استراحة المحارب

مراسل حيفا نت | 28/11/2016

سطّر يا قلم
استراحة المحارب
عفيف شليوط
مرّ على انطلاق زاويتي الأسبوعية “سطّر يا قلم” في صحيفة “حيفا” ما يقارب أربع سنوات، حاولتُ من خلالها أن أطرح قضايا تهم جمهور القرّاء، وتعبّر عن آلامهم وأحلامهم وتطلعاتهم. شعرت أثناء الكتابة لهذه الزاوية بسعادة ما بعدها سعادة، فهي تجربة أعتزّ بها، وستبقى هذه التجربة بمثابة محطّة هامة في حياتي لا يمكن أن أنساها على الإطلاق، خاصة عندما كنت أتلقى ردود الفعل من القراء الذين كانوا عندما يلتقون بي، يعربون عن إعجابهم بما أكتب، وبالذات عندما كانوا يقولون لي إني أعبّر عمّا يختلج في قلوبهم.
إن من يكتب بصدق يدخل قلوب القرّاء بلا استئذان، لكن بالمقابل هذا الأمر لن يروق للبعض، خاصة من لا يريدون أن تصل الحقيقة إلى الناس، وهم للأسف كثر في أيامنا هذه. فهنالك من لديه مصالح تتضارب مع أحلام الناس وطموحاتهم، وهنالك من ربط مصيره بمصير أسياده يتحرّك كما يشاؤون، ويصرّح بما يرضيهم، وينفّذ ما يأمرونه به، وبالتالي إذا أسيادهم استاؤوا من تلك المقالات فهو بالتالي سَيَستاء.
أثارت مقالاتي قضايا اجتماعية وسياسية وثقافية وفنية وصحيّة، مواضيع محلية وعربية وعالمية، ألقيت الأضواء على أشخاص وظواهر في المجتمع نعتز بهم وهم مصدر فخر لنا. كتبتُ عن ظواهر مؤلمة في مجتمعنا، عن مؤسساتنا الثقافية والاجتماعية والتربوية، عن رحلاتي وجولاتي في أنحاء العالم، مقالات نقدية لمسرحيات شاهدتها، تأملات، ملاحظات وتعقيبات، عن مسرحنا المحلي، عن عدم تقبّلنا للآخر، عن الانتخابات البلدية والكنيست، عن أحداث مصر وسوريا، عن التعيينات في بلادنا، الأدب الساخر، موقفنا من النقد، عن هجرة الشباب، قرعت جرس الإنذار أكثر من مرّة في هذه الزاوية، عن دور المثقف في المجتمع، قضايا التربية والتعليم في الوسط العربي.
لكن الإنسان أحيانًا بحاجة إلى التأمّل والتفكير بعمق، يحتاج إلى الراحة ليستعيد قواه من جديد، وأنا بحاجة ماسة للتفرّغ لإجراء أبحاث أكاديمية ستحتاج وقتا وجهدا، كما أني مُقدم على كتابة وإخراج مسرحية جديدة بحاجة إلى أن أُركّز كل طاقاتي من أجل إخراج هذا العمل الإبداعي إلى النور. لهذا سأضطر للتوقف عن كتابة هذه الزاوية لفترة زمنية لا أستطيع أن أحددها حاليا، رغم أني أحببت هذه التجربة الجميلة، وتمتعت بهذه العلاقة الحميمة مع قرائي، لكنها استراحة المحارب، الذي يبتعد عن ساحة المعركة ليستعيد قواه من جديد ويضع خططًا جديدة للانطلاق من جديد.
وعذرًا من الشاعر الكبير نزار قباني الذي يقول:
لا يوجد شيءٌ اسمه استراحة المحارب
ولا يوجد إجازاتٌ صيفية
ولا إجازاتٌ مرضية
ولا إجازاتٌ إدارية
فإما أن تكون متورطاً
حتى آخر نقطةٍ من دمك
وإما أن تخرج من اللعبة.
afif

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *