“زوبعة” پيرس!

مراسل حيفا نت | 07/10/2016

395944_10150528069802914_723279051_nمطانس فرح
في أعقاب الزّوبعة الصّرصَر الّتي أثيرت حول موقف المشتركة الأخلاقيّ/الإنسانيّ بخصوص عدم المشاركة في مراسم دفن وتشييع رئيس دولة إسرائيل السّابق، شمعون پيرس؛ موضوع الكرامة والوطنيّة والأصالة والأخلاق والعزّة والإنسانيّة، انشرخ جرّاءَه مجتمعنا العربيّ بين معارض ومؤيّد، بين لاعق ومتقيّء، بين أخلاقيّ ولا-أخلاقيّ، بين جماعة الشّهامة والرّفعة وثلّة الحقارة والتّذلّل.. موضوع الشّراكة في الجنازة أو عدمها هو موضوع كرامة، كرامتنا نحن الشّعب الفِلَسطينيّ، والتّذكير بالرّواية التّاريخيّة لسكّان عرب هذه البلاد الأصلانيّين.
نحن لا نعيش في الماضي، نحن نعيش الحاضر.. نعيش حاضر الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة، هذا الحاضر الّذي يذكّرنا، يوميًّا، بالتّهجير والتّشريد ومصادرة الأراضي والاضطّهاد والتّمييز والقمع والقتل والتّحقير، والتّقليل من شأن وقيمة وكرامة وإنسانيّة العربيّ الفِلَسطينيّ.
إنّ قرار نوّاب القائمة المشتركة، وعلى رأسهم الصّديق النّائب أيمن عودة، بمقاطعة مراسم دفن “حمامة السّلام”، الرّئيس الأسبق لدولة إسرائيل، شمعون پيرس، هو قرار صائب برأيي. فـ”رجل السّلام” هذا، عمل على إقامة المفاعل النّوويّة في ديمونه، خاض حروبًا دمويّة شرسة بحق شعبنا الفِلَسطينيّ والشّعب اللّبنانيّ، وترك بصمة سوداء تاريخيّة دامغة في جرائم ومجازر إسرائيل بحق شعبنا وشعوب المِنطقة، وتواطأ مع اليمين المتطرّف فعمل على تبييض ماء الوجه، فحلّق فوق رؤوسنا كالحمامة الوادعة وانقضّ علينا كالنّسر الجارح.
المشاركة في مراسم الدّفن وتقديم العزاء أجدها أشبه بزيارة المقتول للقاتل، المظلوم للظّالم، الذّليل للمُذِلّ.. والمقاطعة جاءت لتؤكّد رفضنا التّنازل عن كرامتنا وأخلاقنا وإنسانيّتنا ووطنيّتنا واستقلاليّتنا بحقّ شهدائنا وأبناء شعبنا، كَيْلا تُستبدل بمشاركة تعتبر تقدمة إضافيّة منّا على مذبح الأضاحي والتّنازلات، أمام سياسات مُحتلّ وقاهر وغاصب تخلّى عن إنسانيّته وأخلاقه منذ عقود.
إنّ لمقاطعة النّواب العرب جنازة پيرس دلالة سياسيّة هامّة، ومؤشّر على أنّ الشّعب العربيّ الفِلَسطينيّ، أو لنقل المجتمع العربيّ في إسرائيل، ثار فيها وتمرّد على الرّواية الصِّهيونيّة الّتي جمّلها پيرس، والّتي تجاهلت تاريخ ومشاعر وإنسانيّة الأقليّة العربيّة الأصلانيّة في هذه البلاد. إنّ المقاطعة تأتي للدّلالة على الاستقلاليّة.. نرفض أن يستغلّ الجلّاد المقاطعة ليستخدمها سوطًا آخر يجلد فيه شعبنا. لقد أتت المقاطعة بثمارها، فحملت سردًا مغايرًا لسرد الحكومات اليمينيّة عن الأقليّة العربيّة في البلاد؛ إنّ التّهجّم على النّائب عودة وأعضاء المشتركة لعدم المشاركة، لا يطمس ولا يموّه أهميّة اعتراف الأغلبيّة اليهوديّة في هذه الدّولة العنصريّة بألم ونكبة ومعاناة وضحايا الأقليّة العربيّة فيها، وتصحيح الغبن الحاصل لهدف خلق شراكة حقيقيّة مبنيّة على أسس المساواة والعدل والإنسانيّة من قبل الدّولة.

* بين الأبيض والأسود *
وقد أفلح النّائب أيمن عودة الرّد على هذه الزّوبعة حول المشاركة في جنازة الرّئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون پيرس بحديث سياسيّ وأخلاقيّ وإنسانيّ لبق مصوّر، قال فيه: “لقد تابعت باهتمام واحترام النّقاش بين مؤيّد ومعارض لعدم مشاركتنا في جنازة الرّئيس الأسبق لإسرائيل شمعون پيرس. وبقناعتي العميقة بأنّ هذا النّقاش ليس صحيًّا جدًا وحسب، وإنّما مصدر اعتزاز.. فهناك من يتصرّف مثل القبيلة بتوجيه من وسائل إعلام تذكّر بالأنظمة الشّموليّة.. ولكن جمهورنا يناقش، ويناقش بحدّة. وهكذا يجب أن يكون. وانا شخصيًّا أتعلّم وأتثقّف من هذه النّقاشات؛ بل أكثر من ذلك فجزء من الادّعاءات مهمّ ويحمل وجهة نظر هامّة للغاية. من ناحيتي على الأقلّ، فهذا القرار مثلًا لم يكن بين أبيض وأسوَد، ولا بين خطأ أو صحّ مُطلقَيْن.. وإنّما كان قرار عدم المشاركة صحيحًا إلى جانب احترام الأفكار الأخرى.”

* لا نقبل بالهيمنة، بالعنصريّة، بالاستعلاء *
وأضاف عودة: “ماذا نريد.. نحن الجماهير العربيّة التي بقيت في وطنها بالجليل، بالمثلّث، بالمرج، بالنّقب والسّاحل.. نحن بأغلبيّتنا السّاحقة، نريد الأمور التّالية: أن نبقى في وطننا محافظين على انتمائنا القومي، وأن ننال المواطنة الكاملة، وأن نساهم في التّأثير على القرار السّياسي من أجل السّلام، وفي صُلبه إقامة الدّولة الفِلَسطينيّة وأن نؤثّر في مجمل القرارات السّياسيّة والاجتماعيّة.. كلها تمامًا.”
وتابع: “ولأنّنا نريد المواطنة الكاملة الحقّة، فمن الطّبيعي ألّا نقبل بالهيمنة، بالعنصريّة وبالاستعلاء.. خذوا بعض الأمثلة من هذه الهيمنة التي حدثت فقط في هذين اليومين: اليوم (2 تشرين الأوّل) يحلّ رأس السّنة الهجريّة ورأس السّنة العبريّة.. فلماذا حيّا رئيس الدولة وكل أعضاء الكنيست من الأحزاب الصّهيونيّة اليهود لمناسبة رأس السّنة العبرية، مقابل تجاهل كامل للمسلمين لمناسبة رأس السّنة الهجريّة؟! بينما أنا بصفتي رئيسًا للقائمة المشتركة حييت المسلمين واليهود. مثال إضافيّ للهيمنة: في اللّقاء التّلفزيونيّ في القناة الإسرائيليّة الثّانية توجّه إليّ أحد المعلّقين السيّاسيّين على أنّنا نعيش في الماضي! أيّة هيمنة هذه التي تجعل الحركة الصّهيونيّة تنطلق بمشروع شموليّ مبنيّ على رواية من قبل 2000 عام؛ أمّا نحن فممنوع أن نتحدّث عن الأمس القريب الذي عاشه أباؤنا الشّخصيّون.. أبي أنا مثلًا؟!”

* ماذا مع إحيائنا لأحداث يوم القدس والأقصى؟! *
وقال: “مثال آخر للهيمنة هو أنّ مَن لم يحضر الطّقس القومي لوفاة پيرس فهو يسيء للعلاقات اليهوديّة – العربيّة.. وماذا مع إحيائنا لأحداث يوم القدس والأقصى تشرين الأوّل/ أكتوبر 2000 بالأمس. الشّباب الثّلاثة عشر الّذين قُتلوا على يد الشّرطة الإسرائيليّة، والتي قرّرت لجنة تحقيق رسميّة (لجنة اور) بأنّه لم يكن هنالك أيّ مبرّر لقتلهم على يد الدّولة.. فهل فكّر وزير واحد أن يعتذر ويطلب المشاركة بوضع أكاليل الزّهور على الأضرحة؟! أمس الأوّل وأمس وقفت أمام أضرحة كلّ الشهداء واحدًا واحدًا.. وذهبت مع زوجتي وأبنائنا الثّلاثة لوضع الزّهور على ضريح أخ زوجتي الصّغير أسيل عاصلة. هل هناك من أساطين الإنسانيّة من فكّر بأن أذهب لجنازة الوزير في حكومة براك سنة 2000، والّذي لم يفكّر بالاعتذار؟! وفي اليوم الثّاني أن أزور أضرحة ضحاياه، أضرحة أبنائنا؟! هذه الهيمنة العنصريّة أيّها الأخوة هي النّقيض تمامًا لمن يريد منّا أن يعيش بمواطنة كاملة ومساواة.”

* المواطنة لا تتحقّق بإلغاء الذّات *
وأردف النّائب عودة: “أنا أقول لكم هذا الكلام لأنّني لا اعتبر أنّ علاقتنا مع المواطنة ومع المجتمع اليهوديّ هي علاقة 5 سنوات أو 10.. لو كانت كذلك فربّما قلنا.. “مشّي حالك هالأكم سنة”، ولأنّني مدرك أنّها علاقة استراتيجيّة، فأريدها أن تُبنى على أُسس الاحترام والتّفهّم.”
وأوضح: “لهذا فالمواطنة لا تتحقّق بإلغاء الذّات… هل معقول أن تفتح الطّقوس الرّسميّة، ولمدّة يومين كلّ نشرات الأخبار العبريّة بموقف القائمة المشتركة؟! أعرف أنّ هذا كان ضاغطًا لبعض الأوساط..! ولكنّه مهمّ على المستوى البعيد، إذا أحسنّا التّعامل.”

* الطّريق للشّراكة الحقيقيّة الكاملة طريق وَعريّة تحتاج إلى نفس طويل *
وقال النّائب عودة: “أعرف أنّ بعض الأخوة يطالبنا بالمشاركة من الباب البرغماتي.. وهؤلاء يستحقّون النّقاش باحترام شديد. ولكن هناك من يتعامل بخسّة بالتّوجّه، بل وبأكثر من ذلك، يتعامل بغدر..! وانا أقصد التّعليقات والمواقف الّتي تُكتب، “الأمثال الوضيعة”: “بوس الكلب من ثمّه تتقضي حاجتك منّه”.. أو “الإيد اللّي بتقدرش تكسرها بوسها وادعي عليها بالكسر”.”
وأشار إلى أنّ “هذه ليست خسة ونقيض للمواطنة وحسب، وإنّما هي نفسيّة غدر، فأنت تريد أن تغدر المواطنين اليهود لأنّهم اليوم أقوى.. هكذا لا يتصرّف إنسان أو قائد محترم.. أنا لا أغدر الجمهور اليهوديّ.. أنا أتصرّف معه بصدق ونُبل وأخلاق.. نحن نريد النديّة والكرامة والاحترام العميق المتبادل بالعلاقة بين الشّعبين.”
ولفت إلى أنّ “الطّريق للشّراكة الحقيقيّة الكاملة طريق وَعريّة تحتاج إلى نفس طويل، ولا يمكن أن تتحقّق إلّا بالمساواة الكاملة وليس بالابتسامات الباهتة أو الإكراميّات أو بقبول الانحناء، وإنّما بالمواجهة الأخلاقيّة الكريمة والديمقراطيّة التي تحرص على مصالح الشّعبين.”

* أقدّر جدًا من قال وكتب بأنّ لپيرس أمور جيّدة *
وقال عودة: “وأنصفكم القول بأنّني أقدّر جدًا مَن قال وكتب بأنّ لپيرس أمور جيّدة.. وبقناعاتي فهذا كلام مهمّ للغاية، وربّما أنا أعتبرها أقوى حجة لمن يدعم المشاركة.. ومع ذلك فمهم أن نضع الأمور بسياقها فإنّ بيرس هو صميم المشروع – ولا أريد أن أتحدّث عن الماضي وحسب – ليس من منطلق أنّ الحركة الصهيونيّة مسموح لها أن تتحدّث عن 2000 عام أمّا أنا فممنوع من أن أتحدّث عن هذا المشروع الذي نكبَ شعبنا، واحتلّ الـ67 وكان مدير عام وزارة الأمن أبّان الحكم العسكريّ، وكفر قاسم وعدوان الـ56.. بل أريد أن أتحدّث عن دوره الدبلوماسيّ طيلة السّنوات العشر الأخيرة لتبرير حكومات اليمين أمام العالم وأبّان العدوان المتكرّر على غزّة.. وصمته الكامل والمُطبق عن عشرات القوانين العنصريّة والتّصريحات ضدّنا. وقد ذكرت بكل وسائل الإعلام هذا الدّور الإيجابيّ والهامّ فعليًّا بدفع العمليّة السّلميّة، وبالتّعامل معنا كجسم مانع، وأنا لا أقلّل أبدًا من هذا.. بل أحزابنا هي التي أقنعت الجمهور العربي – وجزء منه مقتنع أصلًا – بأن يصوّت لپيرس في مواجهة نتنياهو عام 1996، ورغم مجزرة قانا الرّهيبة، حصل على 90 بالمِائة من أصوات شعبنا، فقط من أجل أن يواصل العمليّة السّلميّة.. ولكنه لم يحصل على أكثر من 40 بالمِائة من أصوات المواطنين اليهود.. والحالة الإعلاميّة الإسرائيليّة القطيعيّة تتجاهل كل هذا، وتتجاهل أنّ الذي أسقط پيرس مِرارًا منذ السّقوط التّاريخي عام 1977، والّذي شتمه واعتبره ميكيافيليًّا ووصوليًّا هي الأحزاب الصّهيونيّة، والآن بزيف يبنون طقوس القبيلة والذّاكرة الجماعيّة ويطالبوننا نحن بأن نشاركهم البناء..”
وتابع: “عند كلّ قرار أفكّر بالعامل العربي الذي يلتقي مع الجمهور اليهودي صباح الغد، أنا مؤمن بإخلاص بالوطنيّة الصّادقة.. أرى أنّ أحد المقاييس الأساسيّة لاتّخاذ أي موقف هي التّفكير بالعامل العربي الذي يلتقي الجمهور اليهودي صباح الغد.. بالطّبيب، بالمرأة المحجّبة داخل الحافلة أو القطار.. أرفض الوطنيّة المتعالية على حياة النّاس.”

* نعبّر عن كرامة شعبنا *
وقال: “القائد المخلص لشعبه.. ما دام وُجد في المواجهة – يجب أن يدفع ثمنًا أكثر من شعبه.. وباليومين الأخيرين تلقّيت تحريضًا شخصيًّا رهيبًا.. ولكنّني أتلقى ذلك بقناعة مبدئيّة، كما أنّني لا اؤمن بالقيادة الغوغائيّة التي عندما تتحدّث بوسائل الإعلام العبريّة فمعيار المسؤوليّة لديها يكون منخفضًا؛ بل بمسؤوليّة وعناية نتّخذ المواقف كي نعبّر عن كرامة شعبنا.”

* لنواصل هذا الحوار الوطني ونواصل مسيرتنا وتطوّرنا بكرامة وطنيّة ومسؤوليّة عميقة *
وأوضح: “للقائمة المشتركة ناهيك عن ميزة التّحالف الواسع الذي جمع كلّ الفعّاليّات السّياسيّة التي تخوض انتخابات الكنيست.. هناك ميزتان بأنّنا نجتهد جدًا لمخاطبة الجمهور اليهوديّ، وهناك من اتّهمنا أحيانًا بأننا نزيدها في هذا الجانب، وأنا لا أوافق هذا الرأي. والأمر الآخر أنّنا اتّهمنا بالاهتمام المفرط بقضايا النّاس اليوميّة حين اجتمعنا عشرات المرّات بخصوص الخطّة الاقتصاديّة، وأثّرنا عليها تأثرًا كبيرًا، إلى جانب الأخوة رؤساء السّلطات المحليّة، وحين حصّلنا 90 مليون للسّلطات المحليّة من وزارة البيئة، وحين دفعنا ونجحنا بالإعلان عن أحياء سكنيّة في عدّة بلدات.. وعلى هذا يشهد ويعتز رؤساء السّلطات المحليّة.”
وختم عودة حديثه، قائلًا: “شكرًا لمن انتقد ولمن لاحظ ولمن أثنى على الموقف.. لنواصل هذا الحوار الوطنيّ، ونواصل مسيرتنا وتطوّرنا بكرامة وطنيّة ومسؤوليّة عميقة.”
%d8%a3%d9%8a%d9%85%d9%86-%d8%b9%d9%88%d8%af%d8%a9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *