(د. كميل ساري، يكتب خلال جولة له في الصّين)

تقيم منظمة “أيكرم” (ICCROM) ورشة عمل حول إدارة مواقع التراث العالمي وصيانتها، حيث يشارك فيها خبراء محليين وعالميّين. تعقد الدورة في القصر الصيفي في مدينة بكين، عاصمة الصين. في هذا العدد، سأقدّم لمحة عن القصر الصيفي، بينما سأعرض في عدد لاحق مقالة عن مواقع أخرى أتيحت لي زيارتها من خلال هذه الورشة.

الموقع
يتواجد القصر الصيفي قرابة 15 كيلومترًا إلى الشّمال الغربي من مركز مدينة بكين. بُني بين الأعوام 1750 – 1764 على تلّة مرتفعة، تُعرف أيضًا باسم “موقع السّعادة والعمر المديد”. وهو عبارة عن مجمع يمتدّ على مساحة 3 كيلومترات مربّعة، يشمل العديد من المنازل السكنيّة والمعابد، إضافةً إلى الحدائق الخلّابة، تتوسّطه بحيرة كبيرة. وقد استعمل هذا المجمع أربعة من القياصرة من سلالة “تشينغ”، إلّا أنّه تعرّض لأعمال الخراب والدّمار عام 1860 (من قبل قوات بريطانيّة – فرنسيّة خلال الحرب مع الصين) وأعيد ترميمه عام 1924. عام 1998 أعلنت منظّمة اليونسكو على أنّه “موقع تراث عالميّ”.

مراحل البناء
تعود بداية البناء في الموقع إلى فترة القيصر “هنج-لي-كوانج” (حكم بين السّنين 1150-1161)، والّذي حوّل عاصمة الصّين إلى مدينة بكين الحالية، حيث بنى في الموقع قصر سمّاه “قصر جبل الذهب”. لاحقًا، وأبان فترة حكم سلالة “مينغ” (1368 – 1644) بني بالقرب من القصر معبد في القسم الجنوبيّ من التلّة. وأبّان فترة القياصرة من سلالة “تشينغ” (1661 – 1796) تمّ بناء العديد من الحدائق والمباني القيصريّة، وأحدها كان “القصر الصّيفي”، حيث قام بتوسيع منطقة البحيرة وبناء الحدائق وقد أطلق على التلّة اسم “تلّة العمر المديد” (الصورة رقم 1).

المجمّع
يمتدّ المجمّع على مساحة 3 كيلومترات مربّعة، وهو يشمل البحيرة، حدائق وبساتين، ما يقارب 3000 مبنى مساحتها تصل 70000 متر مربّع، من بينها المنازل السكنيّة والمعابد. يجدر الذكر أنّ القيصر لم يسكن هذا القصر، بل كان يأتي إليه في فترة الأشهر الحارّة خلال الصيف، وذلك بسبب الهواء البارد والبساتين المحيطة بالموقع.
أحد العناصر الهامّة في بناء القصر، هو التناسق التام فيه، حيث بنيت المباني والممرات فيما بينها بشكل متناسق تمامًا. يقسم المجمّع إلى ثلاثة أجزاء: القسم الإداري الّذي أدار القيصر فيه شؤون مملكته، قسم المنازل السكنيّة للقيصر وأبناء عائلته، وقسم المنتجع والتّرفيه.
في المدخل الرئيسي للمجمع تتواجد تماثيل الأسود: من الجهة اليمنى أسد تتواجد تحت كفّة يده كرة، حيث ترمز إلى سيطرة الامبراطور وحكمه. بينما من الجهة اليسرى للمدخل، اللبؤة التي تلاعب شبلها، وهي ترمز لسلالة الامبراطور واستمراريتها (الصورة رقم 2).
في المجمّع العديد من المباني الهامّة.. أعرض الأهم من بينها:

– مبنى الكرم والعمر المديد: بداية أطلق على المبنى اسم “مبنى الحكم الجيّد”، وقد دُمّر المبنى بيد القوات الغربيّة عام 1860. تمّ إعادة بنائه من جديد عام 1886 وسمّي باسمه الحالي نسبةً إلى مقولة أخذت من كتابات “كونفوشيوس”: “الكرماء يعيشون سنين طويلة”. في هذا المبنى، ناقش القيصر أمور الدّولة وأدارها.. ويشمل اليوم كرسيّ الامبراطور وبعض الأواني من المعادن من سلالة “شانغ”.

– حديقة الأخلاق الحميدة والانسجام: تتواجد إلى الشّمال من مبنى العمر المديد وتشمل مبنى المسرح الكبير ومبنى الثياب وقاعة الفرح. ارتفاع مبنى المسرح قرابة 21 مترًا وفيه ثلاث منصّات، يزيد عرضها على 17 مترًا. على خشبة المسرح هذا تمّ عرض الأوبرا الصينيّة. أمّا مبنى “الفرح” فتواجد تمامًا مقابل المسرح، منه كانت زوجة الامبراطور تشاهد العروض.

– قاعة العمر المديد: تواجد إلى الشّمال من المسرح، وهو عبارة عن مبنى الحياة اليوميّة عاشت فيه زوجة الامبراطور خلال أشهر الصّيف (ما بين شهر أيّار – آب).

– الرّواق الطّويل: يوصل ما بين قاعات القصر التي ذكرت أعلاه وتلّة العمر المديد، وعليها بني معبد الإله بوذا. طول الرواق يزيد عن 30 مترًا، ويشمل زخرفات عديدة؛ من بينها ثلاث مقاطع كلّ منها ترمز إلى أحد فصول السّنة: الصيف، الشّتاء والربيع.

– صورة رقم 3: مبنى المسرح.
– صورة رقم 4: مبنى الفرح.
– صورة رقم 5: جانب من حديقة الانسجام.