“رسائل غيب”

مراسل حيفا نت | 21/08/2016

رشدي الماضي
وهي مجموعة شعريّة للمبدعة ظبية خميس، تحتفي فيها بالغيب ومحاولة الولوج في تحوّلاته لكشفه بيوميّاته الأرضيّة والشّعريّة من خلال مشاهد وأحداث وأحلام ورؤيا… متجوّلة بين البلاد والطّقوس والناس والأمكنة.
عدد قصائد الديوان (41)، تبدأ بــ”حزانى الوقت” وتنتهي بـ”بؤس العالم”، وتعبر إلى العديد من العناوين، منها: “من أنت – دفتر الوقت – المحو والتذكّر – بيتي – شتاء – الريح – حنين – أشياء صغيرة – في انتظار الحب – بحر ويابسة – كون يدور – كلام الجثث”.
تتميّز المجموعة بنزوحها عن المألوف رغم إضاءاتها للمألوف، معتمدةً على الفتية المبصرة للنصّ الحياتي من عدّة جهات، وارتحال في التفاصيل برؤية تختزل المشهد الشِّعري.. وتفلسفه كاشفة عن العلاقة بين الصّورة والظّل والضّوء.
كأن تأتي بإحدى رسائل الغيب التي يتخفّى خلفها الحضور، وذلك في قصيدة بعنوان: “بشر”: “أيّتها الأبدان. شفّي أكثر وأكثر، اِجعلي شفاءَك مثل ظلّ في المرآة”!!
أمّا في قصيدتها “نحو أوروبا” نحن نجد خارطةً شعريّة التي تعبر فيها الذات من الخرافات متَّجهة إلى الأمس والآن والمستقبل والسّماء والتّطواف والمدن القديمة والحديثة، إلى أن تصل إلى النّهاية المرتكزة على مفاجأة القارئ من خلال مسافة الدّهشة بين الأقرب والأبعد مكانيًّا وزمنيًّا: “ما أقرب الضّفتين، ما أبعد التّاريخ!”.
وفي حيّز آخر تنطلق الشّاعرة شعريًّا إلى نبضها بشكل تائه في الجاذبيّة: “الجاذبيّة متاهة، لا حاجة إلى تفسيرها، ولا بالكلمات ولا بالحجج، الدّم يسري إلى الدم، بمعرفة تدرك مغناطيسها”. وهي بذلك، توافق الدّلالة العلميّة من جاذبيّة ومغناطيسيّة.. بفنيّة تكثّف البُعد الوشيعي للمجال المغناطيسي والكهربائي (الدّم) بالتّلاقي الدائم في المتاهة من خلال الجاذبيّة، وشعاع النَّبض، ولا تلبث هذه الحركة أن تتشكّل بهيئة رحلة اُخرى تكشف عن التّجلّي والتّخلّي في قصيدة “كون يتجلّى”، التي تبدأ بمخاطبة الأنا للوصول إلى الضّوء.
“يا حياتي أريني ما لا يُرى، زهوة الزّمن الأوّل، طقوس الملوك المتوّجين، بزهرة اللّوتس”، ولا يخفى أنّ هذا النّداء وتلك المخاطبة تمتدّ إلى الذاكرة الجمعيّة أو الفرديّة لتستشرف ما كان، وما يمكن أن يكون.
وتلمع الرّحلة في عمقها السّوريالي في هذا المشهد الشِّعري التأمّليّ: “أرني فلكًا يراقص، إيقاع السّماء، وكلمات الله، تتنزّل جواهر، تتالى، في جبل طويل طويل”.
لكنّ الذّات القلقة لا تستقرّ على رحلة، لأنّها تسافر في اتّجاه كون آخر. ففي قصيدة “كون يدور”، تلتقي فيها مع الطّير والزمان والكون مرّة اُخرى. لتعود شاعرتنا إلى العالم متسائلة عنه بدهشةٍ تعبّر عن اللّامعقول الذي يجري في زمننا الرّاهن، بعنوان: “العالم”.. فتقرأ: “العالم.. أين هو؟ كيف هو؟ العالم الذي يحتشد برايات تقاتل في كلّ مكان.. على ماذا يتقاتل؟ تلك الجثث المقطّعة، المقتلة، المتفحّمة، الملقاة في الشّوارع والسّاحات”.
طبعًا، يبرز في هذه المرايا الكلاميّة الجهل بكلّ أنواعه العنيفة والدمويّة. لكن شاعرتنا ظبية تواصل سيرتها ومسيرتها مثل أي إنسان ما زال ضميره مشتعلًا بالمحبّة والسّلام.. نعم! تواصل أيضًا تساؤلاتها عن هذا العالم التراجيدي المأساوي إلى ما لا نهاية.
تواصل ذلك مُستنكرةً عنفه وما يفعله، مستهجنةً الواقع المعاصر، حيث اللّاشيء هو أحد الأجوبة التي تجعل النّاس تقتتل.
والمعروف عن ظبية خميس التي أصْدرت العديد من المجموعات الشّعريّة والقصصيّة والدراسات والأعمال المترجمة.. تكتب رسائلها للإنسانيّة كما يكتب الغيب أحلامه بهيئة القصائد، وتُرسِلها لقارئ يستشفُّ الحياة.
9609635921752

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *