ندوة تأبين الإعلامي نزيه حلبي في الكليّة العربيّة الأكاديميّة للتّربية في حيفا

مراسل حيفا نت | 17/07/2016

5653a663-1996-444f-ab48-15f2b5ced069الصّحافة، المجتمع والسياسة وما بينهما
نايف خوري
أقامت الكليّة العربيّة الأكاديميّة للتّربية في حيفا حفل تأبين للإعلامي الرّاحل نزيه توفيق حلبي، الذي عمل ناطقًا إعلاميًّا للكليّة، بمرور أربعين يومًا على رحيله؛ وذلك بحضور عائلة الفقيد وأولاده، ورجال دين دروز ومسيحيّين، وقضاة وممثّلين عن وسائل الإعلام، من بينها صحيفة “حيفا”.
وتضمّن حفل التّأبين كلمات ألقاها المحامي زكي كمال رئيس الكليّة الذي قال: مَن لا يعرف الوفاء لا يستحقّ العطاء، والصّحافي ليس مَن يكتب فقط، بل هو من يسعى إلى التّغيير وكشف الحقيقة دون اهتمام للاعتبارات الشّخصيّة والسياسيّة، بل تقديسًا لحريّة الرّأي والكلمة. وإنّ المجتمع الذي لا يخلّد أبناءَه وبناته ولا يقول كلمة وفاء بحقّهم، فهو مجتمع فاسد. ونحن في مجتمعنا وفي شرقنا نعيش الآن بمحنة الصّراع والحقد وعدم المحبّة والكراهية بين النّاس لسبب الانتماءات الدّينيّة والفكريّة. ونحن في هذه الكليّة نعيش حالات المنافسة العلميّة والأخلاقيّة والإنسانيّة.
وقال القاضي الدّكتور إياد زحالقة (مدير المحاكم الشّرعيّة في البلاد): إنّ الكلمة الطيّبة صدقة، وابتسامة الأخ لأخيه صدقة، ودمث الخلق صدقة ومن مكارم الأخلاق، فهذه كانت من صفات العزيز نزيه.
وقال القاضي حاتم حلبي (قاضي محكمة الاستئناف الشّرعية الدّرزيّة): يعزّ عليّ أن أقف أمامكم مؤبّنًا الشّيخ الصّحافي نزيه حلبي، بضمير الغائب، فإنّه حيّ ما دامت بصماته تخفق بما أنتجه من الكتابة الصّحافيّة التي اعتمدت على المهنيّة والموضوعيّة.
وقال خليل حلبي شقيق الرّاحل باسم العائلة: العقل يتفهّم ويتقبّل القضاء والقدر لكن المشاعر والأحاسيس ترفض تصديق ذلك. مكانتك وسيرتك في قلوبنا وعلى ألسنتنا، وها نحن نجتمع لأجلك اليوم في هذا الصّرح الأكاديمي، الذي طالما افتخرت بالعمل فيه. لقد كان من المبادرين الأوائل في الدّفاع عن أراضي القرية، وبادر مع آخرين لإقامة جمعيّة للدفاع عن الأرض عام 2004.
وألقى الشّاعر توفيق حلبي قريب المرحوم قصيدة زجليّة معبّرة، جاء فيها:
“يا بو توفيق غفيت ودمع الحزن سال
وتبخّروا الأحلام واسودّ الفضا
وعاجز أنا أعطيك حقّك بالخصال
وأحكيك اليوم بلسان مضى”
وتحدّث في الندوة عن “الصحافة، المجتمع والسّياسة وما بينهما”، عدد من الإعلاميّين.
وقالت ڤيدا مشعور (رئيسة تحرير “الصّنارة”): المهم أنّ الصّحافة يجب أن تعطي من ذاتها للمجتمع، وأن تكون هي البوق لآلامه وأحزانه ومستقبله، وأن تنطق بلسانه دون خوف ولا وجل.
وقال الإعلاميّ والقاضي المتقاعد يوسف إسماعيل، رئيس لجنة الإعلام في الكليّة: الصّحافة في نظري هي موهبة، وإذا توفّرت الموهبة للصّحافي وتعلّم التّكنيك الصّحيح، يمكن أن يعمل في الصّحافة، وبالتّالي فهي عمليّة إبداعيّة.
وقال الإعلامي نادر أبو تامر، من صوت إسرائيل: الصّحافة ليست سياحة كما يعتقد البعض، ولا مجرّد أن نحمل كاميرا ونصوّر، ولا هي سياحة بل سباحة، وأحيانًا الغوص في الأعماق وسباحة ضدّ التيار. وحريّة الكلمة والنشر والحق بالمعرفة، تضمنتها المواثيق الدوليّة وإعلان الأمم المتّحدة. وبالتّالي من الضّروري جدًا وجود الصّحافة لكي يكون هناك ضمير للمجتمع.
ثمّ تحدّث الإعلاميّون سامي عبد الحميد من القناة العاشرة في التّلفزيون العبري، الذي أشار إلى أهميّة عرض قضايا وهموم وأوضاع المواطنين العرب على شاشات الإعلام بالعبريّة من منطلق كشف الحقيقة واطلاع الرأي العام العبري عليها.
وقال فهيم أبو ركن (محرّر صحيفة “الحديث”): إنّ الصّحافة هي مرآة المجتمع، ولذلك عليها أيضًا عرض الإيجابيّات وعدم الاكتفاء بالإشارة إلى السّلبيات، دون التّغاضي عنها. لأنّها بذلك تخون عمليًّا أهدافها ورسالتها.
وأضافت صفاء فرحات بأنّ العمل في مجال الإعلام هو من أصعب المجالات، خاصّةً إذا كانت المرأة هي التي تقوده. وقد وقف عبد الخالق أسدي على أهميّة المصداقيّة في نقل الخبر وبشكل موضوعي.
وعن صحيفة “حيفا” قال الإعلاميّ نايف خوري: الصّحافة هي المهنة التي تقوم على جمع وتحليل الأخبار والتّحقّق من مصداقيّتها وتقديمها للجمهور، وغالبًا ما تكون هذه الأخبار متعلّقة بمستجدات الأحداث على السّاحة السياسيّة أو المحليّة أو الثقافيّة أو الرياضيّة أو الاجتماعيّة وغيرها. وإزاء ذلك، فإنّ الصّحافة جزء لا يتجزّأ من المجتمع الحالي الذي نعيشه، بكافّة جوانبه ومجالاته. فهل كانت هذه أهداف الصّحافة منذ نشأتها؟
الصّحافة هي صناعة الصّحافي لمقالات تهتمّ بجميع الأحداث التي تدور في مجتمعنا، والصّحافيّون هم الأشخاص الذين ينتسبون إليها ويتعاملون ويعملون بها. أوّل مَن استعمل لفظ الصّحافة، بمعناها الحالي، كان الشّيخ نجيب الحداد، منشئ جريدة “لسان العرب”، في الإسكندريّة. أما كلمة جريدة فقد أطلقها أحمد فارس الشّدياق. وتعدّدت الأهداف والنّواحي التي تعمل الصّحافة في نطاقها، كالنّاحية الدّينيّة، حين كان البابا في العصور الوسطى، يسجّل أحداث العام على لوح أبيض ويعرضه في داره، حيث يحضر المواطنون لقراءة ما فيها. وعندما ازداد النّفوذ البابوي، أصبح القول الشفهي، واللّوح غير كافيين، فنشأت النّشرة العامّة، وهي أصل الجريدة الرسميّة الحاليّة في أوروبا.
وأمّا النّاحية السياسية، فكانت مرتبطة بالدول، التي أصدرت النّشرات الأسبوعيّة بمقتضى امتياز تمنحه الدولة، أو المدينة، مقابل فرض الرّقابة عليها. ولا يزال هذا الوضع قائمًا إلى اليوم، وكان النشر من دون تعليق على الأخبار الخارجيّة، وخاصّة السياسيّة والعسكريّة منها، وكان محظورًا على الصّحف نشر الأخبار الداخليّة. وتعد فرنسا أوّل دولة أصدرت صحيفة رسميّة. وهكذا أصبحت الصّحافة من مكوّنات المجتمع وتطوّره ونموّه. وكان الحرص المجتمعي والسياسي على إبراز حريّة الصّحافة في نقل الأخبار والتّعليقات.
وعلى صعيد آخر فإنّ الصّحافة بحاجة ماسّة إلى الحريّة، حريّة التّعبير وبثّ الأخبار والتّقارير، ونشر المعلومات. وحريّة الصّحافة بالنّسبة للعديد من البلدان تعني ضمنًا، بأنّ من حقّ جميع الأفراد التّعبير عن أنفسهم، كتابة أو بأيّ شكل آخر من أشكال التّعبير عن الرأي الشّخصي أو الإبداع. وينصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنّ “لكلّ فرد الحق في حريّة الرأي والتّعبير، ويتضمّن هذا الحقّ حريّة تبني الآراء من دون أي تدخل، والبحث عن، وتسلّم معلومات أو أفكار مهمّة عن طريق أي وسيلة إعلاميّة بغضّ النّظر عن أيّة حدود”.
بالنّسبة للصّحافيّين، ثمّة ميثاق معنوي أو رمزي يماثل ميثاق الأطبّاء، إذ يلتزم الصّحافي بالأمانة والخلق الحسن واحترام الذّات واحترام المهنة. وكثيرًا ما يتعرّض الصّحافي إلى مواقف صعبة تؤدّي إلى معاقبته. فمثلًا، من يقوم بالتّشهير أو ترويج الإشاعات ضدّ أي شخص أو هيئة أو سلطة، فمن حق المتضرّر رفع دعوى بالمحكمة ضدّ المحرّر الذي يلحق به ضررًا، وربّما يصبح رئيس التّحرير مسؤولًا أيضًا عن الأخبار الكاذبة، فيكون القضاء ضدّه هو الملجأ الأخير.
فأين نحن في صحافتنا المحليّة من هذا كله؟ أدع الإجابة على هذا التّساؤل لكل فرد منّا.
أيّها الإخوة والأخوات،
إنّ راحلنا الذي نحن بصدد تكريمه، عمل في هذا الصّرح، ومارس الصّحافة بجوانبها، ولكنّه حرص على شرف المهنة، وكأنّه وضع ميثاق الصّحافة نصب عينيه، فكتب في الصّحف، وخدم الصّحافة من موقعه، وأصبح مرجعًا لزملائه في تقصّي المعلومات والأخبار، فيقدّمها بكلّ صدق وإخلاص ونزاهة، أليس هو النّزيه في عمله، واسمه نزيه؟ رحمه الله بواسع رحماته، وأعتقد أنّ الأمر لا يفوت على القائمين على هذا المعهد السّامي الاحترام لتخليد اسمه في مكان يليق به.
وعقّب المحامي زكي كمال على هذه النّدوة قائلًا: “ليس صدفة أن تقيم الكليّة مثل هذا النّشاط تقديرًا واحترامًا وإجلالًا لإنسان قدّم لها طيلة سنوات. إنّها خطوة نعتبرها دليل وفاء واحترام، لنؤكّد أنّ المجتمع الذي يريد الحياة عليه أن يعترف بدور أولئك الذين أعطوا وساهموا، وأن يجعل عطاءَهم نموذجًا يحتذى وعلامة تبقى”.

999f54a8-b52f-4673-853a-92ee76eb9c5a

5653a663-1996-444f-ab48-15f2b5ced069

a66997ba-5024-4e7b-9689-b610e95b05cd

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *