معًا نحمي أوقافنا!

مراسل حيفا نت | 25/03/2017

“معًا نحمي أوقافنا”، عُنوان لحملة جمع التّبرّعات الخاصّة بمقبرة الاستقلال المحاذية لمسجد الاستقلال، هذه المقبرة التي بيعت ضمن صفقات كثيرة لشركة يهوديّة كان هدفها تصفية الوقف الإسلاميّ، بحجّة إقامة مجمع سكنيّ يخدم الأزواج الشّابة، وحينها قام جزء من المجتمع العربي بالتّصدّي لهذه المبادرة، تيقّنًا منه بأنّ هذا المشروع لن يخدم أيّ إنسان عربيّ، حيث تبيّن أنّ الإشراف على المشروع والبناء كان لشركة لا تمتّ بصلة إلى مصالح الأزواج الشّابة، حيث إنّ الشّركة قامت بالبناء على جزء من المقبرة الذي أخليت منه القبور، وبقي الجزء الثّاني منها، والّذي كان من المفترض أن يتمّ إخلاء العظام منه، ليتمّ البناء فيه.
ولدى تكشّف المؤامرة ولسبب يقظة أبناء المجتمع العربيّ الحيفاويّ بكلّ أطيافه السّياسيّة والدّينيّة، اعتبر الاعتداء على المقبرة خاصّةً والوقف الإسلاميّ عامّةً اعتداءً على حقّ العرب في حيفا، حتّى وإن كانت الصّفقات تتمّ من قبل أشخاص يعتبرون أنفسهم قادة المسلمين في حيفا. في المقابل بقيت الشّركة تطالب لجنة متولّي الاستقلال باسترجاع ما دفعته الأولى من مال وضريبة إخلال الاتّفاقيّة المُبرمة، فقامت لجنة متولّي الاستقلال والقائمون على رعاية الأوقاف في حينه باستقراض مبلغ من بنك العمّال لتسديد المبلغ المطلوب للشّركة، إلّا أنّ رئيس اللّجنة سرق المبلغ وفرّ هاربًا إلى الولايات المتّحدة، وتوفّي هناك، لاحقًا.
ولتعويض الشّركة، أٌبرمت صفقة بديلة كان هدفها بيع مسجد الجرينة لهدف هدمه وإقامة بناية مكانه، وقد وضعت هذه الاتّفاقيّة في مكاتب الطّابو الحكوميّة. في عام 2008 حصلنا على الاتّفاقيّة، فتوجّهنا بها إلى المحكمة الشّرعيّة، والتي بدورها قامت بعزل اللّجنة وتعيين اللّجنة الحاليّة، التي عملت في المحاكم على إلغاء الاتفاقيّة. وفعلًا لقد نجحنا بذلك، رغم أنّ الشّركة أصرّت على المطالبة بحقّها، إلى أن حُكم لها بمبلغ ثلاثة ملايين شيكل مقابل إرجاع المقبرة للوقف الإسلاميّ. وقد قام أعضاء اللّجنة الّتي عُيّنت بالتّفاوض مع الشّركة فتوصّلوا إلى اتفاقيّة تقضي بدفع مبلغ مليون شيكل شريطة أن يسدّد المبلغ خلال سنة واحدة.
فقامت لجنة شعبيّة بالتّنسيق مع لجنة المتابعة بحملة جمع التبرّعات من خارج حيفا، وتمكّنت من جمع مبلغ 600 ألف شيكل، ليتبقّى مبلغ 400 ألف شيكل يجب تسديده بأسرع وقت ممكن، لعدم التّقصير في شروط الالتزام بالاتفاقية التي أبرمت مع الشّركة، وإلّا من حقّ الشّركة المطالبة بالمبلغ الأوّل وهو ثلاثة ملايين شيكل.. لذلك قرّرنا التّوجّه إلى الأهل في حيفا على مختلف انتماءاتهم الدّينيّة والسّياسيّة بحملة “أطرق الباب”، ومعًا نحمي أوقافنا، ليقيننا بأنّ مجتمعنا مجتمع أصيل ويستطيع التحدّي والتّصدّي لكلّ مؤامرة تمسّ بحقّنا. وقد برهن عن ذلك الأهل من كنيسة الرّوم الأرثوذكس، حيث بادر وفد من قادة الكنيسة بافتتاح حملة التبرّعات من خلال تبرّع سخيّ ومشكور، مُعلنين في ذلك أنّ الموقف لم ولن يتغيّر، فالاعتداء على المسجد هو كالاعتداء على الكنيسة والاعتداء على الكنيسة هو تمامًا كالاعتداء على المسجد. نحن شعب واحد، همّنا واحد وقضيّتنا واحدة وتاريخنا واحد وحاضرنا واحد ومستقبلنا واحد أيضًا. لا نقبل التّقسيمات ونهيب بكلّ أبناء مجتمعنا العربيّ الحيفاويّ وغير الحيفاويّ بدعم هذه الحملة ماديًّا ومعنويًّا لنتمكّن من تحرير هذا الجزء من الوقف ولنتفرّغ إلى تحرير الأجزاء الأخرى التي تعاني من أثر صفقات ضيع حقّنا فيها.
إنّ لجنة متولّي وقف الاستقلال والجرينة الحاليّة تتصدّى لكلّ الصّفقات التي أبرمت بمساعدة اللّجنة الشّعبيّة ولجنة المتابعة، ويبقى الأمر يحيّر أصحاب الضّمائر الحيّة. فكيف يمكن لإنسان عاقل أن يساوم على الوقف ويتصرّف به من دون مراعاة للحكم الشّرعي الذي يقضي بعدم جواز بيع الوقف بأيّ حال من الأحوال؟! يجب أن يبقى الوقف قائمًا للهدف الّذي أقيم من أجله، ليبقى أجر الوقف يعود إلى صاحبه ما دام الوقف قائمًا ويقوم بمصالح العباد ويعود ريعه إلى العباد، ولا يصح للواقف أن ينتفع من الوقف الّذي أوقفه، كما لا يصحّ تولية الوقف إلّا لأناس تتوافر فيهم الشّروط الملائمة، منها الاستقامة والعدالة.
بما معناه أن يُعرف بالاستقامة في أمور الدّين وفي المعاملة مع النّاس. وأن يكون المتولّي على قدرة حكيمة وعلى كفء للتّصرّف بما يخدم مصلحة الوقف. إلّا أنّه، وللأسف، لم تتوفّر هذه الشّروط بمن كان قائمًا على لجنة متولّي الوقف الإسلامي في الماضي. ولكي نعرف أهميّة الوقف علينا أن ننظر في مشروعيّة الوقف.
جاءت مشروعيّة الوقف في القرآن والسّنة، فقال تعالى (لَن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون وما تنفقوا من شيء فإنّ الله به عليم). فلمّا نزلت هذه الآية جاء أبو طلحة الصّحابيّ وتصدّق بأحبّ ماله، وهي حديقة بيرحاء. وروى مسلم عن أبي هريرة أنّ رسول الله (ص) قال: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلّا من ثلاثة: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. وقد اشتهر الوقف بين أصحاب النّبيّ (ص)، فقال جابر: ما بقي أحد من أصحاب رسول الله له مقدرة إلّا وقف. وقال الشّافعي: بلغني أنّ ثمانين صحابيًّا من الأنصار تصدّقوا بصدقات محرمات. والشّافعي يطلق هذا اللّفظ على الوقف.
ويمكن أن يوقف الشّخص دارًا أو أرضًا أو شجرة ونحو ذلك، ولهذا نرى أنّ المساهمة في نجاح الحملة والتمكّن من تحرير الوقف هو نفسه وقف يعود على المساهم بالخير في دنياه، وفي آخرته. والله يقول (سنكتب ما قدموا وآثارهم).
rrraa11
unnamed (20)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *