مجتمعنا يمرّ بحالة انحلال وتفكّك، من مجتمع جماعيّ إلى مجتمع فردانيّ

مراسل حيفا نت | 02/10/2016

الشّاعرة نداء خوري
مجتمعنا يمرّ بحالة انحلال وتفكّك، من مجتمع جماعيّ إلى مجتمع فردانيّ
لقاء أجراه نايف خوري
تعمل بروفيسور نداء خوري الشّاعرة في جامعة بئر السّبع، كمحاضرة كبيرة في قسم الأدب العبري وقسم الإدارة وتسوية الصراعات. صدر لها 12 كتابًا في الشّعر والنّثر، وترجم معظمها إلى عدّة لغات. تقيم الآن في حيفا وتعمل على معالجة القضايا وطرح الإبداع الفكري والأدبيّ بصورة مغايرة.

– لك صوت مغاير في الشّعر، وتجربتك في الكتابة تتفرد عن التيّار التقليدي أو المتعارف عليه، ونجد كثيرًا من الأوراق والأبحاث النقديّة التي كتبت عن شعرك أنّه يتميّز بحساسية خاصّة، فمنذ متى بدأت كتابة الشّعر؟
منذ وعيت بدأت محاولات الكتابة، لا أذكر بالضّبط متى. نعم إنّه صوت فلسطينيّ مقاوم، إلّا أنّه ليس الصّوت الذكوري، بل هو أكثر تركيبًا وتعقيدًا. صوت يطرح التّساؤلات والشّكوك، وينشغل في البحث عن الحقيقة… ولا يقبل بالمسلّمات كبديهيّات، وقد بدأ انطلاقًا من الآخر الأنثوي في مجتمع ذكوريّ، والآخر الحضاري في مجتمع تقليدي محافظ، والآخر القومي في صراعه المستديم، وطوّر لديّ نوعًا من الارتياب حيال الأمور، فحاولت الدّخول في صلب وكُنهِ هذه القضايا التي عالجتها عن طريق الكتابة.

– ماذا وجد الباحثون في النّقد الأدبي في شعرك؟
كمٌ وافرٌ من الأوراق النّقديّة ومن الباحثين الضّالعين تناولوا ما نشرت من شعر ونثر، آخرها ما نشره أحد كبار الباحثين في النّقد الأدبي البروفيسور صبحي البستاني، المحاضر في جامعة السوربون في باريس، كتب مقالة نقديّة مُسهبة بعنوان “الأدب العربي في إسرائيل: نحو حساسيّة جديدة” ترجمته عن الفرنسيّة الدكتورة بسمة العمري، تناول فيه مجمل مؤلّفاتي، ودعاني إلى مؤتمر عقد في السوربون. واعتبر أنّ إنتاجي الشّعري يُشكل مرحلة جديدة في الأدب الفلسطيني داخل إسرائيل. وذلك نظرًا للحساسية حيال الصّوت الأنثوي، وهويّة المرأة العربيّة الشّرقيّة التي ترفع صوتها تحت ظروف الاحتلال، والمجتمع الذّكوري، وكونها أقليّة متداخلة في أقليّات أخرى.

– عندما نتحدّث عن الشّعراء الفلسطينيين لا بد أن نذكر كبار الشّعراء المعروفين مثل محمود درويش وسميح القاسم وحنّا أبو حنا وغيرهم الكثير، ولكنّنا عندما نتحدّث عن الصّوت النسائي في الشّعر الفلسطيني نجد نداء خوري تتميّز عن سائر الشّاعرات.
هذا يسعدني، خاصّةً أنّ كثيرًا من الشّاعرات والأديبات يقمن بواجبهنّ دفاعًا عن المرأة والصّوت النسائي الفلسطيني، وأنا أحيي كافة الشّاعرات والأديبات العربيّات على جهودهن بإسماع صوتهنّ، كل واحدة بطريقتها وأسلوبها الخاص بها.

– ماذا تنقلين إلى طلّابك في الجامعة؟ وهل تتطرّقين إلى المبدعات العربيّات؟
في رصيدي خمسة عشر سياقًا تدريسيًّا، درّستها خلال عشر سنوات في الجامعة، أتناول في سبعة منها الأدب الفلسطيني في الدّاخل منذ ستين عامًا إلى اليوم، بالتّحليل النفسي، والنصّي، ورصد بُعد النكبة، والخوف والإحساس في النّقص الذي نعاني منه كجيل النكبة وما تلاه. وأدرّس جُل ما كتبَته النّساء الفلسطينيّات في البلاد. وقد أنجزت بحثًا أكاديميًّا دام ثلاث سنوات عن شعر الّنساء الفلسطينيات بعنوان “مبدعات في ظلّ الصّراع”، وأنا أعمل على إعداده ليصدر في كتاب. وأعمل مع الطّلاب على رصد ما كتبته المرأة العربيّة، وفيه نحلّل وضعها الاجتماعي والاقتصادي على مدى الفترات من عام 48 وحتّى 67 و73 إلى سنوات الثّمانين والتّسعين، وماهيّة الصّوت النّسائي مع التحليل الدقيق لهذه النّصوص.

– ماذا وجدت من تطوّرات في هذا الصّدد؟
وجدت كيف بدأ صوت المرأة يتحرّر من “ال نحن القومي”، إلى نحن الجماعة، إلى نحن النّساء، إلى أنا المرأة الأم، الأخت، وإلى أنا الأنثى، وأنا الإحساس. وفقط في سنوات التّسعين تجرّأت المرأة الفلسطينيّة أن تتحدّث عن إحساسها. فهذا مسار تطوّري في ظلّ احتلال وصراع ومجتمع تقليدي. ولذا وجدت نفسي أقرأ كلّ ما كتب عن النّساء العربيّات في إسرائيل، وشملت في البحث 46 كاتبة، واعتمدت بالتّحليل على 14 منهنّ.

– وها أنت تعودين للإقامة في حيفا، فهل ستواصلين أبحاثك؟
اليوم، وبعد 11 سنة في بئر السّبع أعود إلى الشّمال، وأقيم في حيفا، على أمل التّفاعل مع حياة ثقافيّة أخرى. وفعلًا، وجدت العديد من الأسماء التي تنشط في حقل الأدب، منها الغث ومنها السّمين، وإنّنا نشهد الأمسيات الثقافيّة التي تقام هنا وهناك. وربما يدلّ هذا الكمّ على شيء من الاستسهال الأدبي، أو يبعث نوعًا من الإحباط. كثيرة هي الدّعوات لهذه الأمسيّات، ونجد معظمها يقام لإصدار أو لإشهار كتاب أو مجموعة شعريّة. هي نهضة مباركة لنشاط ثقافي وأدبي كثيف، إلّا أنّ السّؤال يبقى مفتوحًا حول ماهية مشروعنا الفكري، ومقوّمات وعينا الجمعي والفردي، وسمات هذه الحقبة، وإلى ما سوف تؤول بنا في خضمّ هذه المرحلة التّاريخيّة العاصفة محليًا وإقليميًا.

– ما هي إصداراتك الجديدة؟
صدر لي أربعة كتب عام 2011، هي “كتاب الخطايا” في الولايات المتّحدة، الصادر عن دار النشرH.N.P في نيويورك. وكتاب “مواسم الزيت والرمان” في إيطاليا الصادر عنIL LABORATORIO في نابولي مترجمًا للإيطالية. وكتاب “بجسد آخر” الصّادر بالعبرية عن دار النشر קשב في تل- ابيب. و”كتاب الخلل” الصّادر عن مكتبة “كل شيء” في حيفا.

– كتاب الخطايا ترجم إلى لغات أخرى..
صحيح؛ صدر باللّغات الثّلاث: العربيّة والعبريّة والإنجليزيّة، وقد تمّ ترشيح وقبول “كتاب الخطايا” ضمن 12 مؤلّفًا عالميًّا لنيل جائزة جامعة “ووريك” البريطانيّة 2013.

– بينما كتاب الخلل الذي صدر عن مكتبة “كل شيء”، يختلف في شكله ومضمونه، وهو تمرّدي محض..
نعم “كتاب الخلل” صدر عن مكتبة “كل شيء”، مبنى هذا الكتاب يشبه الأكورديون وخاصيّته أنّ الأوراق تحرّرت من ربطها بقاعدة واحدة تجمعها كلّها وتلزمها بمرجعيّة واحدة. وهي تعكس تفرّد الورقة واستقلاليّتها، ولدعم بقائها واستمرارها، لا بدّ لها من أن تتمسّك بما قبلها وما بعدها لتدعم وجودها. إذ ليس لها مرجعيّة واحدة توحّد جميع الصّفحات وتلزمها بالتقيّد بها. حاولت في هذا الكتاب أن أبيّن مبنى المجتمع عن طريق مبنى الكتاب نفسه، فالكتاب في مبناه التّقليدي يعكس المبنى المجتمعيّ لمجتمع جماعي ذي مرجعيّة واحدة، أيديولوجيّة أو دينيّة أو قبليّة أو غيرها، أمّا كتاب الخلل فيعكس مبنى مجتمع فرداني يتألّف من أفراد تحرّروا من الالتزام الجماعي لمرجعيّة واحدة. وأنا أعتقد أنّ مجتمعنا يمرّ بحالة انحلال وتفكّك، من مجتمع جماعي إلى مجتمع فرداني. فمجتمعنا التقليدي الديني المحافظ في طريقه إلى التفكّك، على مستوى مجموعات طائفيّة أو دينيّة أو حزبيّة وغيرها، وليس على مستوى المجموعات فحسب بل على مستوى الأفراد، فانتماء الفرد أوّلًا لذاته وللعالم الحضاري وللعولمة أكثر منه انتماء للقبيلة والجماعة والبلد والعائلة.

– كُتِب عنك أنّك شاعرة الجسد الذي يتمثّل بالقدسيّة والأحاسيس والجرأة. فهل لهذا انعكاس أيضًا في كتاب “الخلل”؟
نعم؛ فالجزء الأعلى من صفحات كتاب “الخلل” يُمثل أعلى الجسد ويحتوي مُجمل النّص، ثم يأتي نصُّ “وصية الزّنار” بفصلٍ حكيمٍ بين أعلى الجسد وأسفله، وهو فصل فلسفي تهكّمي، لتأتي الأنا أو الأناوات في أسفل الصفحة بمثابة القوائم والأقدام، تعبّر عن ذاتها القائمة المدعّمة بالذوات (Objects).

– ماذا بخصوص المضمون في كتاب “الخلل”؟
كتاب “الخلل” يتناول فكرة الخلاص، وذلك من خلال نهج تحليليّ وتفكيكيّ لطقس المناولة، أحد طقوس الدين المسيحي، بما يرمز له من غفران وخلاص، وهو عبارة عن مناقشة لفكرة الخلاص بعدّة مستويات، الخلاص النفسي والذاتي والوجودي، وفلسفة الوجود، وصراع الخلاص في كافّة أبعاده.

– إنّك تعالجين وضع حبّة الحنطة وحبّة العنب في قصائدك في هذا الكتاب.
صحيح.. إذا نظرنا إلى حبّة القمح نرى شكلها أنثويًّا، ويوحي بالجنس الأنثوي. ففي باب المناولة أخذت حبّة الحنطة كموتيف في كل مراحل سيرورتها، من البذار للسّنبلة إلى البيدر، ثم السّلق والجرش، وكذلك حجر الرحى والطاحون، والعجين والفرن والنّار والخبز، وغيرها. باختصار كافّة مراحل كينونتها من غرسها وحتى تناولها كخبز أو كقربان. وفي هذا ما يمثّل وما يدلّ على الجنس الأنثوي ونسل حواء، ويتضمن الدلالات السياسيّة والاجتماعيّة والقهر والسحق والاحتلال والقمع والظلم، وكذلك في أسفل الصفحات أتحدّث عن الأغراض والأدوات المتعلّقة في سيرورة القمح، كالمنجل والمذراة والزند والغمر ولوح الدرس، النورج، والطاحونة والفرن والجمر والخميرة والخبز وقربان الهيكل. وما يمثّل العنصر الفرداني وكيفيّة تجانسه مع الجماعة، فلكل فرد كيان ولكل سنبلة انفراديّة، ولكنها كلّها تكوّن الجماعة. ونبات الحنطة في الحقل يجسد الوجود الفردي وفلسفة المكان. كما كسرت في هذا الكتاب قاعدة النّوع الواحد في الكتابة، إذ كتبته بالفصحى وبالمحكيّة، والكتابة شعرًا ونثرّا. فخلصت إلى أنّه لا حتميّة للقواعد في الكتابة.

– وماذا بشأن حبّة العنب؟
نعم حبّة العنب هي موتيف باب الخلاص، الباب الثّاني المضاد والمقابل، وهي تمثّل في شكلها الذكوريّة بكل دلالاتها. وفي تظافرها مع سياق الحنطة الأنثويّ للدّلالات فإنّها تجسّد فلسفة النّقائض، وفي العنب تتمثّل فلسفة الزّمان. فالعنب يمثل الحضور والغياب، يحضر ويغيب في الأقبية، نشربه فيُغَيِّب الوعيَ، وبعض ما ورَد عن العنب في مسار التحوّل كان، سلالة الذّكور، آلام العنب، البذرة، العنقود، الكرم، القبو، التخمير والخمر، الجرار والفخار، وإن كانت السنبلة فرديّة فإنّ الجذع الواحد والأصل الواحد في العنب يشكّل المبنى الجماعي والأصل الذكوري وشجرة العائلة الشّاملة للجماعة.

– هل لكِ أن تعطينا شيئًا عن الحنطة؟
طبعًا بكلّ سرور:
“أنثويّة أشقّ بطن الخصب، أطلع من الأرض، ساقي قصب ناري، سّبلي ذهب مصفَر، قامتي بدْءٌ من تاريخ الحرث، وتاريخي حقل ينسخُ خصري النحيل.
في الحقل مِلْنا، مَجْمعُ خلان، كلُنا أفراد جَمْعُنا مستحيل،
نبتنا من ذات ذاتنا، كبرنا
لاحقتنا الرّيح، حوّطت أعناقنا بالخبز اليابس، قطّعت أقدامنا قصباً، وراحت تلوينا أطباقا على درب الخلاخيل.
هيولة من تراب، قصبٌ، سبلٌ، حنطة، مادةٌ من صلب الأرض بدني،
منسول من ظهر الثلم سنابلَ قمح، جيشُ فقرٍ آتٍ يتحدى قعرَ العيش”.

– وعن حبّات القمح..
“حبات القمح
يا بنات صغار
مَرّوا على لوح الدرس
طلع الدرس مشوار”.

– وعن الفرن..
“حنطة يا حنطيّة
مال الهوا في ذيالك
ولّع لهيب النار فيِّ”.

– وماذا عن حبّة العنب؟
“على الصّدور
شامة
من بدئها جوع
يتدرب بين الثغور
في نضجها شهوة
كأها حلمات
تغور في مدارات الخمور
تجعل للبنين نشوة
وللبنات عيبًا مُبين”.

– ماذا تعدّين للمستقبل؟
أنا أعمل على كتاب بعنوان: “ما بعد الأديان”، وسنتحدّث عنه عند صدوره.

– شكرًا جزيلًا لك..
عفوًا.

unnamed-16

1936582_147680569915_1237938_n

227876_6246129915_8_n

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *