أعرف بعض الأمّهات اللّواتي يتاجرنَ ببناتهنّ!

مراسل حيفا نت | 25/03/2017

الشّاعرة والإعلاميّة سوزان صيداوي – دبّيني:
أعرف بعض الأمّهات اللّواتي يتاجرنَ ببناتهنّ!
لقاء أجراه الإعلاميّ نايف خوري
الشّاعرة والإعلاميّة سوزان صيداوي – دبّيني، نتابعها عبر أثير “صوت إسرائيل”، ببرامج متنوّعة، وخاصّة تلك التي تعالج فيها قضايا اجتماعيّة وإنسانيّة. الشّاعرة دبّيني متزوّجة من نزيه دبّيني وهي أم لعماد، ماريو، جوني ورامي.
التقيناها بمناسبة يوم الأم..

– أنت أمّ وعندك عائلة، فأسال الأم عن عائلتها أوّلًا..
العائلة هي حياتي، لأنّها أعطت معنًى لوجودي، ولا تكتمل سعادة الدّنيا إلّا بهم، ومعهم أشعر بمعاني الأم والأخت والصّديقة والمحبوبة، وكلّ شيء في الدّنيا. العلاقة بيننا وطيدة جدًا جدًا، لأنّهم كلّ عائلتي، حيث هاجر والداي وإخوتي إلى أمريكا منذ سنوات طويلة. وهكذا أصبح أولادي بمثابة إخوتي وأصدقائي ورفاقي، وزوجي أصبح كلّ شيء بالنّسبة لي. وعرفت معهم السّعادة في الحياة، وها هم يعيدونها لي يومًا بعد يوم، بالحنان والحبّ والاحترام والتّقدير.

– لا بدّ لمسيرة الحياة إلّا أن تصادف صعودًا وهبوطًا، صعوبات وعقبات وحتّى العراقيل، فكيف تجاوزت هذا كلّه؟
الصّعوبة تكمن في تنظيم الوقت والتّوفيق بين العمل والبيت، فعندما بدأت العمل الإذاعي كان ابني الرّابع ما زال طفلًا، ومع هذا نجحت في تجاوز كلّ الصّعوبات ووفّقت ما بين بيتي وأولادي وعملي على أكمل وجه بمساعدة زوجي الغالي، والّذي كان وما زال الدّاعم الأوّل لمشواري الإعلاميّ والأدبيّ. وقد ربّينا أولادنا الأربعة بالاعتماد على النّفس منذ الصّغر، وهذا ما جعل كلًّا منهم في موقعه يعرف ما يطلب منه وما عليه.

– كيف تذكرين العناية الفائقة التي قدّمتها لهم؟
بالنّسبة للأولاد، لم يناموا على فراشهم قبل أن يكونوا في حضني أوّلًا ثمّ أضعهم في الفراش. علاقتي بهم كانت وثيقة وما زالت فوق العادة، لأنّهم كلّ ما أملك في هذه الدّنيا. هم الكنز الذي أحرص عليه وأخاف عليهم حتّى من نسمة الهواء. واليوم أتمتّع بأن أحضنهم كبارًا راشدين، وهذا نتيجة الحنان الفيّاض الذي رويتهم منه منذ الصّغر. خوفي عليهم تخطى كلّ الحدود، وبذلت كلّ ما عندي من اهتمام وحرص ورعاية وحبّ واحترام وتفهّم، فليس من السّهل التّعامل مع الأولاد والشّباب. وفهم طريقة تفكيرهم، ما يحبّون وما يكرهون، ولكن الحمد لله نجحت في الوصول إلى قلوبهم وعقولهم، أنا إنسانة حنونة جدًا. مجرّد تفكيري بأيّ منهم تترقرق الدّموع في عيني، ربّما كان هذا نابعًا من فقداني حنان الأهل بعد أن هاجروا، وبقيت وحدي مع زوجي، وعندها كان ابني البكر عماد فقط قد ولد.

– هل هناك أمور نقصت بهذا الشّعور حيال الأولاد؟
لا أبدًا؛ ومع هذا فأنا دائمة البحث بصورة متواصلة عمّا أستطيع أن أفعله كي أجعلهم سعداء أكثر. وهذا انعكس كردّ فعل طبيعيّ لهم تجاهي وتجاه أبيهم، الذي يرى الحياة من بسمتهم وعيونهم. محبّتهم لنا وتقديرهم واحترامهم عملة نادرة الوجود، لأنّهم يعلمون أنّهم كلّ حياتنا وسعادتنا فأصبحنا نحن عندهم في المرتبة الأولى.

– هل تعبّرين بذلك عن كلّ أم؟
أتمنّى ذلك، لأنّه إذا تجرّدت الأم من هذه الأحاسيس والعواطف الصّادقة الخالية من أيّة مصلحة، فإنّها تتجرّد، أيضًا، من إنسانيّتها.

– هل صادفت نساء من هذا النّوع؟
الحقيقة مؤلمة في هذا المجال، لأنّي صادفت ذلك عن طريق البرامج الإذاعيّة، وما سمعت وعلمت وكشفت من قضايا ومشاكل ومآسٍ تقشعرّ لها الأبدان، عن نساء يتاجرنَ ببناتهنّ. ومثل هذه الأم مستعدّة لأن تبيع ابنتها، وتقترف بحقّها كلّ الآثام والفواحش من أجل مبلغ ولو بسيط من المال..

– طبعًا لا تتحدّثين عن مجموعة كبيرة من الأمهات..
بالتّأكيد لا، بل هي حالات شاذّة قليلة جدًا، والّتي عرفت عنها فقط عن طريق اتّصالات الفتيات المظلومات لبرنامج بصراحة، وبيني وبينك يا هالليل. أمّا المجتمع عمومًا فيقدّس الأم ويكرّمها، مع كلّ التّغييرات التي تحدث في مجتمعنا، وتغيير المفاهيم الاجتماعيّة لمعنى الأم والأمومة، وخروج المرأة إلى ميدان العمل وابتعادها عن بيتها وأطفالها.

– ولكن الإشارة إلى مثل النّساء الشّواذ مفيد كي تزول هذه الظّاهرة كليًّا من المجتمع..
نعم، وصحيح تمامًا. لذا نجد إحدى الأمهات هنا وإحداهن هناك بصورة متفرّقة، اللّواتي يرتكبنَ الجرائم بحقّ بناتهنّ بطرق مختلفة. وهؤلاء كالشّوائب في كلّ مجتمع، يجب التّنبيه إلى وجودهنّ. هذا مع التّأكيد على النّسبة الكبيرة من أمهاتنا الشّريفات، المضحّيات والمحبّات فوق الحدود، وفعلًا أمهاتنا يمثّلن المجتمع الرّاقي والأساسي.

– هل يمكن أن نورد أمثلة على ذلك؟
نعم، فقد اتّصلت بي إحدى السيّدات، ورغبت بالحديث في أحد برامجي الإذاعيّة، ولكنّها تراجعت وطلبت أوّلًا محادثتي تحت الهواء، وطبعًا أعطيتها فرصة بعد البرنامج لتخبرني أنّها سيّدة تبلغ حوالي ستّين عامًا اليوم، وقد تعرّضت للاعتداء الجنسي وهي فتاة، قبل الزّواج، وكان المعتدي خالها..! واضطرّت للسّكوت على ما حدث كي تتجنّب العائلة الفضيحة، وحفظت كلّ هذه السّنين آلامًا لم تعد تحتملها، فقرّرت الاتّصال والحديث، وهذا يعود إلى الثّقة التي نشأت بيني وبين المستمعين.

– هل توجّهت الفتاة إلى أيّ هيئة أو استشارة اجتماعيّة أو نفسيّة أو طبيّة لتروي قصّتها؟
لم تجرؤ على ذلك، حتّى شجّعتها على الحديث، ليتّعظ أمثال هذا الخال الذي لم يحفظ حرمة بيت أخته. ولكن هناك حادثة أشدّ إيلامًا، عن فتاة تعرّضت للاغتصاب من أخيها، حتّى أنّها حملت منه عدّة مرّات وأجهضت حملها، فعرفت أمّها بالأمر. وهنا يأتي دور الأم، التي أرغمتها على الصّمت خوفًا من الفضيحة. وعرف أبوها كذلك ما جرى لابنته، فلم يردع ابنه المغتصب بل أخذ يعتدي عليها هو أيضًا(!)، وكلّ ذلك بمعرفة الأم التي اعتبرت التّستّر على هذه الجريمة حفظًا لشرف العائلة وسمعتها. فأخذت تضرب ابنتها وتكيل لها الإهانات والشّتائم، وحمّلتها مسؤوليّة ما يجري، وأنّها تستحقّ كلّ هذا. وفتاة أخرى تعرّضت للاعتداء الجنسيّ من أخيها بمعرفة الأم، واتّهموها بالجنون، حتّى وصلت القضيّة إليّ عن طريق الشّرطة، وأرسلت لهم تسجيلات لها وهي تروي ما حدث على الهواء في البرنامج، واليوم الأخ المعتدي في السّجن.

– لديك برامج اجتماعيّة بصراحة وبيني وبينك يا هاللّيل، وهي مساحة لطرح مثل هذه القضايا ومعالجتها..
نعم؛ لأنّ المشاكل التي ترد إلى هذه البرامج، أعرضها في كثير من الأحيان على المسؤولين والمستشارين الاجتماعيّين، وجمعيّات ضدّ العنف لمعالجتها والاهتمام الكامل بها. فالقصّة بالنسبة لي لا تنتهي مع انتهاء البرنامج، بل تنتهي عند الوصول إلى الحل، وهذا ما أحرص على متابعته دائمًا في القضايا التي تصلني.

– هل ما نقوله عن الأمّهات وما نعرفه، وما نرفعه كشعارات خاصّةً في يوم الأم، ويوم المرأة، هل تصبح هذه شعارات فارغة؟
كلّا، فكما قلت عن أمّهاتنا، محبّات مضحّيات وحتّى مظلومات أحيانًا، نحيا حياة نظيفة لها أساس وهدف معيّن، هو جيل صالح للمستقبل. ولكن المشاكل التي تعاني منها الفتيات، نتيجة إهمال وتصرّفات بعض الأمهات مثير للقلق. ومن هذه التّصرّفات الشّاذة والمنبوذة تلك الأم التي كان والد ابنتها يعتدي عليها وتصمت فيصبح منزلهم بمثابة بيت دعارة. والضّحيّة طفلة لا حول لها ولا قوّة، وأكثر من ذلك تتعرّض هذه الفتيات إلى العنف، وحتّى التّعذيب الجسديّ والنّفسيّ، عدا عن تصويرهنّ لابتزازهنّ بالمال، وتهديدهنّ بنشر الصّور والأفلام التي وثّقت عمليّات الاعتداء والاغتصاب من قبل قريب للعائلة أو ما يسمّى صديق العائلة.

– بالتّأكيد، أنت كأم، أثارت هذه الحوادث قلقك الشّديد، واهتمامك بأن تأخذ الجهات المسؤولة دورها، هل تمكّنت من لفت اهتمام المسؤولين وضرورة معالجتهم لهذه القضايا الخطِرة؟
نعم؛ فقد قدّمت الشّكاوى للشّرطة، ورافقت بعض الفتيات للعلاج النّفسي لدى الأخصّائيّين النّفسيّين. وهكذا طيلة فترة معيّنة من المعالجة الكثيفة، استطاعت العديد من الفتيات الخروج من هذه المحن وإكمال الدّراسة، ومنهم اليوم من تعمل في خدمة ومساعدة الفتيات اللّواتي يقعنَ في هذه المشاكل. وهنا أستطيع القول إنّي أغلق الدّائرة لأنّي أوصلتهم إلى برّ الأمان.

– كيف استطعت تحمل هذه المشاكل ومعالجتها؟
أنا إنسانة صاحبة مسؤوليّة، ويهمنّي جدًا أن أقدّم المساعدة بقدر المستطاع لكلّ مَن يحتاج. وأقول لهؤلاء الأمهات والآباء: أُنظروا إلى آخرتكم وليس إلى أيّامكم الحاضرة، أي مجتمع هذا الّذي يعتدي فيه الأب أو الأخ على الابنة والأخت، وأصبح البيت أخطر من الشّارع بالنسبة لهم؟ إنّ مجتمعنا براء من أمثال هؤلاء، وليخافوا ربّهم وخالقهم لما يقترفونه بحقّ أبنائهم وبناتهم.

– هل هناك فئة معيّنة من المجتمع تتّصف بهذه الحالات؟
بالتّأكيد لا؛ وهذا لا يعني فقير أو غني، متعلّم أو جاهل، لأنّه وللأسف الشّديد، هذه الفئه قلّة قليلة جدًا من المجتمع عامّةً، إن كان على الصّعيد الجغرافي، في الجليل أو المثلّث والنّقب، وإن كان على الصّعيد الدّيني والطّائفي. ونحن نعرف القليل، أيضًا، عمّا يجري في مجتمعات أخرى مثل المجتمع اليهودي أو المجتمع الأوروبّي، وغيرهم من المجتمعات.

– وماذا تقولين لسائر الأمّهات؟
أتوجّه لجميع الأمّهات، أن يتابعن ما تفعلنه لأجل أولادكنّ وأزواجكنّ بالحبّ الّذي لا يعرف الحدود، والحنان الذي لا ينتهي بل يتعاظم يومًا بعد يوم، وسنة بعد سنة. ونصيحتي عمومًا، أنّه بدلًا من أن تراقبوا أولادكم بعينين اثنتين، لتكن التّوعية والحوار عاملًا أساسيًّا في علاقتنا مع بناتنا وأولادنا. الاطّلاع على أحوال وأوضاع الأولاد بصورة مكثّفة أكثر يساعدنا جدًا، لأنّنا في حالة لا يعلم مداها إلّا الله، بما يواجه الأبناء والبنات في شبكات التّواصل والحياة بشكل عام.

– لنعد إلى الأمّ سوزان، وكتاباتك التي نعرف بأنّها تتّسم بالرّومانسيّة. هل كتبت شيئًا في الآونة الأخيرة؟
لا زلت أكتب، وقد يرى النّور ديوان شعر جديد، وهو الكتاب الرّابع الذي يصدر لي. ففي الكتابة أعبّر عن نفسي أكثر، وأسكب ما بداخلي على الورق بصورة حرّة أكثر. وفعلًا أنا رومانسيّة وروحي شفّافة للغاية، وأتأثّر جدًا من أمور تبدو بسيطة، لكنّها تترك أثرًا في نفسي فأعبّر عنها بقلمي.

– إصدارك الأوّل كان قبل سنوات طويلة..
نعم، وكان بعُنوان “عندما تضمّني إليك” ثمّ تلاه “أيقونة الحبّ”، وبعد ذلك ومنذ ثلاث سنوات “قارئة الفنجان” وصدر هذا الكتاب مشاركة مع شاعرة يهوديّة، وفيه ترجمت القصائد إلى اللّغتين العربيّة والعبريّة وكتب مقدّمته رئيس الدّولة شمعون بيرس. فالمواضيع التي أتطرّق إليها تغلب عليها العواطف والأحاسيس. وأعدّ للإصدار الجديد بعُنوان “دفاتر القمر”. وهذا يتضمّن قصائد عن الوطن والأرض والمشرّدين، والتّغيير الّذي طرأ على الإنسان بانشطاره بين نصفين، باعتباره فِلَسطينيًّا ويعيش في إسرائيل. وعمومًا، أكتب الخواطر والنّثر، وهذا قد يميل إلى وصف المشاعر.

– هل لديكِ شيء خاصّ بالأم؟!
طبعًا، بعُنوان “عيدك يا أمّي”: سنة أخرى يا حبيبة/ عيد آخر يا غالية/ وأنت عنّي بعيدة/ أعود كلّ يومٍ إلى ذكريات الطّفولة معك/ أعود بأحلامي إلى صدرك وحضنك/ لأرتمي من تعب الأيّام بين يديك/ أضمّك في خيالي.. أحتضنك في روحي/ وأبكي عذابي على صدرك/ أصلّي كي تمسحي دمعي/ لكنّك بعيدة.. بعيدة جدًا يا أمّي/ في تلك الأرض وراء البحار/ هناك تسكنين، وهنا قلبي مسكنك/ أستيقظ ليلًا أبحث عنك/ أذهب إلى خزانتك، أشمّ من ثيابك رائحة عطرك/ وأغمض عينيّ وأناديك/ أسمع صوتك يتردّد/ كم سيطول بُعدكِ يا أمّي/ كم من العمر مضى وأنا أتوق لرؤياكِ/ لأنّي حرمت لفظة أو همسة شفتيك/ كلّ الأمهات يا أمي يحتضنَّ أولادهنّ/ كلهنّ يقبّلنّ أولادهنّ/ وخدّي يتوق لقبلة من شفتيك/ وشفتاي لتقبيل خدّيك ويديك/ آه لو تعرفين كم أحتاجكِ/ كي أرتاح على صدركِ/ لأبكي على كتفكِ/ لأصرخ وأهتف باسمكِ/ أتعبَتني الحياة يا أمّي/ أرهقتني وِحدَتي.. آلامي/ لوّعني حرماني/ ولكنّي كطفلة.. أحتاجكِ يا أمّي/ فمتى ستعودين يا حبيبتي/ كلّ عام في مثل هذا اليوم/ الواحد والعشرين من آذار/ أحمل باقة ورد.. آتي بها إليك/ وأجالس صورتكِ.. عينيكِ.. ابتسامتكِ/ وها أنا أرسلها مع آلاف القلوب/ بطاقة معايدة لقلبكِ الطّاهر/ لروحكِ النقيّة/ كلّ عام وأنتِ الحبّ يا أمّي/ يا حبيبة روحي وقلبي.

– نتمنّى لك عيدًا سعيدًا، وكل العام وأنت بخير..
وجميع الأمّهات بخير. شكرًا لكِ هذه اللّفتة الجميلة في عيد الأم الّذي أتمناه سعيدًا لجميع الأمّهات.
سوزان والعائلة

سوزان دبيني-3

سوزان دبيني-2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *