حدّثوهم عن عمر…

مراسل حيفا نت | 13/06/2017

حدّثوهم عن عمر…
د. منعم حدّاد
إنّ ما يحاول البعض أن يصم به الإسلام والمسلمين عامة من إرهاب، خاصة بعد تفجيرات الحادي عشر من ايلول (2001) الآثمة في برجي التجارة الدولية الأمريكية التي أزهقت أرواح الآلاف من الأبرياء، وما تبع ذلك من أعمال إرهابية يرفضها كل ذي ضمير حيّ ليثيرنّ الرفض المطلق للتعميم ولكلّ اتّهام مغرض.
فالمسلمون كأتباع كلّ دين آخر وككل مجتمع آخر فيهم الصالح (وهم الأكثرية المطلقة)، وفيهم الطالح (وهم الأقلية القليلة)، والتعميم تجنّ لا مبرّر له.
وشهدت بعض فترات التاريخ الإسلامي اضطهاداً لغير المسلمين من سكان البلاد الإسلامية، لكن هذا لم يكن حكراً على المسلمين وحدهم ولا وقفاً عليهم، بل شهد أتباع الديانات التي لم تكن دين الدولة الرسمي في فترات تاريخية مختلفة وفي أماكن مختلفة أشكالاً فظيعة من الاضطهاد.
ويكفي للتدليل على رفض العنف والاضطهاد ونبذهما من قبل أبناء الديانتين السماويتين لقاء قداسة البابا وشيخ الأزهر الشريف قبل أسابيع قليلة!
و”للمهلّلين” للحضارة المعاصرة التي تحاول انتشال العالم من دياجير الجهل والظلام وتعليمه الحرية والمساواة والحفاظ على حقوق الأقليات فنقول أن يدرسوا التاريخ ويفهموه!
وحدّثوا كلّ من ينكر على الحضارة العربية الإسلامية الحقيقية تأكيدها على الديمقراطية وحقوق الإنسان والرعاية الاجتماعية قبل غيرها بقرون!
وحدّثوا جميع أولئك الذين يجهلون أو يتجاهلون حقوق غير المسلمين في البلاد الإسلامية بما في هذه الحضارة ليكون لهم نبراساً وهدى!
ونحيلهم على تاريخ الفاروق، عمر بن الخطاب (ر)، ليقرأوا “العهدة العمرية” التي أعطاها للمسيحيين في القدس يوم دخلها واستقبله صفرونيوس بطريركها وأهلها، وهي كما أوردها موقع “المركز الفلسطيني للإعلام” كالتالي:
“هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينتقص منها، ولا من خيرها، ولا من صُلُبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيلياء (القدس) معهم أحد من اليهود وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وعلى صلبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان فيها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصدوا حصادهم”.
شهد على ذلك الصحابة الكرام :
خالد بن الوليد , عمر بن العاص , عبد الرحمن بن عوف , معاوية بن أبى سفيان”.
أما المساواة والعدالة الاجتماعية والحفاظ على حقوق الأقلية والتي تحاول الحضارة المعاصرة تعليمها للعالم المعاصر فليست حكراً على تلك الحضارة ولا على حاملي لوائها، فهذا عمر يسبق الغرب مرّة أخرى ويرسي أسسها المتينة في حادثة عمرو بن العاص واليه الأول على مصر والفتى القبطي، وها هي كما أوردها السيوطي في “حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة”:
“أتى رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذا، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين!
فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم بابنه معه. فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين!
ثم قال للمصري: ضعه على صلعة عمرو، قال: يا أمير المؤمنين، إنما ابنه الذي ضربني وقد اشتفيت منه، فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”؟
أما الذين يزعمون أن الرعاية الاجتماعية لم تبدأ في الشرق وأنها غير معروفة في حضارته فحدّثوهم كيف كان عمر رضي الله عنه يجوب الشوارع ليلاً ليتفقد أحوال الرعية، وعندما وجد امرأة فقيرة تحاول إيهام أطفالها الجياع بأنها تعدّ لهم الطعام عاد إلى بيت المال وحمل الطعام إليهم بنفسه ولم يوكل أحداً بهذه المهمة…
وحدثوهم كيف أنحى البعض باللائمة على عمر متهماً إياه بتفضيل ولده عبدالله على سواه عندما رأوه يلبس ثوباً من قماش كانوا قد غنموه ووزع عليهم بالتساوي، وكان عبدالله هذا مديد القامة لا يكفيه نصيبه من القماش ثوباً، وكيف اتّضح أن عمر أعطى نصيبه من قماش الغنائم لولده الطويل القامة ليكفيه القماش ثوباً!
ولا بدّ لنا في النهاية من التمني أن يقتدي الحكام العرب المعاصرون بعمر رضي الله عنه، لأن غالبيتهم لا تعرف عن عمر إلا النزر اليسير كما يبدو…!

unnamed-4-8-221x300

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *