الدكتور عادل بربارة، أخصائي طب وجراحة العيون: العين سفيرة المخ فهو الذي يرى الأشياء

مراسل حيفا نت | 09/03/2017

لقاء أجراه نايف خوري
ولد الدكتور عادل بربارة في عكا، وتعلم في مدارسها، ثم سافر إلى إيطاليا لدراسة الطب والتخصص بطب العيون منذ أربعين عامًا. يقيم في حيفا ويدير معهدًا خاصًّا لمعالجة أمراض العيون وإجراء العمليات الجراحية الدقيقة في العين.

– لماذا اخترت طب العيون كتخصّص؟
ربما هناك أمر في قرارة نفسي منذ صباي، فقد أصبت بمرض الرمد الرّبيعي، وهذا مرض مؤلم يصيب العيون، وكان من الصعب أن أفتح عيني في الصباح لمدة ساعتين تقريبًا. وشعرت بالمعاناة أكثر في فصل الربيع. وربما أقنعت نفسي في ذلك الحين لأصبح طبيب عيون كي أشفي كل من يصاب بهذا المرض. ومن ناحية أخرى، حين كنت في فترة التدريب في قسم العيون، دخلت غرفة العمليّات وشاهدت ألوان العين تحت المجهر، الأمر الذي سحرني وشدّني جدًا.

– العين، هذا العضو الدقيق في جسم الإنسان، يتطلّب معالجته تقنيات معقدة.
العين بحجمها التّشريحي صغير جدًا، لا تكاد تتعدى 4 سم مكعب، ووزنها بضع غرامات، لكن العين هي سفيرة المخ، وهي أكثر عضو مرتبط بشكل مباشر بالمخ، بحيث يمكننا رؤية عصب النظر بالأجهزة المتوفرة لنا، وهو العصب الوحيد الذي يمكننا رؤيته. والعين عضو معقّد بتركيبه، بحيث يتألف عصب النظر من مليون ومائتي ألف خيط. بينما عصب السمع يتألف من مائة ألف خيط فقط. والمخ هو الذي يرى وليس العين، وهي بمثابة كاميرا دقيقة جدًا تنقل الصورة إلى المخ.

– بإلقاء نظرة عامة على الجمهور نجد عددًا كبيرًا يضع النظارات، فهل أصبحنا نعاني اليوم أكثر من الماضي من مشاكل النظر؟
أعطيك نموذجًا لمشاكل النّظر وما ينجم عنها. فأنا أعرف كثيرًا من الطلاب لم ينجحوا في دروسهم المدرسيّة، واتضح بعد أن كبروا، وأجريت لهم الفحوص، أنّهم كانوا يعانون من ضعف في النظر. واليوم يجب أن يتنبّه الأهل والمعلمون إلى الطلاب المشاغبين في الصف، أو الذين يتهربون من القيام بواجباتهم التعليمية، منذ سن الروضة وما قبلها وما بعدها. ولا بد من وجود سبب لذلك، فيجب إجراء الفحص الطبي لعيونهم، قد يكمن سبب نفورهم من التّعليم في ضعف النظر الذي يعانون منه، فتأتي تصرفاتهم بنوع من التعويض عمّا يعانون منه. وردًا على سؤالك، فإن الوعي أصبح أكثر في أوساط الجمهور لفحص العيون والكشف عمّا تعاني منه عيونهم. ويبدو أنه طرأت زيادة على الصعيد العالمي وارتفاع في قصر النظر في العالم. وتشير الإحصاءات إلى أن 25% من الجمهور في العالم الغربي يعانون من قصر النظر. بينما في آسيا وخاصة شرق آسيا، تصل النسبة إلى 70%.

– ماذا يعني قصر النظر؟
هذا يعني أنّ الإنسان لا يرى جيّدًا للبعيد بل يرى بوضوح أكثر للقريب. ويتطوّر هذا الأمر عادة في جيل المراهقة ابتداءً من سن 10 – 11 سنة، ويزداد مع السنين حتى تثبت الدرجة في سن 18 – 19. وحينها يمكن إجراء عملية ليزر للتخلص من النظارات.

– وماذا بشأن المتقدّمين في السن، الذين يضطرون لوضع النظارة لرؤية الأشياء القريبة؟
العين هي آلة تصوير، يمكنها التركيز للبعيد والقريب عن طريق تحدّب العدسة. وبالنظر للقريب يتغير تحدب العدسة وقطرها. فالقدرة على هذا التغيير تضعف مع السنين، فيضطر الإنسان أن يستعين بالنظارة للرؤية عن قرب.

– ما يتعلق باستخدام الليزر، هذا مجال حديث نسبيًا، ولم يكن متّبعًا من قبل.
صحيح، الليزر هو ضوء بطول موجة محددة، ويمكن أن يتكون الليزر من كل موجة ضوئية، ولذا يمكن استخدامه لأهداف وغايات متعددة. مثل قص المعادن، أو علاج شبكية العين الناجمة عن مرض السكري وغيره من الأمراض، وكذلك بُعد النظر أو قصر النظر أو الانحراف في زاوية النظر. والليزر الذي نستعمله لإزالة النظرات هو غير مرئي لأنه فوق بنفسجي، بل نرى تأثيره على القرنية. ويتم بواسطته تبخر طبقة من القرنية فيتغير تحدّبها ويسقط الضوء على شبكية العين. وكل إصابة ليزر تزيل ربع ميكرون، وكل ملمتر هو ألف ميكرون. فهذا الليزر فتح أمامنا مجالات هائلة وواسعة.

– ما هي الخدمات التي تقدّمونها لمعالجة أمراض العين؟
هذا المركز خاص، نستقبل فيه من يرغب بالتخلّص من النظارات بواسطة الليزر، وعلاج مرض القرنية المخروطية. وهذا مرض كان يعتقد أنه نادر، ولكن تبيّن أن كثيرًا من الناس يعانون من القرنية المخروطيّة، ولدينا الأجهزة اللازمة لمعالجة هذا المرض. والمسح الذي أجريناه في المجتمع العربي في حيفا أظهر لنا أن 3% من الأهالي العرب في حيفا والشمال يعانون من القرنية المخروطية. كما أظهر مسح آخر أجرته مؤسسة “هداسا” في القدس أن نسبة الإصابة بهذا المرض في المجتمع اليهودي تبلغ 2%.

– ما أسباب هذا المرض؟
لا نعلم بعد كل الأسباب التي تؤدي للمرض، ولكن من هذه الأسباب فرك العينين، ومرض الرمد الربيعي. ونتيجة لفرك العين عدة مرات تتحدّب العدسة وتبرز للخارج، مما يؤدّي إلى ضعفها، ولا تعود تنفع النظارات أو العدسات اللاصقة. و20% من مرضى القرنية المخروطية يضطرون لزرع قرنية بدلًا ممّا عندهم.

– ولكن قمت بخطوة هامّة في هذا المجال بإدخال علاجات مناسبة لهذا المرض.
نعم، فقد تمكنّا من تقديم علاج يوقف مرض القرنية المخروطية، إذا كشفنا عنه مبكرًا. لأنّ أعراضه عبارة عن هبوط وتراجع تدريجي في النظر، وظهور آلام في الرأس، خاصة لدى الشباب الذين لا تعود النظارات تنفعهم. وبالكشف عن المرض في مراحله الأوليّة يمكننا الحد من التدهور في النظر. ولذا أنصح بالفحص لمعرفة وضع العين.

– وكيف يتم ذلك؟
لدينا جهاز يفحص طبوغرافية القرنية، ويستغرق الفحص دقيقة واحدة، فنكشف عن الإصابة بالمرض. والعلاج عبارة عن وضع فيتامين “بي 2” على القرنية ويتم تعريضها لأشعة فوق بنفسجية، وهذا يؤدي إلى تصلب القرنية أكثر.

– هناك حادثة طريفة لاكتشاف هذا العلاج.
صحيح، فقد خضع أحد الأطباء الألمان لعلاج في أسنانه، ولاحظ طبيب الأسنان يسلط أشعة فوق بنفسجية على حشوة الضرس كي تتصلب. وفكّر باستخدام هذه الطريق في العين، ونجح، بعد إجراء التجارب اللازمة، باستخدام هذه الأشعة لتصلّب القرنية.

– نلاحظ أنّ التقدّم العلمي يخطو سريعًا بالمقارنة مع ما كان عليه قبل سنوات.
بكلّ تأكيد، ففي مجالات الطب خصوصًا، والمجالات العلمية الأخرى عمومًا نجد قفزة نوعية تحدث كل عشر سنوات أو أسرع، وبعد فترة وجيزة، ربما أقل تتقدّم العلوم أكثر وأكثر. وهذا ما جرى باكتشاف العلاج للقرنية المخروطية. ومن هنا تأتي أهمية الفحص الوقائي والعلاج المبكر.

– ما يتعلّق بعمليات زرع القرنية أو أجزاء أخرى من العين، ما هو الوضع؟ هل هناك احتياج؟
وزارة الصّحة في بلادنا اشترت قرنيّات من الخارج قبل مدة بمليون دولار، وهناك بنوك في العالم تبيع قرنيّات لقاء دفع 3 آلاف دولار للقرنية. ويتم الحصول عليها من متبرعين، الذين يهبونها بعد وفاتهم لهذا البنك أو تلك المؤسسة التي تستقبل القرنيات. واليوم بإمكاننا زرع أجزاء من القرنية، كالجزء الأمامي أو الخلفي، بحيث نزرع القرنية الواحدة لشخصين بحسب حاجة كل منهما.

– وهذا ما تفعلونه في القرنيّة المخروطيّة؟
في القرنية المخروطية نزرع أهلّة في القرنية، فنضع هلالين بلاستيكيين في القرنية، بدلا من تغييرها، ونشدّها، فيتسحن وضعها إلى الأفضل. ونحن نجري هذه العملية في معهدنا في خمس دقائق فقط.

– هل المعهد الذي تعملون فيه حديث العهد؟
بدأنا العمل في هذا المعهد عام 2000، وقبلها كنّا نأخذ المرضى إلى تل أبيب، وهناك نجري العمليّات.. ولكن قررنا إقامة هذا المعهد خدمة لأهالي حيفا والشمال، فنحن ثلاثة أطباء، تقاعد أكبرنا سنًّا وبقي البروفيسور حنا غرزوزي وأنا. ونحن المعهد الوحيد الذي يقدم هذه الخدمة في الشمال.

– ما هو قطاع المرضى الذين يتلقون العلاج في معهدكم؟
يأتينا مرضى من كل البلاد، ويتلقون العلاج الخاص على نفقتهم، لأن الحكومة لم تضع هذا العلاج ضمن السلّة الصحيّة.

– أنت أشغلت منصب رئيس نقابة جرّاحي الليزر في البلاد.
هذه النقابة تابعة للنّقابة العامّة للأطباء في البلاد. وهناك تخصصات، أطباء للعيون، وآخرون للشبكية وآخرون للقرنية، وآخرون لجراحة الليزر، وكنت رئيس هذه النقابة حصريا لأربع سنوات من 2010 – 2014.

– عدت مؤخّرًا من مؤتمر عالمي لأطباء العيون في روسيا.
صحيح، فقد شاركت في هذا المؤتمر قبل ثلاثة أسابيع في موسكو، حيث دعيت لمؤتمر عن القرنية المخروطية. وأقمت هناك ورشة عمل عن زراعة الأهلّة البلاستيكية في العين. وكثيرًا ما أقوم بتدريس هذا الموضوع في المؤتمرات الطبية في العالم. ويُعقد هذا المؤتمر في أوروبا مرتين في السنة، كل مرة في إحدى العواصم الأوروبية. ويحضر هذه المؤتمرات نحو خمسة آلاف طبيب، وفي نطاق المؤتمر أدرّب الأطباء المختصين، بمجال القرنية المخروطية.

– أصدرت كتابًا بهذا الموضوع.
نعم، فقد حرّرت كتابًا عن القرنية المخروطية باللغة الإنجليزية، وهو كتاب تعليمي للأطباء، كما أحررّ مجلّة دوليّة منذ خمس سنوات، عن القرنية المخروطية، نتيجة اتساع الاهتمام بهذا المرض، والتحسن بوسائل تشخيصه، وبالتالي بوسائل علاجه. وهذه المجلة تقدم المعلومات الحديثة وآخر المستجدات في معالجة مرض القرنية المخروطية.

– هذه المؤتمرات تعود بالفائدة على المشتركين.
بالتّأكيد ففيها يتبادل الأطباء المعلومات، وكل مشترك يستفيد ويفيد في مجال اختصاصه، وتقديم المشورات. وكلنا نعيش في هذا العالم بتواصل مستمر، نتبادل الآراء في كل بقاع الأرض. وفي السابق، منذ ثلاثين سنة مثلًا، عندما كنا نواجه مشكلة ولا نعرف كيف نحلها، نضطر لأن نتصل بالمختصين في البلاد ونتشاور عن الحلول. ولكن اليوم بكبسة زر على الحاسوب ينفتح أمامك العالم كله. والذين كنت أستشيرهم في الماضي أصبحوا يستشيرونني في الحاضر.

– هل تجد إقبالًا على ممارسة مهنتكم من الأجيال الصاعدة؟
هذا أمر طبيعي، فمثلًا ابني رامز، يستكمل لهذا الموضوع في بريطانيا. وغيره كثيرون الذين ينتظرهم مستقبل واعد في هذا المجال. هذا يعود إلى زيادة الوعي في أوساط الجمهور.

– كيف تنظر إلى سنواتك الأربعين الماضية؟
أمضيت هذه السّنين بالكفاح والجهد، والعمل الجاد والمثابرة، والالتزام والإخلاص للمريض. وكان هذا ممتعًا بغاية المتعة.

– ماذا تقول للجمهور اليوم؟
كل ما نطلبه من الجمهور التوجّه للطبيب في حال وجود أي شك، فعنده الجواب اليقين. وإن لم يكن الجواب كافيًا وشافيًا فلا بأس من الاستماع لمشورة طبيب آخر. فالانتظار لا يحلّ المشكلة.

– كيف ترى المستقبل في طب العيون؟
سيكون حالنا مختلفًا جدًا، وما نعمله اليوم سيكون قديمًا، ولكن كلّ ما هو آت يعتمد على ما سبق. ويدخلون عليه التطوّر والتّحسين.

– نشكرك شكرًا جزيلًا..
نتمنّى للجميع الصحّة والسّلامة.
بربارة5

بربارة4

بربارة3

بربارة1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *