجلاً إلا بعد أسر عدو وقتله…
وربما أن البيت الذي اختتم به عمرو بن كلثوم معلقته المشهورة والقائل:
إذا بلغ الفطام لنا صبيّ
تخرّ له الجبابر ساجدينا
يشير إلى طقس معين كان يمارس لدى فطام الأطفال!
unnamed-4-8-221x300

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *